المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

فشل الرهان على الموقف التركي

فشل رهان حماس على تركيا في امكانية رفع الحصار عن القطاع حيث كانت تراهن حماس على ان تستخدم تركيا الفيتو على اعادة علاقاتها وتطبيعها مع اسرائيل الا بموافقة اسرائيل على رفع الحصار عن قطاع غزة وجاء الرفض الاسرائيلي القاطع بعد جلسات من المحادثات استمرت طويلا بدأتها اسرائيل بتقديم اعتذار لتركيا بعد مهاجمة اسرائيل لسفينة مرمرة التي كانت قادمة الى غزة لفك الحصار وتسبب بسقوط عدد من الضحايا ومنذ ذلك الاعتذار والمفاوضات جارية بين الطرفين لتسوية الخلافات بينهما واستعادة العلاقات الدبلوماسية في حجمها ولى طبيعتها.
وبعد طول انتظار اكدت مصادر في حماس ان تركيا تخلت عن مواقفها السابقة وشروطها في رفع الحصار عن القطاع لقاء تطبيع العلاقات بين الطرفين بعد ان تمسكت اسرائيل بموقفها الرافض لسماع مثل هذه المواقف من تركيا وبهذا تكون حماس قد فشلت مرة اخرى في استقراء المواقف السياسية الدولية وفي معرفة حقيقة راسخة بان الثابت في السياسة الدولية هو المصالح العامة،ولم تقف الامور عند هذا الحد في علاقة حماس مع تركيا بل على العكس خضعت تركيا للضغوط الاسرائيلية في تحديد علاقتها مع حماس وتراجعت علاقة حماس مع تركيا وقامت بإغلاق بعض المكاتب لها وفرضت بعض القيود على نشاط بعض قادة حماس وانعدمت زيارات قادة حماس الى تركيا وهذا كله يشكل ضريبة عودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل وبهذه الصورة تم تجاوز كافة العقبات التي كانت تعترض اعادة العلاقات بينهما.
عودة العلاقات التركية الاسرائيلية، وقد تكون في صيغة تحالفات جديدة فيما يتعلق بعدد من الملفات الساخنة في المنطقة، الملف الايراني والبرنامج النووي والامتداد الايراني ايضا في عمق الازمة السورية والتي تشكل هاجسا لكل من اسرائيل والولايات المتحدة وتركيا، حيث ان تركيا تعتبر لاعبا رئيسا في الازمة السورية بحكم الواقع الجغرافي اولا، وهي حاضرة فيها بحكم عوامل اخرى تتعلق بالدور الروسي في سوريا والعلاقات المتوترة بين الطرفين ولذلك فان اسرائيل ارادت استثمار دور تركيا للتعاطي معا مع الازمة السورية وما بعد زوال النظام السوري والأسلحة الكيماوية والإستراتجية وكافة الملفات التي تشكل نقطة لقاء بين الطرفين. ويأتي البرنامج النووي الايراني في صلب التقارب الجديد في العلاقة بين اسرائيل وتركيا، حيث سارعت ايران لوصف هذا الاعتذار الاسرائيلي بانه “لعبة جديدة” تهدف الى “التأثير على الصحوة الاسلامية في المنطقة”.
هناك الثابت والمتحول في العلاقات الدولية والثابت في علاقات تركيا فيما يخص اسرائيل وحماس او المنطقة العربية هو ان العلاقة التركية الاسرائيلية هي الثابتة والمتحولة هي علاقة تركيا مع العرب ومع الفلسطينيين وحماس فهذه تحكمها ايضا المصالح لكنها كانت مصالح قريبة المدى كانت تتطلع تركيا من خلالها لموطئ قدم في فلسطين من اجل احكام سيطرتها على القطاع والإمساك بالورقة الفلسطينية والوصول الى العمق المصري وهذا يخدم المصالح الاسرائيلية بالدرجة الاولى حيث ان علاقة تركيا المتوترة مع مصر الجار الجغرافي للقطاع كان في دائرة الاهتمامات التركية.وفي المحصلة النهائية فان تركيا العلمانية ذات التوجهات “الاسلامية” حسمت علاقتها مع اسرائيل على حساب حليفها “المؤقت” حماس.
