المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

قذيفة قتلت علاء وزرعت 11 شظية في جسد صديقه..

خصصت وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، الحلقة (36) من “كواكب لا تغيب” لحكاية الشهيد الفتى علاء منصور أبو دوّاس، الذي أوقفت قذيفة إسرائيلية زحفه نحو أحلامه، فيما نقلت إحدى عشرة شظية لجسد صديقه شادي عيسى أبو دوّاس لتشاركه جسده منذ 22 عاماً.

يسرد أخوه سائد بقلب محزون، خلال السلسلة التي تنظم بالتعاون مع الاتحاد العام للمرأة: شاهدت أخي قبل نحو شهرين من استشهاده، فقد كنت أعمل بمصنع للبلاستيك في بلدة العيزرية وأغيب طويلاً عن البيت، وفي 19 آذار 1994، وصل هاتف إلى مدير المصنع، يخبره بأن علاء استشهد بانفجار قذيفة حارقة (أنيرجا) تركها جنود الاحتلال والتقطها علاء في أحراج بلدة طوباس، ويومها شعرت بأن قلب خرج من مكانه.

كانت أمنية علاء، صاحب الشعر الساحل والبشرة البيضاء والحركة التي لا تتوقف، مرافقة شقيقه إلى مصنع البلاستيك على مشارف القدس، لكن سائد أجّل تنفيذ وعده للإجازة القادمة.

ويقف علاء الذي ولد في العام 1978، في نهاية قائمة العائلة، فقبله حابس وحسن وحسّان وسائد، وله خمس أخوات، أما والده فقد توفي قبل سنوات طويلة فعاش يتيمًا منذ عامه الثالث، فيما خلّف رحيل الشهيد أوجاعًا قاسية حتى اليوم للأم نجية جميل، التي أمضت أكثر من سنتين حاملة صورة الابن المدلل وآخر العنقود كما اسمته، وناكرة لحقيقة أنه استشهد، ولا تنسى أن علاء لا يشبهه أي أحد من أبناء جيله، فقد أرضعته 5 سنوات، وظلت تدلل صغيرها تعويضًا عن غياب والده.

ألعاب وطفولة

يتذكر سائد: رغم فارق السن مع علاء، إلا أنه كان يحب مرافقتي، فكنا نذهب إلى مناطق: المكواك، والخلايل، وأرض غزالة (وهي المكان الذي استشهد فيه)، ونلعب “الدقة والحاح” و”السبع حجار” و”طابة الشحف”، ونلاحق الغزلان المنتشرة في المنطقة، لكن وقبل أن يكمل الصف الثالث الإعدادي (التاسع اليوم) شاهد قذيفة وقنبلة يدوية قرب قرية تياسير، فاحتفظ بهما، ووضع القنبلة في حقيبته المدرسية، وذهب ورفيقه شادي في نزهة، وأشعلا فيها النار لتنفجر وتصيب علاء في رأسه، وتطال جسد صديقه.

ووفق الراوي، فقد كان علاء شديد النشاط، وأمسك في إحدى نزهاته غزالاً صغيراً، اعتنى به داخل المنزل، وصار رفيقه الدائم، وكان يخرج من حظيرة المنزل ثم يعود، وبعد استشهاده، منحته العائلة للجيران بإلحاح من الأم، التي تحتفظ رغم أوجاعها الحادة إلى اليوم بملابسه، وتتفقدها مراراً لتغسلها بدموعها.

نهار ثقيل

فيما يسرد رفيق الدرب شادي، فيقول: لا أستطيع نسيان ظهيرة السبت 19 آذار 1994. يومها ذهبنا إلى منطقة (غزالة) في أحراج مدينتنا، وطاردنا الغزلان أولاً، ثم أشعلنا نارًا، ورمى فيها علاء القنبلة، وأذكر أنني لم أستطع الرؤية جيدًا في تلك اللحظة، وفقدت الوعي، واستيقظت في المستشفى بنابلس بعد إصابتي في الكبد والرئة والظهر واليد اليمنى، وأخفوا عني استشهاد علاء أكثر من شهر. وما زالت إحدى عشرة شظية تستوطن في رئتي ويدي، ثلاث منها كبيرة وثماني صغيرة.

ويضيف: كنا نمضي وقتا طويلاً في أراضي طوباس وجبالها، ونأخذ زوادتنا لنغيب معظم النهار، وكان علاء لا يحب المدرسة كثيراً، فيقنع الطلبة بالحداد على شهداء الخليل وغزة وكل مكان في فلسطين حين يسمع ذلك. وفي البرية نلاحق الغزلان، ونبحث عن بيض الحجل (الشنار) ونتفاخر بالتقاطها، ونأكل البرتقال والأفاكادو، ونعد الشاي على الحطب.

وبحسب شادي، فإن علاء أصيب في الرأس والرقبة، وهرّبته العائلة خارج مقبرة المدينة، في منطقة (أبو مليح)، رفضًا لتشريح جثمانه، كما أبلغ جيش الاحتلال أسرته.

ويتابع: بقيت في 19 آذار كل عام أعاني أوجاعًا في جسدي أكثر من المعتاد، وتبين لي لاحقًا أن الشظايا التي في جسدي تستذكر موعد قدومها، مثلما أعاني خلال موجات البرد، وأرى الدنيا بالألوان، وأعيش بعجز 35 في المئة.

أبو منصور “الزمبرك”

أطلق شادي ورفاق علاء لقب “أبو منصور” على صديقهم، الذي لم يكن يجلس في المنزل إلا قليلا، وكان يتنقل من زقاق إلى آخر حين تقتحم دوريات الاحتلال طوباس. ولا ينسى الأقران جرأة الراحل في القفز من مسافات طويلة، كما فعل من أعلى مدرسة البنات الثانوية في إحدى المرات، ليسبقه رأسه فيغطس في الرمال الناعمة، التي اختلطت مع شعره.

يقفز شادي عن أوجاعه، فتشق ابتسامة عفوية طريقها ليقول: كان علاء مثل (الزمبرك) ولم يحب الكتب، وتفوق على كل الصف في الرياضة.

أعادت العائلة إطلاق علاء على ثلاثة من الأبناء للإخوة سائد وحسن وللصهر مازن، لكن علاء الشهيد لم يتكرر في رشاقته ودعابته وحبه للمغامرة وعدم رغبته بالدراسة وشعره الناعم.

معرض مفتوح

بدورة، أشار منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف، إلى أن الوزارة ستعيد إحياء المعرض المفتوح لمقتنيات شهداء الحرية خلال انتفاضة الحجارة عام 1987، عبر عرض مقتنياتهم ككتبهم، وشهاداتهم الدراسية، وملابسهم، وأدوات عملهم ولهوهم.

وأضاف: تعكف الوزارة خلال الشتاء القادم، وبالتزامن والسنوية (29) لاشتعال الانتفاضة الشعبية، على تنظيم المعرض الدائم، ليحوّل الشهداء من أرقام صماء وذكريات صامتة إلى حياة ناطقة، تُعبر عن أحلامها المصادرة.

Exit mobile version