المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الفكر السياسي لحركة حماس بين المراحل والتفسير المجتزأ

لم تظهر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في صورة الأحداث إلا عندما أعلنت عن نفسها بعد بدء الانتفاضة المباركة التي مهد السبيل لها أول الرصاص أول الحجارة الشهيد القائد البطل خليل الوزير (ابو جهاد) ورفاقه من قيادات حركة (فتح). أي أن (حماس) ظهرت في البيان الذي وزعته في 14/12/1987 ولأنها أعلنت عن نفسها بشكل صادق بعد ذلك بأنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين فحركة حماس تعتبر جزءا من التنظيم الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين تلك الحركة التي أنشأها الشيخ حسن البنا عام 1928 في مصر، وبدأ ينـتـقل فيها من النظرة الإسلامية للمجتمع إلى العمل في السياسة منذ العام 1939 كما يقول الكاتب الإسلامي المعروف فتحي يكن (14). وليفتتح أول فرع لهم في فلسطين في القدس عام 1945. وبعد مشاركة الإخوان المسلمين – التنظيم الفلسطيني شأنه شأن التنظيمات الفلسطينية الأخرى (فروع لأحزاب أو أطر قومية، أو منظمات محلية) في حرب 1948 عاشت الجماعة – التنظيم الفلسطيني مرحلة من (السكون) التي افترضت بهم الابتعاد عن مجريات الفعل والتأثير بالأحداث والركون لاجترار الماضي والترقب والانتظار منذ العام 1957 حتى العام 1987، أي انهم لم يكونوا طوال هذه الفترة – وهي فترة صعود نجم المقاومة الفلسطينية المسلحة وعلى رأسها حركة (فتح) – إلا في دائرة الظل والتي استطاعت جماعة الإخوان المسلمين – التنظيم الفلسطيني أن تـنتهز، بعد أن تعلمت الكثير من (فترة السكون) التي امتدت لثلاثين عاما على الأقل، أن تنتهز فرصة حدث بدا عظيما، وهو كذلك، كانتفاضة الشعب الفلسطيني المباركة لتعلن عن ظهورها (جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين)(15).
وبالتالي فانه من المفترض أن يكون فكر أو فكرانية حركة (حماس) هو ذات فكر التنظيم الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين وذات الفكر لجماعة الإخوان المسلمين بمقرها العام في مصر.

مرحلة السكون التنظيمي
إن السكون أو حالة الكمون في الفكر، وفي التجربة والعمل، هي الحالة التي يُقذف فيها بالشخص أو التنظيم أو الفكر أو المجتمع خارج دائرة الحدث، وبعيدا في زوايا الظلمة والنسيان، مما يؤدي لفقدان التأثير في الفعل التاريخي. إنها حالة أو مرحلة عاشتها عديد من التنظيمات التي نشأت في هذا القرن ومنها جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة التنظيم الفلسطيني فيها.
أن تعيش مرحلة من السكون يعني انك لا تشعر بمرور الزمن وحوادث هذا الزمن من حولك، ولا تشعر إلا بثقلها وبطئها وقسوتها عليك، أو أن إحساسك بها – ربما لعدم وجودك ضمن حركيتها وفعاليتها – يكون في حده الأدنى الذي يجعل من موقفك ضد الصيرورة والتواصل لحوادث التاريخ موقفا سلبيا نابعا من عقلية الترقب والانتظار أو الخوف والفزع أو التشاؤم والسوداوية والانعزال.
أن ذاك الذي يعيش مرحلة السكون هذه لا يُقدِّر مجريات الأحداث وتطورات الأمور بشكلها الصحيح، فهو يسبغ عليها جزءا من شعوره السلبي الساكن فلا يقيمها كما هي بإيجابياتها وسلبياتها ومقدماتها ونتائجها. ولأنه لا يتفاعل معها فهي لا تساوي شيئا لديه، وقد لا يدرك أن وضعه الحالي قد جاء نتيجة التغيرات المختلفة من حوله وفيه أيضا، لان انتقاله من موقع إلى آخر أو من طور إلى آخر لا يجري إلا عبر (وسيلة) تماما كما هو الحال في انتقـال شـخص من مدينة إلى أخرى فهو يتم عبر التغيير الجغرافي الذي تم بتفاعل الزمن مع وسيلـة النقل، وهو نفس الوضع الذي قد يجد نفسه فيه شخص في الحاضـر ولا يمتـلك زمام الحركـة أو الفعـل فيسقط من فكره كل عوامل التطور التي أوصلته لموقعه الحالي، أو قد يتعهد نتيجة (العوج) أو (الضلال) أن يصور المرحلة السابقة كمرحلة فعل وإعداد وتهيئة، هو نفسه ذاك الساكن من قام بها؟!، رغم سلبـيتـه وسكونه وهامشيته آنذاك؟!. وهذا بالضبط ما يحاول التنظيم الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين وآخر إفرازاته (حركة المقاومة الإسلامية – حماس) أن يوهم الآخرين به. فعلى مدى اكثر من ثلاثين عاما من السكون والهامشية، لا بل والسلبية المفرطة، يعود هذا التنظيم محاولا صناعة تاريخ لم يكن في الحقيقة له فيه أي دور فاعل أو أساسي. ونخالف في ذلك د. عبد الستار قاسم الذي اعتبر أن البناء الفكري لحركة (حماس) مر أولا (بمرحلة البناء الهادئ وتمتين الدعائم (1967-1976) (16) والتي هي في حقيقتها بسنوات سبقتها وأخرى لحقتها كانت (مرحلة السكون) بالخروج عن التأثير في الأحداث كما أسلفنا وكانت مرحلة تعج بعوامل الإحباط واليأس والشقاق والانشقاق لدى هذا التنظيم. وخير من كتب عن هذه المرحلة هو مسؤول التنظيم الفلسطيني آنذاك د. عبد الله ابو عزة. ثم يضيف د. عبد الستار في مرحلته لفكر (حماس) لمرحلة ثانية ثم ثالثة ورابعة انتهت بالإعلان عن (حماس) وبشكل يحاول أن يصنع به تاريخا عبر اجتزاء الأحداث وإسباغ أهمية عليها لا تستحقها كما هو الحال فيما اسماه (معسكرات الشيوخ) على سبيل المثال والتي سنتعرض لها لاحقا ومن شهادات قيادات التنظيم الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين أنفسهم.

