المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

فوانيس غزة.. صناعة محلية تنافس المستورد

زكريا المدهون

بدقة عالية يمسك الخمسيني مرعب أبو غبن بيده اليمنى قطعة صفراء من الورق المقوى “كرتون” على شكل مثلث ثبتها بالصمغ لتصبح الجزء الأخير من “فانونس” رمضاني يصنعه لبيعه خلال الشهر الفضيل الذي يحل الأسبوع القادم.

في ساحة منزله الاسبستي وسط مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، يضع أبو غبن اللمسات الأخيرة على عشرات الفوانيس مختلفة الأحجام والألوان الزاهية والجميلة تمهيدا لبيعها قبل وخلال الشهر الفضيل.

تتنوع أحجام الفوانيس التي يصنعها ذلك الهاوي بين الكبير والمتوسط والصغير، وتطغى عليها الألوان الحمراء والصفراء والخضراء والزرقاء.

ويعتبر “فانوس رمضان” من أهم وأشهر رموز الشهر الكريم وهو جزء لا يتجزأ من زينة ومظاهر الاحتفال بقدومه في قطاع غزة وبقية الدول الإسلامية.

“جهزت 500 فانوس مختلفة الأحجام والألوان لبيعها في الشهر الفضيل” يقول أبو غبن لـ “وفا”.

ويتابع: “جاءتني فكرة صناعة الفوانيس قبل عشر سنوات كهواية ولتحسين أوضاعي الاقتصادية”، مشيرا الى أن الفكرة استوحاها من تصاميم المهندسين نماذج ومجسمات للعمارات من “الكرتون” قبل بنائها.

قبل صناعة “الفوانيس” في العام 1989، عمل أبو غبن في صناعة السفن السياحية من “الكلكل” وقد نجحت بشكل كبير.

وعن كيفية صناعة “الفوانيس” يوضح أبو غبن أن الفوانيس مكونة من “الكرتون” و “الطلاء” و”البرق- الزينة” و”نايلون ملون” و”مصباح كهربائي”، منوها الى أنه يقوم بقص “الكرتون” بأشكال مختلفة ثم يثبتها بالصمغ وعمل دعامات لها من الداخل، قبل أن يقوم بتثبيت النايلون الملون وطلاء “الكرتون” بألوان مختلفة وبعد ذلك رش “البرق” على “الفوانيس” لتخرج بأشكال جميلة.

وأشار الى أن “فوانيسه اليدوية” تضاهي وتنافس المستوردة وهي أفضل منها بكثير وتبقى لسنوات، لافتا الى أنه يبيع الفانوس الواحد متوسط الحجم بـ 35 شيقلا بينما يتم بيع المستورد بخمسين شيقلا.

وتقول ويكيبيديا “الموسوعة الحرة”: “إن الفانوس استخدم في صدر الإسلام في الإضاءة ليلاً للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب.”

أما كلمة “الفانوس” فهي إغريقية تشير إلى إحدى وسائل الإضاءة، وفي بعض اللغات السامية يقال للفانوس فيها “فناس”، ويذكر الفيروز أبادي مؤلف “القاموس المحيط”، أن المعني الأصلي للفانوس هو “النمام” ويرجع صاحب القاموس تسميته بهذا الاسم إلي أنه يظهر حامله وسط الظلام والكلمة بهذا المعني معروفة.

وهناك العديد من القصص عن أصل الفانوس. أحدها الخليفة الفاطمي كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق. كان كل طفل يحمل فانوسه ويقوم الأطفال معاً بغناء بعض الأغاني الجميلة تعبيراً عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان.

كما انتقلت فكرة الفانوس المصري إلى أغلب الدول العربية وأصبح جزء من تقاليد شهر رمضان لا سيما في دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها.

وحول تسويق منتجاته، يقول أبو غبن: ان أولاده يبيعون “الفوانيس” بواسطة دراجة نارية “تكتك” في جميع محافظات غزة، مبينا أن غالبية المشترين هم من أصحاب المحال التجارية والمطاعم، إضافة الى المنازل.

وأوضح أبو غبن أنه تلقى عروضا من تجار لدعمه ومشاركته لكنه رفض ذلك، عازيا ذلك الى أن عمله بالأساس كهواية وليس تجارة.

وكشف أنه ساعد العديد من طلبة الهندسة في جامعات غزة في إعداد مشاريع تخرج وحصلوا على درجات مرتفعة.

ومع حلول شهر رمضان الكريم، تزدان واجهات المحال التجارية وشرفات المنازل بالفوانيس والزينة المضيئة.

وأكثر الفرحين باستقبال شهر رمضان هم الأطفال، الذين ينتظرونه بفارغ الصبر لشراء الفوانيس، وهناك آخرون لا يقدرون على ذلك بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية لأسرهم.

ويأتي الشهر الكريم هذا العام ويعاني سكان القطاع (1.9 مليون نسمة) من أوضاع اقتصادية سيئة بسبب الحصار الإسرائيلي، حيث تبلغ نسبة البطالة أكثر من 40% ونسبة الفقر حوالي 60%.

Exit mobile version