المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الانقلاب التركي في فلسطين!

بقلم: بكر أبو بكر

احتفل البعض بالانقلاب العسكري في تركيا (قبل أن يفشل)، ووقف البعض الآخر يتفرج ناظرا بزاويتي عينيه علّه يفهم وهذا البعض على تنوعه باعتقادي شكل الأغلبية، أما النوع الثالث عالي الصوت فلقد اتخذ موقفا مناهضا للانقلاب مؤيدا للنظام أساء أم أحسن.
أن تهلل (نحن تركيا) كما ردّد مؤيدو أردوغان، أو تهلّل ضد نظام أردوغان الذي بدأ يكشف وجها تسلطيا وفق محاولة فرض النظام الرئاسي تأسيسا لدكتاتورية جديدة كما يقول معارضوه فهذا حقك كتركي، حقك كمواطن أن ترى من الزاوية التي تريد وتقرر، ولكن كيف نفهم ذلك في مواقف أبناء فلسطين الذين وجب أن ينظروا لأي حدث من زاوية واحدة هي مدى الاقتراب أو الابتعاد عن فلسطين.
المواقف المتباينة التي ظهرت في الإعلام عامة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي دللت في النوعين (المؤيد بلا تحفظ أو المعارض بلا تحفظ) على تشدد وتعصب ومواقف مسبقة لا علاقة لها بمجريات الأمور أومتغيرات السياسة أو التفكير القيمي – المصلحي الذي يجعل من فلسطين فقط بوصلته.
هناك الكثير من الحقائق التي وجب أن نستخلصها مما حصل في تركيا فهي دولة محورية في الإقليم وعضو في حلف الناتو، وتشكل ضمن ثلاثي الجوار لاعبا اقليميا مؤثرا (أي مع إيران وإسرائيل) ولها قطعا تأثير في مسار القضية الفلسطينية، ولكنها كدولة في جميع الأحوال بغض النظر عمن يحكمها تضع مصلحة الدولة فوق فلسطين أو غيرها، وكما ظهر مؤخرا في الاتفاق التركي– الاسرائيلي الذي تجاوز أحلام (المؤيدين بلا تحفظ) للسلطان أردوغان.
تركيا اللاعب الاقليمي دولة اختار شعبها مبادئ راسخة ثلاثة هي: العلمانية (حتى أردوغان ذاته وحزبه وافقوا علنا على ذلك بلا مواربة، حتى الآن، بل ويرفض أن يتم تصنيفه أنه حزب اسلامي) وثانيا اختار الديمقراطية (ليس لمرة واحدة)، وثالثا اختار تحقيق مصلحته الاقتصادية والرخاء والأوروبية (السعي للانضمام لأوروبا)، ولم تمنع هذه الحقائق انطلاق أحلام البعض (ومنه الفلسطيني) بالسلطنة أواستعادة ما يظنونه ركنا من أركان الإسلام أي “الحلافة العثمانية” عبر عمامة أردوغان أكان حكما متسلطا أم لا، فهو من يتم التوجه له بالدعاء (اللهم انصر من نصر الإسلام!) حتى لو كان من مؤيدي الشواذ في تركيا أو غير ذلك!
لا أظن أن من رقص طربا للانقلاب في تركيا مثل أتباع النظام السوري داخل دمشق يستطيعون أن يرفعوا أصبعهم في وجه نظام الأسد حتى لو حرق أرجلهم.
ولا أظن أن من دافع عن نظام أردوغان ظالما أو مظلوما يستطيع أن يفهم خسران مقارناته وخسران أوهامه فلا تركيا تشبه غزة، ولا تركيا تسعى لمصلحة غيرها أولا، ولا هي حتى بحزب العدالة والتنمية تضع فكرانيتها (ايديولوجيتها) فوق مصلحة بلدها، بمعنى آخر وبعيدا عن العواطف (الاسلامية) الجياشة فلا تشكل غزة أو فلسطين لديها إلا مساحة فعل جديدة، من حقها –كما ترى-باعتبارها لاعبا أساسيا أن تستخدمها، ولم لا ما دامت ستصبح سوقا جديدا متاحا لمنتجاتها، وما دام الغاز يقبع قبالة غزة وما دامت عامل قوة في صراع المحاور الثلاثة المتقاتلة على أرضنا العربية!
