المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

اسرائيل تشدد الحصار على غزة.. سحبت ثلث تصاريح التجار

هآرتس – عميره هاس

بمبادرة من “الشاباك” تم تشديد سياسة القيود على الخروج من قطاع غزة واستيراد المواد، الامر الذي يقلص النشاط الاقتصادي في القطاع الذي هو محدود أصلا. وهذا التغيير يلحق الضرر المباشر بالتجار والمستوردين ومنهم الكبار والاقدم في القطاع الذين يشغلون مئات العمال والموظفين رفيعي المستوى المسؤولين عن البنى التحتية واعمار القطاع. اطباء واكاديميون بحاجة الى استكمال الدراسة وتقديم الامتحانات في الضفة، مرضى، ارباب عائلات في الخارج وفي الضفة الغربية، موظفو المنظمات الانسانية الدولية وممثلون دبلوماسيون.

التغيير هو تراجع واضح لسياسة التخفيف التي تم انتهاجها بالتدريج على مدى السنوات الست الماضية التي كان هدفها الاساسي قطاع الاعمال الفلسطيني. في الاشهر الاخيرة تم الغاء أو لم يتم تجديد تصاريح الخروج من غزة لـ 1400 تاجر، أي أكثر من ثلث التجار ورجال الاعمال الذين حصلوا باستمرار على تصاريح الخروج لفترات طويلة في السنوات الاخيرة. الحديث يدور عن التجارة في جميع المجالات: المواد الغذائية ومواد التنظيف والأدوات الكهربائية والنسيج والاثاث ومواد البناء وحتى الهاي تيك.

في خطوة تؤثر فورا وبشكل صعب على اقتصاد القطاع ومحاولة اعماره، بدأ الشاباك ايضا بمنع رجال اعمال معينين من استيراد مواد للقطاع. في البداية تم نشر عشرات الاسماء، وكل يوم يضاف الى القائمة مستوردون ووكلاء لشركات دولية واسرائيلية قطعت اعمالهم بأمر من الشاباك. لدى “هآرتس” قائمة مكتوبة بالعبرية لـ 140 تاجرا ومستوردا، لكن مصادر في القطاع قالت للصحيفة إن عدد الممنوعين وصل في هذا الاسبوع الى 250. تم منعهم من الشاباك، لكن لم يتم تقديم تفسير لهذا المنع. من بين التجار مستوردون للحديد والدهانات والمولدات الكهربائية والمضخات والمواد البلاستيكية.

مصطفى مرتجى، مهندس وصاحب شركة استيراد للمولدات الكهربائية والمضخات وقطع الغيار منذ اربعين سنة، أصبح فجأة في قائمة الممنوعين من الشاباك. مرتجى يبلغ 80 سنة من عمره وقد قال لصحيفة “هآرتس” إن أمر المنع قد تم ابلاغه به قبل خمسة اشهر في معبر كرم أبو سالم حيث وصلت المواد التي اشتراها الى هناك، وبعد أن تم فحصها الأمني في ميناء أسدود وقام بدفع الضرائب المطلوبة، وعندما انتظر عبور الحاويات من الطرف الاسرائيلي الى الطرف الفلسطيني في معبر كرم أبو سالم قيل له إنه ممنوع ادخالها.

في الاشهر التالية جاء المزيد من البضائع التي اشتراها من الخارج قبل المنع. وهي توجد في مخازن بملكية مواطن اسرائيلي في الجانب الاسرائيلي لمعبر كرم أبو سالم. وتبلغ قيمتها مليون دولار وتشمل مولدات صغيرة للكهرباء لتشغيل المصاعد. هذا أمر حيوي بسبب انقطاع الكهرباء المتواصل في القطاع، وايضا مضخات لتحسين تدفق المياه في الشبكة البلدية. مرتجى كان ايضا حاصل على تصريح خروج خاص كرجل اعمال لمدة سنة، ولم يتم تجديده في أيار.

وبناء على طلبه التقى مرتين مع رجال الشاباك في حاجز ايرز كي يفهم لماذا لا يمكنه استيراد البضائع. وحسب قوله، رجال الشاباك لم يتحدثوا عن أي شيء مخالف للقانون. وقد وعدوه بأن يتم انهاء هذه المشكلة، لكن فيما بعد تم الغاء تصريح خروجه، دون ذكر السبب ايضا.

