المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

كي لا يصبح المسلم كبش محرقة في الغرب

بقلم: فيصل جلول

يجدر التوقف عند حادثين ينطويان على دلالات مهمة للغاية، في سياق الحرب على الإرهاب، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. الحادث الأول وقع نهاية الأسبوع الماضي في نيويورك، إذ أقدم مجهول أبيض البشرة، بحسب شهود عيان، على اغتيال إمام مسجد الفرقان، مولانا أكونجي، ومرافقه طاهرالدين، من دون مشاجرة أو حادث سابق، ينم عن تصفية حساب، فضلاً عن أن أحداً لم يتبنَ عملية الاغتيال، ما يرجح فرضية الانتقام والإسلاموفوبيا، حتى الآن، على الأقل.

والحادث الثاني، وقع في جزيرة كورسيكا الفرنسية، وبالتحديد في قرية سيسكو شمال الجزيرة، حيث أقدم بعض السياح على تصوير سيدة مسلمة تمارس هواية السباحة ب «البوركيني»، فاعترض رفقاء السيدة المذكورة وأهلها، وتطور الاعتراض إلى اشتباك بين الطرفين أدى إلى وقوع جرحى، وإلى تدخل الشرطة للفصل بين الطرفين. وكان من أثر هذا الخلاف أن بادر رئيس بلدية سيسكو، إلى منع السباحة ب «البوركيني» على شواطىء بلدته، وهذا القرار هو الثالث من نوعه في فرنسا بعد قرارين سابقين في جنوبها أحدهما في مدينة كَان الشهيرة.

يُذكر أن «البوركيني» هو حجاب للسباحة، يغطي جسم المرأة من الشعر إلى القدمين، وترتديه النساء المحجبات في الصيف على شواطئ بلدان عديدة في أوروبا وغيرها، وقد تسبب في مشكلات، جرى حلها إلّا أن حادثة «سيسكو» تعتبر الأخطر حتى الآن، خصوصاً أنها طرأت في أجواء توتر لم ينقطع في كورسيكا، بين الجالية المغربية وعدد من شبان اليمين المتطرف، الذين اجتمعوا بعد الحادثة، ودعوا إلى «امتشاق السلاح» وفرض قوانين بلادهم «العلمانية» على المقيمين الذين يقولون إن تمسكهم بالحجاب وبعاداتهم وتقاليدهم الدينية يندرج في سياق حرية التعبير التي تكفلها القوانين للجميع.

وإذا كانت السلطات المحلية في كورسيكا قد تمكنت في السابق، وقد تتمكن اليوم من ضبط التوتر عند حدود معينة، وبالتالي الحؤول دون خروجه عن نطاق السيطرة، فان أحداً لا يمكنه أن يضمن وقوع حوادث فردية، قد تعيد تفجير الموقف، خصوصاً أن آثار العمليات الانتحارية التي شهدتها فرنسا الشهر الماضي في نيس، وفي سانت إتيان مازالت حية، وهذا ما نلمسه من خلال استطلاعات الرأي التي بينت مؤخراً أن 53 في المئة من المتدينين الكاثوليك باتوا يشكون في نوايا المسلمين، الذين يعيشون في البلاد. وهي نسبة تحمل 6 نقاط إضافية عن استطلاع سابق على اغتيال كاهن سانت إتيان، تبين من خلاله أن 47 في المئة فقط من الكاثوليك يرتابون من نوايا المسلمين، علماً بأن هذه النسبة المرتفعة جاءت هي الأخرى، بعد انتشار العمليات الانتحارية في أوروبا وأمريكا على هامش الحروب المفتوحة في سوريا والعراق وليبيا.

من المؤسف القول إن هذا التصعيد يصب الماء في طاحونة المنظمات الإرهابية، التي راهنت عليه من خلال عملياتها الانتحارية التي ترمي دائماً إلى استدراج الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا والولايات المتحدة إلى التصادم مع المجتمعات التي تعيش في كنفها، وبالتالي إضعاف قواعد التعايش المشترك، التي أرستها الحكومات الغربية على ضفتي الأطلسي، وحمل هذه الحكومات على الانكباب لمواجهة آثار التوتر وضبط مفاعيله، والخروج من الحرب الدولية على الإرهاب.

وعلى الرغم من إدراك الدول المعنية للإبعاد والرهانات التي تعقدها «داعش» وغيرها، على شق المجتمعات المذكورة، ونقل المجابهات إلى كنفها، وعلى الرغم من الجهود الاستثنائية التي تبذلها من أجل إقفال كل الأبواب التي يمكن أن تدخل منها «داعش»، فإن الوقت عامل مهم في مواصلة تهميش الآثار السلبية للأعمال الإرهابية على بنية المجتمعات الغربية وتماسكها، فإن طالت الحروب أكثر في الشرق الأوسط، وإن تبين أن للإرهابيين قدرة أكبر على المقاومة والصمود في المواقع التي يحتلونها، فإن هذا يمكن أن يغري فئات صغيرة التمثيل بالانضمام إلى هذه المنظمات، كما لاحظنا من سيرة الشابين اللذين ذبحا الراهب في سانت إتيان، أو الشاب الذي ارتكب مجزرة نيس، وكلهم حديثو التعلق بأطروحات «داعش» وبدعوتها لنقل الحرب إلى مدن الغرب.

إن طول أمد الحرب يمكن أن يراكم أيضاً الإجراءات الاحترازية، وبالتالي خلق شعور داخلي مفاده أن الجاليات المسلمة مشكوك في ولائها، وأنها قادرة على ضبط الإرهابيين في صفوفها لو أرادت.

موجز القول، إن طول أمد الحروب المفتوحة في الشرق الأوسط، سيخلف بالضرورة آثاراً سلبية للغاية في المدن الغربية، وسيعزز فرص الإرهابيين في الرهان على الآثار الجانبية للإرهاب، وذلك على الرغم من كون المسلمين ضحايا لهذه الأعمال العشوائية مرتين، الأولى بوصفهم مواطنين والثانية لكونهم هدفاً للإسلاموفوبيا.

عن “الخليج”

Exit mobile version