ما حصل في تركيا شأن داخلي نعم، ومحاولة الانقلاب هي استنساخ لأدوار سابقة قام فيها الجيش التركي بالانقلاب على السلطة السياسية ونجح سابقا، فلماذا يفشل اليوم ؟ يفشل الانقلاب اليوم لأن روح (الربيع العربي، أو روح الانتفاضة الشعبية) والتغيير – اتفقنا أم اختلفنا مع نتائج الربيع – أصبحت روحا هائمة من الممكن أن تحلق لتستقر في دول العرب أوغيرها، بمعنى آخر أن سلطة الجماهير أصبحت حقيقة واقعة، كما سلطة الإعلام الاجتماعي، وكما سلطة الفكر المنفتح الذي ضرب أسس الظلامية والتعصب والانغلاق.
ان استقرار المفاهيم ومزايا المفهوم التي عادت على الشعب بالفائدة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية تتقدم على مفاهيم الفكرانية (الايديولوجية) التي تضع افتراضات تمس حياة الشعب اليومية (حسب المصطلح الإسلامي الأمور السلطانية أو السياسية-الحياتية) تظنها راسخة لا تتغير وهي بالحقيقة سرعان ما تذروها رياح التغيير، ويظل الظلامي أو المتعصب أو المغلق يفكر في مساحة قوقعته.
هل لنا ان نفرح نحن في حركة فتح بالانقلاب (الذي فشل) في تركيا ونحن من رفضنا انقلاب “حماس” العسكري (الذي نجح) في غزة مثلا ؟ وكيف لحماس أن تهلل لأردوغان وهو يوقع مع الاسرائيليين اتفاقا تجاهل كليا ما طرحه سابقا بإنهاء حصار غزة ؟ وافقنا أو اتفقنا مع النظام في تركيا أومع مخالفيه يجب ألا تقودنا آراء ثابتة مسبقة ذات طابع مغلق (ايديولوجي) يضفي علي الأنظمة أو الأحزاب أو الأشخاص أوهاما مقدسة، ولا يجب أن يحركنا حقد أو تعصب أبدا، فنحن بوصلتنا في حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح وفي الشعبية وحماس واحدة، أو يجب أن تكون واحدة.
(ملحوظة رفع الأتراك علم تركيا فقط رفضا للانقلاب بينما رفع أنصار حماس في غزة صورة أردوغان ؟! أليس لنا في ذلك كبير درس).
ينظر الأتراك بعيون مفتوحة إلى منجزات الدولة والسياسة (أكانت حزب أردوغان أم من سواه) ولكن يمكن أن ينظروا لحزب أردوغان بمحبة واحترام لذا نزلوا إلى الشوارع، فهو الحزب الذي نقل المركز الاقتصادي لتركيا من المركز 110 الى المركز 17 أي انه دخل نادي مجموعة العشرين، وفي حكم حزب العدالة والتنمية ارتفع دخل الفرد من 3500 دولار الى 10000 دولار عام 2013، وزادت الأجور 300% وارتفعت العملة التركية 30 ضعفا، وبالإضافة للتطور السياسي والزراعي والصناعي والاقتصادي الكبير الذي منه يكفينا القول إن تركيا أصبحت تقوم بتدوير القمامة لاستخراج الطاقة التي يستفيد منها ثلث السكان، واردوغان لمن يحبه أو يكرهه هو من سدد 47 مليار دولار عجز الميزانية قبل 3 سنوات، وتركيا هي التي صنعت أول دبابة مصفحة وقمر صناعي عسكري وطائرة…الخ، فكيف تحكمون، هذا رجل (وحزبه) لا يقدم إلا مصلحة بلده أولا، وبالتالي قد يلتمس لنفسه الحق أن يسود وحزبه ولو بأساليب سياسية جديدة لا يقبلها المعارضون.
ليتوقف الفلسطينيون (خاصة أولئك المؤيدون أو المعارضون بلا تحفظ أو تبصر) عن النظر لمجريات الأمور من زاويا فوق وطنية، وليتوقفوا عن النظر للحراكات السياسية من زوايا أممية. وليتوقف الفلسطينيون عن النظر للمتغيرات وفق آراء حزبية (أيديولوجية) مسبقة، فنحن أصحاب قضية تتقدم على ما سواها، فأن يفرح البعض بما حصل في تركيا أو اليمن أو ليبيا أو مصر أو البحرين أو يحزن، ويوافق أو يرفض يجب أن يدرك أن قواعد القياس يجب أن تكون لدينا (قيمية-مصلحية) ترتبط بقيم حضارة الأمة العربية والاسلامية، وبقيم العدالة والديمقراطية والحق عامة…. تلك التي تسير في ركاب فلسطين أولا.

Exit mobile version