وقال مرتجى لصحيفة “هآرتس” إنه لا يعرف ماذا سيفعل في المستقبل: هل يقطع علاقته مع الشركات في الخارج، التي تواصلت عشرات السنين؟ هل ينفذ الصفقات على أمل أن يتم رفع الالغاء؟ وقال إن قائمة الشاباك يوجد فيها خمسة مستوردين آخرين لمولدات الكهرباء و10 مستوردين للمضخات.

رجل اعمال قديم ومعروف في القطاع وله صلات مع دبلوماسيين اجانب قال للصحيفة إنه لم يتم تجديد تصريحه دون تقديم سبب لذلك. وبعد توجهه أكثر مرة، قيل له إن عليه الالتقاء مع رجال الشاباك. وقد التقى معهم اربع مرات في ايرز. وحسب اقواله “المعاملة كانت جيدة والاسئلة وجهت باحترام، ولم يضغطوا عليه للتعاون”. وفي نهاية المطاف حصل على تصريح خروج لأسبوعين فقط. وقد تحدث عن حفل لدبلوماسي اميركي دعا اليه ثمانية فلسطينيين من غزة، اثنان منهم فقط حصلا على تصريح خروج.

الغاء زاحف

الغاء التصاريح أو عدم تجديدها هو عملية مستمرة منذ شهر شباط بالتدريج. بسبب التدريج وحقيقة أن الالغاء لم يرافقه تفسير اسرائيلي، فان الامر لم ينشئ انطباعا بوجود تغيير في السياسة. لكن الحالات المتراكمة وازدياد قائمة الممنوعين من الاستيراد أصبحت في الاسابيع الاخيرة ظاهرة، وحسب المؤشرات ستستمر فترة طويلة.

جهات رسمية ودولية وبعض التجار التقوا مع ادارة التنسيق في غزة (الخاضعة لمكتب منسق العمليات في المناطق في وزارة الدفاع). وقالوا للصحيفة بعد اللقاء إن الاجابة التي حصلوا عليها هي أن هذه اجراءات يتخذها الشاباك، وأنه لا صلة لهم بها.

“س.” الذي يبلغ 35 سنة ويملك شركة هاي تيك فيها أكثر من 100 موظف ولها علاقة مع شركات اسرائيلية والمانية واردنية ومع الامارات العربية والضفة الغربية، خرج قبل سنتين من غزة وعاد بشكل طبيعي.

قبل ذلك، قال للصحيفة، انه نجح في الحصول على تصريح خروج بعد تدخل القنصلية الاميركية، لكنهم أبلغوه في شهر أيار أنه لا يستطيع تجديد تصريح الخروج بسبب “المنع الأمني”.

“ر.” وهو صاحب مخيطة كبيرة ومستورد للاقمشة من تركيا والصين واوروبا ودول الخليج، ولديه 260 عاملا في ثمانية فروع وهو يسوق الملابس في الضفة ايضا. في العامين الاخيرين خرج الى اسرائيل والضفة والخارج باستمرار، بفضل التصاريح التي كانت تمنح لعدة اشهر ويتم تجديدها بشكل دائم. فجأة تم رفض طلب تجديد التصريح ايضا “لأسباب امنية”. “ر.” قال للصحيفة إنه يستمر في عمله “من خلال الهاتف”، لكن حقيقة أنه لا يستطيع أن يسافر لفحص الأقمشة والتحدث مباشرة مع المشترين والبائعين تتسبب بأخطاء كبيرة في الكمية وفي نوع الاقمشة.

“م.” يبلغ من العمر 52 سنة وهو مستورد للاسماك من اسرائيل ولديه مطعم للسمك. في 2010 كان من الاوائل الذين حصلوا على تصاريح خروج لاسرائيل. وفجأة لم يتم تجديد تصريحه. وطلبه لمرافقة زوجته من اجل العلاج في شرقي القدس تم رفضه، ولم يحصل على تصريح للمشاركة في حفل في القنصلية الاميركية.