حال التفسير
إن التفسير المجتزأ – للتاريخ الذي أهمل الهوامش في مرحلة السكون- يستدعي بالضرورة إعطاء أهمية قصوى لمعطيات مع إغفال الأكثر أهمية منها بشكل متعمد. وكما هو شأن السيد محمد نزال الذي اعتبر الإرهاصات للتوجه العسكري للتنظيم الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين ابتدأت مع (إشعال انتفاضات المساجد في سنوات 82،83 والتي كانت تتمثل في مظاهرات عارمة كانت تخرج من المساجد تعلن غضبها عقب قرار الحركة في صائفة 1985 – يقصد حركة الإخوان المسلمين هنا – باعتماد سياسة تثو ير الجماهير وترتيب الفرصة الملائمة وانتهازها للقيام بعملية نهوض جماعي جماهيري لرفض الاحتلال).(17) وفي ذلك ادعاء لم تصدقه الأحداث لقيادة فعل لأطر لم تكن موجودة بالفاعلية المطلوبة وهذا ما يدخل ضمن أمور أخرى في مفهوم القراءة المجتزأة، أو صناعة الأوهام كما يسميها د. عبد الله النفيسي، او بالاحرى يدخل في باب (التضليل) ولا سيما، وكما هو معلوم، أن عملية الإعداد والتهيئة الدؤوبة فكريا وتنظيميا وماليا وعسكريا كانت الشغل الشاغل للعقل المدبر (للنهوض الجماعي الجماهيري) أي الانتفاضة المباركة وهو عقل القائد الشهيد ابو جهاد أول الرصاص أول الحجارة واخوته وابنائه من قيادات الداخل.
لم يتحدث السيد نزال إلا بقراءة انقطاعية للأحداث وجد نفسه فيها محورا وعتمت الصورة عما حولها فحاول أن يوهم الآخرين بأنه من كان يمهد الأرض منذ سنوات لما اسماه (النهوض الجماعي الجماهيري لرفض الاحتلال) في نفس الوقت الذي يشير فيــــه د. إبراهيم اليازوري من قياديي (حماس) في القطاع إلى أن الاجتماع في منزل الشيخ ياسين بعد يوم من الحادثة الشهيرة التي فجرت الانتفاضة عام 1987 دار النقاش فيه (حول ضرورة استثمار هذه الحادثة وكيفية الإفادة منها عملا مساعدا لإثارة المشاعر الدينية والوطنية والقيام باحتجاجات جماهيرية)(18). (؟!)

