المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الروائي وبطله: راشد حسين بين الدراسة والرواية

بقلم: عادل الأسطة

للناقد السوري جورج طرابيشي كتاب عنوانه “الروائي وبطله: مقاربة اللاشعور في الرواية العربية” (1995) يدرس فيه روايتين؛ واحدة لحنا مينه، والثانية لربيع مبارك، وما يهم هو التقديم الذي كتبه الناقد “حول التحليل النفسي للبطل الروائي”.
وفيه يرى طرابيشي أن لا شعور البطل الروائي مستقل عن لا شعور الكاتب، ويذهب إلى أن البطل الروائي ليس نسخة طبق الأصل عن الروائي.
وكما أن الشخصيات الروائية، لتحظى بصفة الحياة، من المفروض أن تكون من لحم ودم، أفليس المفروض فيها أن تكون من أعصاب؟
ويرى طرابيشي أن تحليله لشخصية البطل الروائي لا تعني بالضرورة تحليله لشخصية الروائي، إذ لو كانت هناك مطابقة بينهما، لما كانت هناك ضرورة لكتابه أصلاً.
واعتماداً على هذا درس كثيراً من النصوص الروائية العربية، ومنها نص حنا مينه ورواية ربيع مبارك.
منهج جورج طرابيشي منهج مشروع، ولكن هناك من لا يأخذ به، فلا يمكن نسيان عنصر الصنعة في الفن، فالفنان لا يعمل بتلقائية مطلقة، وبالتالي فإن تحليل الشخصيات في العمل الأدبي، كما لو أنها اعتراف على كرسي المحلل النفسي، أمر فيه قدر من الخطورة، كما يرى نقاد آخرون.
يلجأ طرابيشي إلى منهج الناقد النفسي المحترف، فيحلل شخصيات العمل الروائي كما لو أنها اعتراف على كرسي المحلل النفسي، وهو منهج يختلف عن منهج (ادموند ولسون) الذي يدرس سيرة حياة الأديب، ليربط ما بين نتاحه، وما بين حياته.
فدراسة سيرة حياة الأديب مهمة لفهم نتاجه، ولفهم ما يريد أن يقوله، بل ولتذوق فنه: “لكي نتذوقه فناناً علينا أن نعرفه إنساناً”.
في قراءة رواية إلياس خوري “أولاد الغيتو: اسمي آدم” يثار السؤال التالي: ما هي المسافة بين الكاتب إلياس خوري وبين بطله آدم”، وهو سؤال إذا كان لا يعني طرابيشي، إذا ما أراد تحليل شخصية آدم، فإنه يعني دارساً آخر يبحث عن حضور المؤلف في نصه.
والصحيح أن إلياس خوري نفسه في المقدمة التي كتبها للرواية هو من فتح عين القارئ الناقد على إثارة السؤال السابق عن المسافة بين المؤلف والبطل، وذلك حين تحدث عن إشكالية التجنيس.

يكتب إلياس:
“سوف يلاحظ القارئ أن هذه الدفاتر تتضمن نصوصاً غير مكتملة، تزاوج بين الرواية والسيرة الذاتية، وبين الواقع والتخييل، وتمزج النقد الأدبي بكتابة الأدب”. (ص16)، وكان أقر في مقابلة أجريت معه حول الرواية بأن شخصية بطل الرواية هي من اختراعه، وأنها ليست شخصية حقيقية، فهو ليس نصّاباً ليسرق دفاتر آدم وينشرها باسمه.
ولأنني لست من أصحاب المناهج النقدية النصية، إذ غالباً ما أبحث عن صاحب النص في نصه، فإنني أدرس ما أعرفه من سيرة الكاتب في أثناء قراءة سيرة بطله، وهذا قد لا يروق لنقاد آخرين نصيين.
ومازلت أذكر المقدمة التي كتبها الشاعر أحمد دحبور لكتابي “أدب المقاومة..” 1998 حيث أخذ عليّ إمعاني في التوغل الشخصي في أثناء دراسة نصوص الأدباء.

راشد حسين بين إلياس خوري وبطله آدم:
يحضر الشاعر راشد حسين في رواية “أولاد الغيتو” في مكانين؛ في صفحة 40، وفي ص181، ويبدي آدم رأيه في الشاعر ومكانته الشعرية.
وكان إلياس نفسه، في العام 1977، كتب دراسة عن راشد حسين ونشرها في مجلة شؤون فلسطينية، ثم أعاد نشرها في كتابه “الذاكرة المفقودة: دراسات نقدية” (1982).
والسؤال هو: هل تختلف رؤية البطل الروائي للشاعر راشد، عن رؤية الكاتب الحقيقي؟
يستطيع المرء أن يجري موازاة بين رأي المؤلف الحقيقي للرواية ـ أي إلياس خوري، كما ورد في دراسته، وبين رأي بطله الروائي آدم، ليقول لنا إن كان البطل الروائي غير المؤلف الروائي، ومن ثم يمكن العودة إلى قناعات الناقد طرابيشي في هذه القضية.
في دراسته أشعار راشد حسين يرى إلياس خوري أن راشد “لم يترك بصماته على أحد. فهو شاعر متواضع….. فهو لم يكن صاحب وجهة شعرية حتى يترك بصماته على الشعر الفلسطيني، رغم أن جميع الشعراء الفلسطينيين فتنوا كغيرهم من أبناء الأرض المحتلة بصوت هذا الشاعر.” (ص259).
وأما آدم بطل الرواية فيقول: “قرأت دواوين راشد الثلاثة، وأحسست بخيبة الأمل، أحببت شعره، لكنني شعرت بأنه ما قبل الشعر، فهو يمهد للشعراء الآخرين الذين أتوا من بعده، ويكتب ما يشبه تهجئة الذات التي تسبق الوصول إلى امتلاك اللغة التي تعبر عنها”.(ص40).
ويقرّ آدم بأنه لما عثر على كتاب كمال بلاطة وميرين غصين، أعاد قراءة راشد من جديد، وأحسّ بأن قصة راشد هي شعره. هل يستطيع دارس الأدب، حقاً، أن يفصل نتاج الأدب عن الأديب؟

Exit mobile version