المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

ويلات التنازع

بقلم: د.مازن صافي*

أزمات التنازع في العالم، تبدأ من البيت الصغير”الأسرة” وتظهر في الدول العربية والإقليمية والدولية، وفلسطين ليست خالية من هذا التنازع، بل حتى أن الأحزاب والحركات والقوى نفسها يوجد فيما بينها تنازع وفي كل داخل كل منها تنازع، سواء ظهر على السطح أو بقي كامناً.

وفي إحدى الكتب قرأت فقرة فلسفية استرعت انتباهي، وفكرت في مضمونها كثيرا، يقول الكاتب: “إن التنازع والتعاون متلازمان في الإنسان لا ينفك أحدهما عن الآخر فلا يستطيع الإنسان ان يتنازع مع جميع الناس إلا إذا كان مصابا بعلةٍ نفسية، انه حين يتنازع مع فريق يجد نفسه مضطرا إلى التعاون مع فريق آخر وهكذا كلما نشأت الجماعات والأحزاب والكتل السياسية والفرق الدينية وكلما لاحظت نزاعا في جانب فاعلم أن هنالك تعاونا في جانب آخر وكذلك تجد تنازعا كلما لاحظت تعاونا، وإذا ضعف التنازع في جماعة ما ضعف التعاون فيها أيضا.”

والقارئ للواقع الحالي يلمس بأبسط أدوات الملاحظة أن العالم كله يمر بأزمات، فهناك أزمات داخلية في البلاد العربية ولازال الدخان وصوت البارود ورائحة الدماء تفوح منها، كالعراق وسوريا وليبيا، وهناك بلاد تتعافي من أزمات لتدخل في أزمات أخرى، والأزمات متعددة منها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبلا شك أن كل الأزمات في العالم مرتبطة مع بعضها البعض، ولنقترب أكثر بالقول أن غالبية الأزمات تُعد مُسبقا في مصانع، وتصدر على هيئة مشاكل وفوضى في أماكن مختلفة لتحقيق أهداف قريبة او بعيدة المدى لتشكل “استيراتيجية دولية”، وتعتبر المنطقة العربية هي المستهدف الأكبر، والآن نلاحظ أن الأمر تدحرج وربما وصل إلى مراحل مختلفة، فنجد الإرهاب في بعض الدول الأوروبية، وقبل أسابيع تابعنا الانقلاب الفاشل في دولة إقليمية “تركيا”، وما يثير الانتباه، أن “إيران” لا تحظ بِكَّم ٍمن الأخبار التي يمكن أن نعرف ما يجري فيها أو ماذا يُخطط لها أو منها، ولكن بكل تأكيد فإن قطع العلاقة بينها وبين السعودية، يعني أن منطقة الخليج العربي ستكون مسرحاً لوقائع مستقبلية تنتظر لحظة الصفر.

وكلما اقتربنا أكثر في قراءتنا لما يحدث نجد أن العالم كله يمر الآن بأزمة ناتجة عن فشل النظام الدولي الجديد في برامجه، وسيطرة قوى عظمي فيه على القرار بالتفرد، ووصول الوضع العربي الى مستوى ضعيف أمام هذه “المؤامرات” لأن المسرح الكبير مفتوح فوق أراضيه والأدوات هي مواطنيه وقراره السيادي وحدوده مستباح، وهنا علينا أن ننظر إلى (إسرائيل) بعيون مفتوحة، لأن البرنامج الدولي جعلها القوة العظمى في المنطقة، وكذلك تسريع عمليات التطبيع معها، والخاسر الأكبر هنا هو شعبنا الفلسطيني وقضيتنا التي تعتبر “المؤرق الكبير” للمشاريع الدولية، فالعالم يدرك أنه بدون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية وإحلال السلام العادل في المنطقة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، فلن يكون أي نجاح دائم لأي مشروع دولي وستبقى شعلة الصراع مشتعلة في المنطقة والعالم.

إن أي صراع وتنازع داخل الدولة الواحدة أو الكيان الواحد، يولد شعورا شعبيا بالإحباط والسخط ويؤدي إلى تراجع في فرص التنمية وهدر للمقدرات، وبالتالي المطلوب مراجعة لكافة السياسات وتصويبها، بما يخدم استقرار الدولة ومعالجة أسباب وتداعيات التنازع، وينطبق الأمر أيضا على الانقسام الفلسطيني، وربما يشكل الانقسام مرحلة خطرة للغاية، كوننا تحت الاحتلال، ونناضل من أجل استرداد حقوقنا، وبالتالي كلما تجذَّر وتعمق الانقسام كلما ضعفت قدرتنا على النجاح واجتياز المعيقات التي تفرض عليها إقليميا ودوليا، وبأدوات إسرائيلية واضحة.

وأخيراً، يجب أن ننظر إلى الغد بعيون التفاؤل والأمل، لأن قراءة سريعة في الأزمان الماضية وسردا للتاريخ البعيد والحديث، تطلعنا على أن كروية الأرض تعني كروية التكوين الدولي، فلا شيء يبقى كما هو، وسوف تظهر أقطاب دولية ربما تتنازع فيما بينها وتقوى قدرتنا على التواجد وبقوة في العالم، وننهي كل ما نعاني منه، الأمر لا يقاس بالسنوات، ولكن التاريخ شاهد على كل ذلك، فلنسجل تاريخا وحدويا فلسطينيا نفخر به ونتقدم ونداوي جراحاتنا.
*كاتب فلسطيني-غزة
dr.mazen2014@hotmail.com

Exit mobile version