القراءة الأولى في فكر التنظيم
كنت قد قرأت قبل سنوات ميثاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والذي اصدر في أغسطس 1988، وكان اكثر ما أثار انتباهي وشدني فيه، التغيير الكبير الحاصل في الخطاب الذي بدأت جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينيين تستخدمه انطلاقا من النظر في هذا الميثاق وبيانات التنظيم. فمن صيغ القوالب الجامدة والتشدد والتصلب المعهودة في التنظيمات الفكرانية (=الأيديولوجية) عامة ومنها التنظيمات الدينية، إلى صيغ ومفاهيم على مطاطيتها فهي توحي بالواقعية (البراغماتية)(19) والمرونة، انه بدلا من استخدام عبارات المطلق والتعميم والوعظ في أجزاء من الميثاق والبيانات والتصريحات بدأ خطاب التنظيم يكتسب تساهلا ومرونة على حساب الأهداف الكبرى التي يطرحونها. يقول على سبيل المثال د. محمد عثمان شبير في رأيه حول الصلح مع اليهود (انه يجب على المسلمين أن ينظموا أنفسهم تحت قيادة إسلامية مؤمنه واعية تعمل على إضعاف قوة اليهود بقتل مقاتليهم وتخريب مصالحهم الاقتصادية إلى أن يتم التحرير الكامل لأرض فلسطين الإسلامية. وإلا فسيعذبهم الله ويجعل بأسهم بينهم شديدا)(20) فأي مسلمين يقصد؟ وكيف ينظمون أنفسهم؟ ومن هي القيادة الإسلامية؟ وما معنى الوعي؟ وما المقصود بالقتل والتخريب… الخ من الأسئلة التي تبرز والتي تحتاج حين الحديث عنها لأهداف وغايات وسياسات واستراتيجيات وخطط كلها لا تقبل مثل هذا التعميم المخل والإطلاق غير المفيد، كما تحتاجه رسالة تنظيم (حماس) إلى المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الـ 19 في 15/11/1988 والتي أكدوا فيها على ضرورة (ربط القضية الفلسطينية بعمقها الإسلامي، والعمل على حشد طاقات الأمة الإسلامية وإمكاناتها الهائلة (؟!) لمعركة تحرير المسجد الأقصى (؟!) وذلك عبر خطة واضحة المعالم محددة المراحل (؟!)(21)
أقول أنني لاحظت – على عكس المثالين السابقين وغيرهما الكثير – في الفكر الجديد لجماعة الإخوان المسلمين الفلسطينيين ما يقربهم مما يقوله المفكر الاخواني (نسبة لجماعة الإخوان المسلمين) فتحي يكن حين يقول (إن نظرية الإسلام جسدت في مبادئه النظرة الواقعية) فكانت تعبيرات (حركة) (حماس) توفيقية وقريبة من الواقعية التي تزايدت وتغيرت وتطورت بعيدا عن الثوابت وفق ما افرزه الواقع وأدركه العقل المسير لكوادر حركة (حماس).
إن النظرة الأولى للميثاق والبيانات تعطي الانطباع بالاستفادة الواضحة – والتي أشرنا سابقا أنها لا بد حصلت في مرحلة (السكون التنظيمي) للجماعة – من تجارب وأفكار التنظيمات المنضوية تحت لواء (م.ت.ف)، وخاصة حركة (فتح) التي قال فيها القائد الاخواني د. عبد الله ابو عزة أنها (اكتسبت سمعة كبيرة في خيال الجماهير العربية والإسلامية، وحقا أنها أصبحت في المركز القيادي الأول للشعب الفلسطيني)(22) ومضيفا إلى ذلك أن (فتح أخطأت وهي تبادر وتعمل، وإذا كانت أخفقت في الوصول إلى الهدف “تحرير كامل فلسطين” فقد حققت عددا من الإنجازات تحسب لها بالتقدير والثناء. وذلك من حيث القدرة على التنظيم، والقدرة على التحرك وسط الظروف المعقدة كذلك يحتسب لفتح تمكنها من تعبئة قوى الشعب الفلسطيني، وإنشاء العديد من المؤسسات التي أعادت للشعب الفلسطيني إحساسه بذاته، وفرضت قدرا من إحساس الآخرين بهذه الذاتية الفلسطينية.(23).)
إن النظرة الأولى لميثاق حركة (حماس) تعطي الانطباع بالاستفادة ولو المحدودة لواضعيه من تجربة حركة (فتح) كما عبر عنها أحد قيادات الإخوان المسلمين الفلسطينيين د. عبد الله أبو عزة، فالواقعية والانفتاح والمرونة والتجدد واستيعاب الآخرين، والتجريبية كلها في اعتقادي مما وسمت به حركة (فتح) وجعلها لاكثر من ثلاثين عاما وحتى الآن قائدة لنضالات الشعب الفلسطيني. فلم تخرج عدد من نصوص ميثاق حماس وطريقة الطرح في بياناتها أثناء الانتفاضة المباركة عما طرحته (فتح) في ادبياتها المكتوبة أو تلك الممارسة على الأرض حتى في طرق التعبير والصياغة والمخاطبة.
إنه لمن المفرح أن تحدث مثل هذه الاستفادة، وهذه الاقتباسات وعمليات (التمثُّل) لأفكار وتجارب الآخرين، وتُشَكِّل بالنتيجة الخلفية الثقافية الفكرية لكوادر الإخوان المسلمين الفلسطينيين (تلك التي أسميناها عند الحديث عن الفكر التصورات الأولية وفي بعض الأحيان الثانوية) على مدار أعوام طوال تفاعلوا فيها (فكريا) على ما يبدو- رغم بعدهم عن دائرة الفعل – في مرحلة (السكون التنظيمي) مع الفكر (المتنفذ) والتجربة المعلم والتنظيم (المتنفذ) كما تحب حركة (حماس) وتنظيمات اليسار الفلسطيني قبلها أن تصف بها حركة (فتح).
لقد أصبح التنصل من اشتقاق “حماس” لفكرها السياسي العملاني (=البراغماتي) من حركة فتح منذ استيلائها على السلطة في غزة عام 2007 منهجا ثابتا في أحاديث الكثير من قياداتها خاصة د.محمود الزهار حيث أجهدت نفسها في رد “الاتهام” لها بأنها حركة فتح 2 أو أنها حركة فتح بصبغة دينية زائدة، لا سيما والتفويض العملاني الذي منحه خالد مشعل للرئيس أبومازن في القاهرة في مباحثات المصالحة عام 2012 بالتحرك السياسي لمدة عام إثر اقرار مشعل وعدد من قيادات حماس بما أصبح يعرف ب(الثوابت الفلسطينية)، وما احدث خلافات شديدة في المنظمة الاسلاموية الفلسطينية.