والواقع ان العلاقات الاسرائيلية التركية ليست وليدة اليوم بل انها قامت قديما وكانت ترتكز على محاور ثلاث .. الاول : الخطر المشترك القادم من الدول العربية المجاورة لهما، والثاني:توافق رؤية الطرفين لمستقبل المنطقة، والثالث هو السقف الدولي المشترك الذي يجمعهما.
وتحكمت توازنات القوى الإقليمية تاريخياً بالعلاقات التركية الإسرائيلية، حيث اعترفت تركيا كأول دولة إسلامية بإسرائيل باعتبار ذلك من موجبات التحالف التركي الأميركي الهادف إلى مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق الذي شكلت جغرافيته – حسب الاقتصاد التركي- تهديداً تاريخياً للأناضول على مدار عقود خلت،وفي الوقت نفسه كانت العلاقات مع تركيا ضماناً من ضمانات عدم عزلة إسرائيل إقليمياً، ولذلك تطورت العلاقات بينهما مع تطابق تصورات الطرفين لما وصفوه بـ«التهديد المشترك» لهما من طرف الدول العربية الأساسية آنذاك: مصر وسورية والعراق، إذ ان هذا التهديد المزعوم شكل مكوناً مشتركاً من مكونات الأمن القومي لتركيا وإسرائيل معاً.بعد تغيرات ما يسمى «الربيع العربي»، واشتداد الهجمة على سورية اندفع الطرفان التركي والإسرائيلي للتفاهم مجدداً- وبإشراف أميركي- حول مستقبل التوازنات في المنطقة بأسرها.
وتعد العلاقات أكثر من مهمة مع تركيا لإسرائيل للخروج من عزلتها الجغرافية كما أشرنا آنفاً، ولهذا اعتبرت إسرائيل أن تركيا هي ركن أساسي من نظرية (دول المحيط) التي أسسها (بن غوريون) ورسم سياستها الإقليمية على أساسها في الخمسينيات من القرن الماضي، حيث ركزت إسرائيل جهودها على تمتين العلاقات مع دول ثلاث مجاورة للدول العربية هي /تركيا وإيران وإثيوبيا/، وذلك بهدف تشتيت انتباه الدول العربية وتطويقها بدول جوارها الجغرافي، ورفع مستوى التوتر على الحدود بين العرب والدول الثلاث المذكورة للتقليل من أخطار ومضار الحصار الجغرافي العربي على إسرائيل آنذاك.وبعد حلول ما يسمى (الربيع العربي) أصبح التقارب الإسرائيلي مع تركيا استثماراً في المستقبل من وجهة نظر إسرائيل في مجال إبرام تسوية شاملة لقضية فلسطين وفق رؤيتها، ومجابهة إمكانية تداعيات انفجار الأوضاع في عدة بلدان عربية ومخاطر ذلك على إسرائيل. ومن ثم، فإن تركيا تشكل أهم رافعة إسناد إقليمي لجماعة الإخوان المسلمين.واعتبرت تركيا ان التنسيق الفعال مع إسرائيل- بالتوازي مع التحالف القطري- الإخواني مع أنقره يشكل الركن الاساسي للسياسة الإقليمية التركية القادمة في المنطقة لمواجهة إيران.
وشكل التحالف التركي مع الاخوان المسلمين في مصر محورا انعكست اثاره على القضية الفلسطينية نتيجة قيام هذا المحور بتبني سياسات حماس في المنطقة وتقديم الدعم الكامل لها لخلط الاوراق والامساك بخيوط الورقة الفلسطينية، والغريب ان موقف تركيا من عودة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي لم يكن بحجم الدور التركي في المنطقة والتزمت تركيا الصمت حيال ذلك. وهكذا حسمت الواقعية السياسية علاقة تركيا مع اسرائيل على شكل تحالف ثابت بينهما بينما بقيت علاقة تركيا مع حماس هي علاقات مصالح مرحلية انتهت بانتهاء التوتر الذي طبع علاقة تركيا مع اسرائيل.

كتب: مركز الإعلام

Exit mobile version