إن من يسمح له الاستمرار في الاستيراد، تستمر اعماله من خلال الهاتف وبمساعدة اقرباء أو أجيرين لم يتم الغاء تصاريحهم، لكن الجميع يتحدثون عن الصعوبات والتعقيدات في العمل.

وحسب التقديرات، فان حوالي 50 في المئة من المرفوضين هم أصحاب الشركات الكبرى في القطاع. وقال موظفون في القطاع لمحققي جمعية “غيشه” إنه نتيجة التعويق في النشاط التجاري يمكن ملاحظتها في الميدان: تم الغاء صفقات كثيرة، ولا يمكن عقد صفقات جديدة. وقالوا إن تجميد عمل التجار الكبار يشل عمل التجار الصغار.

تفسير أمني

وصلت الى مركز الحفاظ على حرية الحركة “غيشه” مئات الشكاوى من السكان الذين تم منعهم بشكل مفاجئ من الخروج، ومن بين المشتكين فلسطينيون وصلوا الى حاجز ايرز ولديهم تصاريح، وبعد أن تم تفتيشهم فوجئوا بأخذ تصاريحهم واعادتهم الى القطاع. وطلب من بعضهم الالتقاء مع رجال الشاباك من اجل محادثة أمنية. وضاع عليهم بالطبع موعد لقاء العمل. ولاحظت “غيشه” أن هناك من حصلوا على التصاريح قبل فترة قصيرة، وتم سحبها منهم. أي أنهم مروا بعملية الفحص الشخصي والأمني.

ومن الحالات المدنية التي وصلت الى “غيشه” حالة شاب عمره 35 سنة، وهو مواطن من السويد يعيش هناك منذ عقد الى ما قبل عامين. وقد طلب الخروج الى القدس هو وزوجته من اجل تسجيل ابنهما في القنصلية السويدية. وقد رفضوا منح تصريح لزوجته “لأسباب امنية لا يمكن الكشف عنها”.

المرأة التي تطلب الانضمام لزوجها الذي يعيش في السويد كانت لها مقابلة في القنصلية السويدية للحصول على تأشيرة هجرة. وقد تم اعطاؤها التصريح المطلوب هي وأبناؤها الصغار. أما ابنها الكبير الذي يبلغ 17 سنة فقد رفض لأسباب امنية. وفي اعقاب تدخل “غيشه” تم استدعاؤه للقاء امني مع الشاباك رغم أنه قاصر.

طالب عمره 20 سنة تم استدعاؤه الى مؤتمر في الولايات المتحدة، لكن طلبه للذهاب الى القنصلية في القدس رفض، وعندما سأل عن السبب، قال ممثل اللجنة المدنية الفلسطينية إن السلطات الاسرائيلية قالت إنه ممنوع امنيا لمدة 100 سنة.

شخص عمره 85 سنة طلب هو وابنه تصاريح خروج لزيارة ابن آخر للعائلة يعيش في الضفة الغربية. هذا الابن أصيب بمرض السرطان وأجريت له عملية في حلقه حيث فقد قدرته على الكلام.

طالت هذه التسهيلات في السنوات الاخيرة عددا قليلا من الاشخاص في القطاع. سياسة منع حرية الحركة لسكان القطاع وقطع الصلة مع الضفة الغربية بدأت في 1991 وتفاقمت في سنوات الالفين ولا سيما بعد 2006. والخروج الى الخارج كان عن طريق معبر رفح، ولكن منذ اسقاط نظام الاخوان المسلمين، المعبر مغلق معظم الوقت.

التسهيلات الاسرائيلية المتدرجة خلال السنوات الست الاخيرة حدثت نتيجة التحذيرات من قبل الدول المانحة والبنك الدولي حول خطر الانهيار الاقتصادي والبيئي في القطاع. فالدول المانحة تعتبر قطاع الاعمال الفلسطيني عامل اعتدال، اضافة الى الدور الاقتصادي. لذلك حصل التجار على النسبة الأكبر من التصاريح.

المتحدثة بلسان الشاباك وعدت بالرد، لكن الرد لم يصل حتى كتابة هذه السطور.

Exit mobile version