حركة الجماهير الفلسطينية
لقد طرحت حركة (فتح) مفاهيم، وخاضت تجارب، ووضعت فكرا قادت بها جميعا الشارع الفلسطيني وكذلك مختلف المنظمات الفلسطينية ومنها الجهاد الإسلامي وحركة حماس، فطرحت أنها حركة تحرير وطني فلسطيني، وأنها حركة الشعب الفلسطيني. فهي ليست حزبا ولا جبهة وبذا فهي تصنع فكرا ولا تتبنى فكرانية (=أيديولوجية) (حزبية)، وهذا ما رددته حركة (حماس) لاحقا بأنها حركة الجماهير الفلسطينية مسلميهم ومسيحييهم دون تمييز (24) مستعيرة نفس طروحات حركة (فتح). رغم أن طرح (حماس) الآنف الذكر في ظني كان زلة في غمرة الانفعال أثناء الانتفاضة المباركة لان جماعة الإخوان المسلمين تشترط مواصفات محددة للأعضاء المنتمين لها، وبالتالي لا تقبل انتماء أصحاب الديانات الأخرى (تراجع المادة 4 من النظام العام للإخوان المسلمين)(25).
ولا نريد هنا أن نتعرض لمجمل الأفكار المتضمنة في ميثاق وبيانات تصريحات حركة (حماس) وانما نود أن نشير إشارات تحدد (الاستفادة) من تجارب الآخرين من جهة رغم (إن هذا الميثاق لا يمثل برنامجا أيديولوجيا أو سياسيا متماسكا أو متكاملا بالمقارنة مع برامج الأحزاب والحركات السياسية الأخرى وكذلك برامج فصائل م.ت.ف)(26) ولنحدد مدى (البراغماتية) اللاحقة على فكر الميثاق.
ان كل من شهد بالشهادتين فهو مسلم بغض النظر عن مستوى إسلامه ولأنه مسلم فهو من يرفع بذلك راية الإسلام كسواه من الأفراد والجماعات والمنظمات ، وليست فقط حركة حماس التي رأت بنفسها أنها (تعمل على رفع راية الله على كل شبر من فلسطين) (27) لذا (يجب أن يقدر قدرها، ويعترف بدورها، ومن غمطها حقها، وضرب صفحا عن مناصرتها أو عميت بصيرته فاجتهد في طمس دورها فهو كمن يجادل القدر… والسابقة لمن سبق)(28) وعلى ما تتضمن هذه العبارات من رائحة الكبرياء الممزوجة بالتهديد الضمني ، فإنها ضمن صياغات شعرية أخرى تدخل في باب الجمود ومحاولات احتكار الصواب التي تميز كثيرا من التنظيمات الدينية ومنها (الاسلاموية) على تعددها واختلافها والتي (تصور المشكل السياسي “مع قيادات الحكومة والأجهزة الحكومية” على انه حق وباطل في صراع دائم وان الخلاص السياسي لا يكون إلا على “أيديهم”.)(29) كما يشير لذلك المفكر الإسلامي عبد الله النفيسي.
ان الصياغات المختلفة الواردة في ميثاق حركة (حماس) من رفض للمبادرات السلمية، والمؤتمرات الدولية، وتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، واعتماد الجهاد (الكفاح المسلح)، وتقسيم الدوائر المحيطة بالقضية الفلسطينية لثلاثة دوائر فلسطينية وعربية واسلامية… الخ كلها من خلاصة أفكار وتجارب وتفاعلات فصائل (م.ت.ف) عموما ولا فضل لجديد في ذلك على قديم. ولكن الملفت للنظر في ذلك أن سنوات طوالا وصراعات شديدة في جسد حركة (فتح) وفصائل (م.ت.ف) لتقبل التعاطي مع الحلول السياسية احتاجت من حركة حماس في المقابل لبضع سنوات فقط؟! وكأن تأثير السجون لبعضهم من جهة والتعليم في المنافي والغرب خاصة على قيادات الحركة قد أعطاهم عمقا في تقبل النفعية عبر النتائج على حساب الغايات بما يسمى بالواقعية أو البراغماتية من خلال قبولهم بنفس ما قبلت به حركة (فتح) سابقا وهو المرحلية في النضال. حيث يقول السيد محمد نزال في ذلك (نحن مع أي حل مرحلي ولكن دون الاعتراف بالعدو الإسرائيلي…، بمعنى أننا لا نعارض أي انسحاب إسرائيلي من أي جزء من فلسطين شريطة عدم الاعتراف بإسرائيل)(30) وفي قبوله للحل المرحلي صدق ثم عاد السيد نزال ليناقض نفسه ويتعاطى مع الأوهام لان لا انسحاب في التاريخ تم دون ثمن أو اعتراف بالآخر، بينما يصبح الشيخ احمد ياسين اكثر وضوحا في طرحه (البراغماتي) واكثر بعدا عن (ثوابت) الميثاق حين يقول انه لا يجد مانعا من توقيع اتفاق هدنه مع إسرائيل “وهنا يعترف بالطرف الآخر بالضرورة إلا سيوقع مع مَن؟!” لمدة عشر سنين أو عشرين سنة بشرط أن تنسحب إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة أي إلى حدود 1967 بدون شروط، ويترك للشعب الفلسطيني حريته الكاملة في تقرير مصيره ومستقبله.(31).
ورغم أن أفكار حماس التي سالت بسهولة حتى قبل سيطرتها على قطاع غزة عام 2007 الا أن حالة الحكم والسيطرة وصراعات النفوذ والمصالح في القطاع قد أفرزت 3 نماذج: هي نموذج سلطة محلية فاتنة ومكبلة، ونموذج مقاومة قلقة، وثالثا نزعة عالمية حالمة، أسهمت كلها في تعميق الانشقاق الداخلي الفلسطيني من جهة وشكلت التيارات بوضوح داخل حماس، ولكنها بتقديري لم تؤثر عن المنحى العملاني (البراغماتي) العام لقادتها السياسيين.

التغيير في فكر الإخوان المسلمين – التنظيم الفلسطيني
إن القراءة الأولى لفكر (حماس) يستدل منها على تغيير واضح في الفكر من حيث قدرته على التلون، واتخاذ مواقف متضاربة وتفاعله مع الضغوطات واستفادته كما أشرنا من تجارب حركة (فتح) ومسيرة (م.ت.ف) وبما يشكل افتراقا في جوانب منه مع ثوابت (الإخوان المسلمين) وحتى ثوابت (ميثاق) حركة (حماس).
إننا من الممكن أن نرجع أهم أسباب تغير الفكر لدى حركة الإخوان المسلمين الفلسطينيين، والذي دعاهم في مرحلة متأخرة من تاريخ الثورة الفلسطينية أن ينضموا لركب الثورة، الى انتفاضة عدد من كادراتهم الشابة على جو (السكون) والبكاء والسلبية والترقب الذي تميزت به جماعة الإخوان المسلمين عامة والتنظيم الفلسطيني فيها خاصة منذ ما بعد العام 1948 وحتى ظهور حركة الجهاد الإسلامي أولا والتي عابت على جماعة الإخوان المسلمين – التنظيم الفلسطيني عدم ممارسته للكفاح المسلح (في مقابلة مع الشيخ عبد العزيز عودة، زعيم الجهاد الإسلامي في غزة 24/4/1987م)(32) ثم ظهورهم كحركة كفاح مسلح تحت اسم (حماس) عام 1987م اثر الانتفاضة الأولى. وفي تشخيصنا لهذا المناخ المحبط والساكن من الممكن أن نستفيد مما يقوله د. عبد الله ابو عزة مسؤول التنظيم الفلسطيني السابق في جماعة الإخوان المسلمين والذي شخص موقف الإخوان بأحد جوانبه بأنه كان موقف (سكون وسلبية وترقب ارتباطا بسكون وسلبية حركة الإخوان المسلمين العامة على مستوى العالم العربي)(33) مضيفا (ولا ريب أن هذا السكون كان منسجما مع قناعة الإخوان الفلسطينيين بان حركة الإخوان المسلمين العامة تملك مفتاح تحرير فلسطين (؟!) أما وقد تكشف لهم – خلال ربع قرن من الانتظار – عجز الحركة عن إحراز أي تقدم عن وضعها الذي وصلته سنة 1951، وانه لا الدولة الإسلامية قامت ولا فلسطين تحررت ولا الشعوب صارت اكثر تأييدا للإخوان، فقد كان عليهم أن يبحثوا عن طريق جديد يوصلهم إلى أهداف الإسلام، والى فلسطين على السواء. ولكنهم فضلوا النوم في ظلال الوهم وغالطوا أنفسهم فاقنعوها بان مجرد انتسابهم للاخوان يجعلهم معفون من أية مسؤولية. أما النتائج المرة فيبررون استسلامهم الخامل لها بأنها إرادة الله، وان لله من ورائها حكمة وكفى الله المؤمنين القتال)(34) إذا فلقد كانت الجماعة حقيقة تعيش في سكون ووهم ومغالطات ونوم وموات ولم تكن في مرحلة إعداد وتهيئة، ومع ذلك فإننا نرى أن انتفاضة عدد من كادرات (الإخوان) المتعلمين جعلتهم يحاولون تجاوز هذا المناخ ولو جزئيا ويفكرون في التغيير في أنماط التفكير، وفي الفكر ذاته ولكنهم مع ذلك لم يستغنوا على ما يبدو عن أنماط صناعة الأوهام وتقديس التنظيم من منطلق تقديس الفكرة، ورفض الخوض في نقدهم، ولجوئهم إلى التضليل والقراءات الانقطاعية والتفسير المجتزأ الذي عبرنا عنه في عدد من الأمثلة السابقة.

التفسير المجتزأ والقراءة الانقطاعية
تقول المادة السابعة من ميثاق حركة (حماس): (إن حركة المقاومة الإسلامية حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية تتصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسام وإخوانه المجاهدين من الإخوان المسلمين عام 1936، وتمضي لترتبط بحلقة أخرى تضم جهاد الفلسطينيين والإخوان المسلمين وجهودهم عام 1948، والعمليات الجهادية للاخوان المسلمين عام 1968، وما بعده) (35)؟!!
هذا ما تقوله المادة 7 من ميثاق حركة (حماس) والتي سنرى أن اقل ما يمكن أن تتسم به هو (التضليل) والتفسير المجتزأ للتاريخ بالقراءة الانقطاعية! لماذا كل ذلك؟ سنعود لقراءة هذه المادة (النموذج) لنمط التفكير المضلِل في قراءة ثانية، حيث قد تفهم العلاقات المقصودة في المادة بأنها علاقات (فعلية) تمثل امتدادا فكريا أو تنظيميا عضويا، ومنها ما قد يفهم امتدادا (معنويا) وفي الحالتين هناك مساحة كبيرة للتضليل المقصود أو الخداع، أو ربما للايحاء فقط بما يريدون.
أن تكون (حماس) حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية فهذا ما يقولونه عن أنفسهم، أما أن هذه الحلقة (تتصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسام) فعلى هذه العبارة، المضلِلة والتي قد توحي أو تقصد ارتباطهم كإخوان مسلمين بالشهيد القائد عز الدين القسام سنتوقف لتفنيد ذلك، كما لن نمرر عبارة (وإخوانه المجاهدين من الإخوان المسلمين) و (عام 1936) حيث تقصد أو توحي العبارة أن جماعة القسام (عصبة القسام) من الإخوان المسلمين (؟‍!) وان لهم دورا في الثورة الكبرى عام 1936 (؟!).
ولن نترك أيضا المجال للتضليل والقراءة الانقطاعية أن تعطي مفعولها في العبارة اللاحقة التي تقول (…. جهاد الفلسطينيين والإخوان المسلمين وجهودهم عام 1948) (؟!) وأيضا فلا حق لهم إطلاقا بالتنقل بين السنوات يختارون ما يشاءون من الحوادث والمواقف ويضعونها وكأنها المحرك الأساسي للتاريخ، حيث سنوضح أيضا كيف لم يكن للتنظيم الفلسطيني للاخوان المسلمين أي دور فيما أسموه (العمليات الجهادية للاخوان المسلمين عام 1968) (؟!) أما (وما بعده) فهو تلخيص مخل لدرجة الإسفاف لنضالات الثورة الفلسطينية الحديثة بإنجازاتها التي لم ينكرها العالم بأسره ومن ضمنه قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، ومرحلة نشأة ونمو وتطور الثورة الفلسطينية (وما بعده) لن نتعرض لها. واما إذا أسقطت السنوات من 1968 – 1987 والتاريخ الثاني تاريخ نشوء حركة (حماس) مفجرة الانتفاضة كما يدعون (؟!) فيكفينا أن نورد مقطعا من تقرير الأخ القائد الشهيد ابو جهاد (أول الرصاص أول الحجارة) المقدم للمجلس المركزي لـ (م.ت.ف) حيث يقول في أحد فقراته (وعودة إلى وقائع الأربعة عشر شهرا الماضية والتي تشير إلى انه منذ شهر أكتوبر 1986 وحتى هذه اللحظة تعيش فلسطين حالة غليان جماهيري واسع، ولنعد بذاكرتنا إلى ذلك التاريخ من خريف عام 1986، حيث تفجرت الانتفاضة على قاعدة محاربة برنامج محاولة خلق وإقامة قيادة بديلة لمنظمة التحرير، ويوم سقط أربعة شهداء في جامعة بيرزيت، ومخيم بلاطة. وظل شعبنا يمارس ويصنع مختلف أشكال النضال الجماهيري على مدى الشهور التالية…. ولنتذكر أن 39 شهيدا و 48 جريحا سقطوا برصاص جيش الاحتلال ضد المتظاهرين من أبناء شعبنا، وذلك قبل بداية الانتفاضة الأخيرة) (36) مضيفا (إن الانتفاضة جاءت تتويجا لمجمل النضال الوطني المتواصل في الداخل بكل تراكماته النضالية ودروسه وعبره وتجاربه) (37) ومضيفا انه (لم تكن حركة الشعب هذه مقطوعة أو منفصلة عن مجمل المسيرة النضالية الطويلة لهذا الشعب، بل جاءت نتاجا طبيعيا لهذه المسيرة التي تقودها م.ت.ف) (38) هكذا تكون القراءة المتكاملة وليس كما يتضح من أنماط تفكير وعمل حركة (حماس)… وعلى التساؤلات المحددة التي طرحناها حول المادة السابعة من ميثاق حركة (حماس) والتي سنتخذها هنا مثلا على (التضليل) نقول التالي:

أولا: لا رابط إطلاقا بين جماعة الإخوان المسلمين وحركة (الجهادية) أو (عصبة القسام) التي أسسها الشيخ الجليل عز الدين القسام(39) منذ وصوله إلى مدينة حيفا في 5/2/1922 لماذا ؟ نقول لماذا؟ لقد ولد الشيخ القسام عام 1871م على أبرز تقدير في جبلة من مدن سوريا وخاض نضالا قوميا ضد المستعمر الفرنسي في ثورة صالح العلي والشواف، وعندما حكم عليه بالاعدام في سوريا انتقل لمقارعة الانجليز والصهاينة من حيفا حيث اصبح إماما لمسجد الاستقلال هناك ومسؤولا لجمعية الشبان المسلمين. أما الشيخ حسن البنا(40) (المولود في المحمودية عام 1906 في مصر) فكان لم يزل يدرس في المدرسة الإعدادية، وما أن أعلن قيام جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 وكان في الـ 22 من عمره، كان الشيخ القسام في فلسطين ينقل تجربته الثورية الغنية من سوريا لفلسطين مبتدءا بالتعبئة والتحريض ورص الصفوف حيث تمكن من تشكيل أول تنظيم ثوري فلسطيني متكامل التجهيز والهيكلية والاتصالات، فيه أيضا جسد وحدة الطوائف والجنسيات فكان السوري والمصري والفلسطيني أي انه في عام إعلان الفتى حسن البنا عن جماعته في مصر كان القسام يكمل إعداده لمخططه وهو في الـ 57 من عمره آنذاك.

ثــــانيـــا: قطعا لم يحدث أي اتصال بحسب أي مصدر بين الفتى في الـ 22 من عمره والمقيم في مصر حسن البنا والشيخ الجليل المقيم في فلسطين وعمره 57 عاما (عز الدين القسام) لا سيما وان انتقال البنا للقاهرة كان عام 1932 ولم يكن له حتى العام 1939 الا أنشطة التعريف بالجماعة فقط عبر المحاضرات والدروس في الدور والمساجد وإصدار المجلات والرسائل والنشرات(41).

ثالثــــا: لم يبدأ (الإخوان) في العمل السياسي إلا بعد العام 1939 بحسب ما يقول باتريك سيل وأيضا فتحي يكن ولكنهم لم يدخلوا في مرحلة التنفيذ إلا منذ العام 1945م.(42) وفي جميع الأحوال فلقد كان الشهيد القسام قد لقي ربه عام 1935م. أي قبل أن يفكر الإخوان المسلمين بالعمل السياسي أصلا.

رابعــــــا: لم يشر حسن البنا نفسه لأي علاقة مع فلسطين الا ما ورد من إرساله لاول مرة لوفد لزيارة فلسطين عام 1935م (تاريخ استشهاد القسام) ضم عبد الرحمن البنا ومحمد الحكيم (43) وقابلوا المفتي الحاج أمين الحسيني في القدس. مع الإشارة كما أورد رفيق النتشة من قيادة حركة فتح لمشاركة أعداد قليلة من أعضاء الاخوان المسلمين كما غيرهم من التيارات الأخرى في الهبات الفلسطينية منذ عام 1936 وحتى العام 1948

خامســـا: كانت المرحلة التي تمر بها حركة القسام مختلفة جدا عن مرحلة نشأة الإخوان المسلمين التي كانت في طور التعريف بالجماعة (1932 – 1939م) كما يقول د. عبد الله النفيسي (44). بينما كانت حركة الشيخ القسام قد انتقلت مع سمعة القسام المناضل الذي تمرس بالكفاح في سوريا إلى مرحلة الإعداد والتكوين واختيار التوقيت المناسب للانطلاق.

ســادســا: أوردنا ونؤكد أن حركة القسام كانت حركة سياسية نضالية موجهة ضد الاستعمار الانجليزي، وقبله الاستعمار الفرنسي استخدم فيها القيم التعبوية المستمدة من الإسلام العظيم، في الوقت الذي لم يبدأ النشاط السياسي لجماعة الإخوان المسلمين إلا عام 1939 وفي مصر حصرا. أي بعد استشهاد القسام في فلسطين بسنوات أربع.

سـابعــــا: لا علاقة أيضا بجماعة الاخوان ورفاق الشيخ عز الدين القسام جميعا أمثال الشيخ حسن الباير من برقين، والشيخ نمر السعدي من شفا عمرو والشيخ جلادت، والشيخ ناجي ابو زيد، والشيخ كامل القصاب، والشيخ محمود سالم المخزومي والعبد قاسم، ومحمود زعرورة، ومحمد صالح الملقب بابي محمود والشيخ خليل محمد عيسى الملقب (ابو ابراهيم الكبير)، والشيخ محمود سالم الملقب بأبي احمد القسام، والشيخ سعيد عطية المصري (القادم من صعيد مصر)، ومحمد الحنفي، وعلي الحاج عبيد (السوري الأصل رفيقي القسام من جبلة)، ومحمد الحلحولي، ويوسف الزيباوي واحمد مفلح واحمد جابر ومحمد يوسف والشيخ معروف الحاج جابر (من يعبد) ومحمود حجازي، والشيخ فرحان السعدي وعربي بدوي، وصبحي ياسين وتوفيق الزيري…. وآخرين غيرهم من الأبطال الذين ارتبطوا بالقسام الثائر و (الجهادية) أو (عصبة القسام) أثناء حياته وبعدها حتى العام 1945م(45).

ثامنــــــا: أما (المجاهدين من الإخوان المسلمين عام 1936) كما تذكر المادة السابعة من ميثاق حماس، في محاولة فاشلة للربط بين الإخوان المسلمين وثورة (1936) فلا دليل تاريخيا يربط بين هذه الجماعة (الإخوان المسلمين) والثورة الكبرى(46)، عدا عن أن الإخوان المسلمين لم ينطلقوا للعمل السياسي إلا منذ العام 1939.

تاسعـــــا: لا نريد أن نغفل التأييد الكبير لثورة 1936م والذي عبرت عنه مختلف الصحف العربية والأحزاب والتيارات الفكرية العربية وطلبة الجامعات آنذاك… والذي قد يكون من مثل هذا التأييد صدر عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر ‎… فجزاهم الله في ذلك كل خير.

عاشــــرا: أما ما تذكره مادة التضليل في ميثاق حركة (حماس) المادة السابعة كغيرها من بعض المواد الأخرى عن (جهاد الفلسطينيين) (إجمالا) والإخوان المسلمين (تخصيصا) وجهودهم عام 1948 فهو بحده الأدنى تسفيه للأحلام، وتقزيم لنضالات كافة أبطال وأحزاب وقطاعات وشرائح المجتمع الفلسطيني آنذاك، والذي ميزوا من ضمنه الإخوان المسلمين هنا – كانوا قد أسسوا أول فروعهم في القدس في 5/5/1946م(47) (وليس عام 1936م كما تشير بعض المصادر غير الدقيقة)- دون وجه حق بل وبقراءة انقطاعية، رغم الدور الكبير والعظيم والمؤثر في تلك الفترة لكل من الشهداء العظام أمثال موسى كاظم وعبد القادر الحسيني وقادة قوات (الجهاد المقدس) الكثر والهيئة العربية العليا، وكذلك ما لا ينكر من نضالات الأحزاب الأخرى وحتى الشيوعيين الذين شكلوا أول تنظيم لهم في فلسطين عام 1919م. فلقد كان لكل من الحزب القومي السوري الاجتماعي ولحزب البعث العربي الاشتراكي ولتيار القوميين العرب دور كبير كما كان لجماعة الإخوان المسلمين في حرب 1948م(48) ولا يغيب عن الذهن جهود (جيش الإنقاذ) برئاسة اللبناني فوزي القاوقجي في حرب فلسطين، ولا دور (الرئيس) جمال عبد لناصر ومحمود لبيب وغيرهم من ضباط الجيش المصري آنذاك.

حادي عشر: من المناسب قبل الانطلاق لما سمي ( العمليات الجهادية للإخوان المسلمين عام 1968 وما بعده) من المادة 7 في ميثاق حماس أن نعود لنؤكد الحقائق السياسية والتاريخية حول شخصية وثورة القسام. فلقد كانت ثورة القسام ثورة مستقلة عروبية واسلامية معا ولم تكن ذات علاقة بأي أحزاب أو جماعات أخرى في فلسطين أو خارجها(49) والشيخ الجليل عز الدين القسام نفسه لم ينتسب لأي حزب من الأحزاب أو المؤسسات السياسية(50).
وفي جميع الأحوال لا يستغرب مثل هذا التمسح بالقسام أو محاولة الادعاء (بصلة مادية ما) للاخوان المسلمين به لان اسم القسام (قد اقترن بحالة من الخلود والتقديس، فقد كثر المتبركون باسمه)(51) (واصبح تلاميذه يرددون باعتزاز انهم قساميون) .

ثاني عشر: يقول د. عبد الله ابو عزة (عضو اللجنة التنفيذية لتنظيم الإخوان المسلمين في البلاد العربية، ممثلا عن التنظيم الفلسطيني الذي كان قد رأسه لفترة سابقة)(52) انه نتيجة الجو الثوري الذي عاشته الأردن بفضل تركز حركة المقاومة الفلسطينية فيها بعد عام 1967، اضطرت (لاحظوا اضطرت) جماعة الإخوان المسلمين للتعاطي مع فكرة أن يقوموا هم أيضا – شأن المنظمات المتعددة التي نشأت آنذاك إلى جوار (فتح) والتي قارب عددها الثلاثين – بإنشاء معسكرات للتدريب ثم لمباشرة العمل الفدائي، وحمل لواء الفكرة الإخوان المسلمون الأردنيون والسودانيون والمصريون والكويتيون واعترض على ذلك الإخوان المسلمون الفلسطينيون بحجة أن المقاومة نوعان: الأول من داخل الوطن وهو “عملية تلقائية لا تحتاج إلا إلى المساندة والإمداد بالسلاح والذخيرة والتوجيه وحفز الهمم” والثاني من الخارج وهذا يحتاج “لاعداد اكبر وخطة اكثر إحكاما ووثوقا” ثم وضعوا لذلك شروط الحشد العربي الشامل وتوحد القوى جميعا على الساحة الأردنية وكان مبرر الرفض الرابع ان “الجو العام معاد للاخوان المسلمين امتدادا لمعاداة عبد الناصر”(53).
هل من بعد كل هذا الوضوح من تعليق على ان الاخوان المسلمين الفلسطينيين وهم جذر حركة (حماس) واصلها قد رفضوا حتى من حيث المبدأ المشاركة في الجهاد على عكس ما تغنوا فيه وحاولوا (تضليل) الآخرين بتصوير أن لهم دورا في العام (1968 وما بعده) ولمزيد من الإضاءة على هذه الصورة يقول د. عبد الله ابو عزة موضحا دون مواربه موقف حتى الإخوان المسلمين الأردنيين من (فتح) بأنه كان ما قبل حزيران 1967م (يتسم بالاستخفاف الشديد المصحوب بالتندر والتهوين من شأنها… ومن مظاهر التندر قولهم أن هؤلاء يستأجرون بعض المهربين ليطلقوا بعض الطلقات النارية أو لينسفوا أنبوب مياه، ثم يعملون من الحبة قبة).(54).
ولن نترك الموضوع عند هذا الحد بل نستكمله حيث إن أنصار مشروع بناء المعسكرات ضربوا بعرض الحائط موقف تنظيم الإخوان المسلمين الفلسطينيين وانشأوا لهم معسكرا للتدريب وجعلوه تحت راية (فتح)، ولم يشارك بالمعسكر التنظيم الفلسطيني للاخوان المسلمين وكان العضو الفلسطيني الوحيد الذي شارك هو الأخ الشهيد إبراهيم عاشور إذ كان في العراق منقطع الصلة والمعرفة بموقف التنظيم الفلسطيني فجاء من العراق والتحق بالمعسكر واستشهد(55).
هل نستكفي بذلك أم نستزيد؟! بل سنستزيد لتبيان مدى حلقات التضليل والإيهام والخداع الواردة في بعض فقرات ميثاق حركة (حماس) وبياناتها وادعاءات قياداتها لنقول وعلى لسان مسؤول التنظيم الفلسطيني للاخوان المسلمين ذاته آنذاك محدثنا عن (فعالية) هذا المعسكر (الوحيد) والضعيف للاخوان المسلمين بين عشرات أن لم يكن اكثر، من معسكرات مختلف التنظيمات وآلاف العمليات لهذه التنظيمات جميعا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين فيوضح د. عبد الله انه (ورغم هذا الضعف البين فقد قام مقاتلو الإخوان ببعض العمليات العسكرية الهامة منها عملية الحزام الأخضر واستشهد لهم في هذه العمليات عدد من المجاهدين).(56)
رغم (لاحظوا الخطورة هنا!؟) رغم أن المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين كان قد اتخذ (موقف المماشاة غير الجادة) على حد تعبير د. عبد الله بالنص، من دعم المعسكر، وحيث رفض الإخوان السوريون دعمه، وقبله الإخوان العراقيون مجاراة للجو رغم (اقتناعهم بما جاء في مذكرة التنظيم الفلسطيني وبالحرف) تلك الرافضة للمشاركة في العمل العسكري والجهادي؟!(57).
وسنكتفي من أقوالهم بذلك ولن نتعرض حتى للفهم التعسفي وغير الصحيح لمفهوم (العلمانية) التي يلقون بتهمتها على فصائل (م.ت.ف) دون علم ودراية هم ومنظروهم، وقد يكون لنا حول هذا الموضوع ورقة أخرى أن شاء الله.

لماذا التضليل والتفسير المجتزأ
إن التضليل مقصود وفي ذلك جريمة، وان لم يكن مقصودا فانه يدل على جهل أو عمى وفي الحالتين مصيره إلى الضلال بالابتعاد عن الهدى أو الصواب، وقد لا يتأتى إلا في محاولة يائسة أو منقطعة الأنفاس للحاق بركب التاريخ أو الفكر المتجدد، ذاك التاريخ والمرحلة من الفكر التي كان لهم فيها دور (السكون) والكمون لفترة طويلة، فرضت على بعضهم من الكادر المتقدم أن يرسم صيغا وتعابير مستعارة من أفكار الآخرين من جهة، وإدخال مضامين حادت عن الطريق.
إن التفسير المجتزأ للتاريخ (تضليل) وإلا فماذا يعني أن يلقى الضوء على عامل واحد سواء كان ضعيفا أو غير موجود في المكان والزمان المحددين، واعتباره عامل الصراع أو صناعة الأحداث الأساسي؟! إن نسج الأوهام والسباحة في الخيالات هي عملية قد يتقنها أولئك الذين جلسوا سنوات طوالا في مرحلة كادت لا تنتهي من السكون الذي اثر سلبا على طرائق التفكير الصحيح لديهم فجعل من ادعاء البطولات وتسجيل المواقف الثورية غير الحقيقية ومراكمة (محاولات) العمل باعتبارها إنجازات دونها ما كان للحاضر أن يكون –بحسبهم- ولا للماضي أن يتصل وصولا لهذا الحاضر. إننا لا نفهم من التصريحات والفكر والبيانات والميثاق (لحماس) لغة الشعر أو الأوهام والتضليل رغم محاولات تجميل هذا التضليل – الذي نراه كذلك نحن – من باحث نحترمه مثل محمد برهومة الذي يقول في ميثاق حركة (حماس) وخاصة أهدافه بأنها (فضفاضة وغير دقيقة التعبير سياسيا وربما كانت لغتها جديدة في صياغة البرامج والمواثيق السياسية مما جعلها تميل إلى العموم وأنها غير قابلة للقياس الموضوعي) وهذا رأيه ونخالفه فيه، فلا مبرر لاجتزاء الحقائق أو التزوير أو الجهل وصناعة الأوهام وتعبئة العناصر بها.
قلنا إننا لن نتعرض لمفهوم (العلمانية) وقد نفرد له ورقة لاحقة، وان كنا نستغرب دمج حركة حماس لمفهوم (الوطنية) (بالإسلامية) وهذه نقطة أخرى في الميثاق فلأن المفهومين كانا في فكر الحركات (الاسلاموية) متناقضين ومتنافرين ومحاولة ربط الوطني بالقومي والإسلامي والعالمي فكرة نبعت من ذات فكر المقاومة الفلسطينية ولم تكن إبداعا جديدا، وانما جلاء لغشاوة في أعين البعض عن اكتشاف أو اختراع قديم لغيرهم. وفي ذلك أيضا قراءة انقطاعية للاخوان المسلمين الفلسطينيين للفكر، كما هو للتاريخ أو المواقف والأحداث. أما لماذا (التضليل) (؟!) ولماذا التفسير المجتزأ للتاريخ ؟! فقد يكون مرده (عدم الكفاية والاقتدار الفكري والسياسي)(59) أو (افتقار الرؤية الموضوعية الشاملة وغياب خطة العمل وعدم الالتزام الجاد بالمبادئ والأُميّة الدينية لدى كثرة من الشباب المسلم)(60). وربما مرده أيضا الى العقلية الماضوية والى صناعة الأوهام والتعبئة بها والى الجهل.

المركز الاوروبي العربي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

Exit mobile version