المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

اختلاط المفاهيم والمشاعر (أنا و”السلطة” و”الإخوان”)

في أحيان كثيرة تتداخل المشاعر ليتخذ الانسان موقفا استنادا لشعور بالحب أو الكراهية، والتوافق أو الاختلاف ، الدعم أو الرفض، أو نتيجة لموقف مسبق … وقد يكون هذا الموقف الايجابي أو السلبي صحيحا لو ارتبط بحدث أوموقف أو موضوع بعينه، و لكن أن يتم القفز من التخصيص إلى التعميم، أي من الموقف إلى كل المواقف فالشخص المرتبط به فهذا شأن آخر.

وكي لا نغرق كثيرا في الفلسفة ، كما قد يتراءى للبعض أنه كلام سفسطائي أو غير محدد، سأضرب مجموعة من الأمثلة أولها في النظرة إلى جماعة “الاخوان المسلمين” فعلى سبيل المثال: لا يجوز تعميم موقف قيادة “الاخوان المسلمين” الحالية في السجون، وكأنه ذاته موقف أولئك من أتباع الفكرة في المغرب العربي مثلا، فأن أتخذ أنا أو غيري موقفا مؤيدا أومناهضا للإخوان المسلمين في اتجاه ما، لا يجوز أن يُفهم هذا الموقف بشكل مطلق، بمعنى عدم قابليته للتغيير، حسب الجغرافيا أو التاريخ أو الشخوص أو حين النظر بتنوع العوامل المحيطة بالحدث والمتغيرات.

ومثال آخر، فالكل يعلم أن سقطة نظام صدام حسين كانت باحتلال الكويت إذ لم يدرك أن هذا الأمر لا يمكن المساومة عليه كما ظن، بغض النظر عما ساقه من أسباب ، ولكن هذا التقييم والرأي لمن يتفق معنا به لا يعني قطعا أن نصِم عهد صدام حسين أنه عهد ظلامي بالمطلق، كما لا يعني أن نقبل بممارسات نظامه القمعية، أنها مواضيع ثلاثة منفصلة رغم ارتباطها بشخصية تاريخية محددة أو نظام واحد.

ولنأخذ مثال آخر في نظام بشار حافظ الأسد الذي اشتهر بسجونه القمعية حتى اليوم، والذي أدى طغيانه واستبداده وقهر نظامه لشعبه لعشرات السنين (فترة الاب والابن) الى الثورة عليه ، لا يجوز أن نبرئ النظام لمجرد أنه استطاع أن يُدخل نفسه في مركب الحرب العالمية ضد الإرهاب وهو جزء أصيل في صناعته-أي صناعته الإرهاب .

والموضوع الثالث المتداخل هو بلا شك أن هذا النظام البوليسي الحديدي كان له حسنات بلا شك، ولكن الميزان بالنهاية يحكمه الشعب وليس السلطان، وهراوته الثقيلة وبراميله المتفجرة.

وفي ذات الوقت لا يعني نقد النظام السوري هذا أو ذاك، أن الناقد يقف مع التنظيمات الإرهابية الاسلاموية المتطرفة، فالرفض هنا لمطلق الإرهاب والعنف والجبروت من أي جهة جاء.

ومثال آخر شخصي فأنا أعلم أن صديقي (س) له ايجابيات وله سلبيات ولأنني من المفترض لست من (صنعته على عيني) فإن سلبية واحدة له أو أكثر لا تعني براءة أو إدانة مطلقة، فهو كما هو ، وحكمي عليه في ظل فهمي له حسب الموقف الذي يتخذه، انما هو حكمٌ قابلٌ للتغير .

ولأحكى لكم قصة : تشاجر صديقان في لعبة طاولة زهر على المقهى المجاور لمنزلهما فاتهم الأول الثاني بالغش ثم تطور الحدث فتشابكا بالأيدي، فراحت بينهما قطيعة أصبح الأول لا يرى بالثاني إلا محتالا نصابا سارقا ظالما…. متناسيا كل السنين السابقة والمواقف .. فتقوقع في بوتقة غضبه أو كراهيته فأضل الميزان، حتى ابتدأ الثاني الأول بالسلام فأذاب الجليد وهدأت النفوس.

يتعمد كثير من الكتاب الحزبيين/السياسيين خاصة إلى إسقاط مفاهيم تعميمية على غيرهم لمصلحة حزبية آنية، أو مستقبلية، فيضلّلون الناس لأنهم يخلطون المواقف (المتغيرة) بالمفاهيم بالمشاعر مع المصالح الحزبية، فتصبح السلطة الفلسطينية كمثال في هذا السياق سلطة (اتفاق أوسلو) ، وحسب الفهم المجزوء (لأوسلو) أنها تعاون أمني -وليس تنسيق فالفرق كبير- والتعاون الأمني حسب الفهم المحدود هذا يصبح عمالة ، والعمالة خيانة للوطن والدين! فيتم وصم “السلطة” بالتبعية بكل الصفات الذميمة، دون اعتبار لعظيم نجاحات أو دون تحرّي ودقة وعلمية وموضوعية تضع اليد على السلبيات فلا تهاب من تعدادها، وفي المقابل لا تخجل من تعداد مميزات الآخر أوالخصم أو المختلف معه.

لقد بلغ عدد الآيات التي تحدّثت عن الاختلاف في المجال الإنساني خمسا وثلاثين آية، ويورد الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره قول الله تعالى: “ألم تر أنّ الله أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها”. سورة فاطر (مكيّة)/الآية 27. فيقول أن هذه الآية استئناف فيه إيضاح ما سبقه من اختلاف أحوال الناس في قبول الهدى ورفضه بسبب ما تهيّأت خلقة النفوس إليه ليظهر به أنّ الاختلاف بين أفراد الأصناف والأنواع ناموس جبليّ فطر الله عليه مخلوقات هذا العالم الأرضي.

وقد حذر ابن عاشور من مغبّة التعقب لمذهب ما أو لرأي ما. يقول: “أمّا لو جاء أتباعهم فانتصروا لآرائهم مع تحقق ضعف المدرك أو خطئه لقصد ترويج المذهب وإسقاط رأي الغير فذلك يشبه الاختلاف الذي شنّعه الله تعالى وحذرنا منه فكونوا من مثله على حذر”

ويقول الشيخ محمد رشيد رضا في ذلك قاعدته الذهبية: (أن نتعاون على ما نتفق عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه).

إن موضوعية الطرح وعلميته وارتباطه بقيم الحرية والديمقراطية والحوار في المجتمع الواحد وبين الفرقاء، وبقيم الأديان السمحة أيضا، تقتضي وضع الأمور في نصابها فلا ينقلب الرأي المخالف إلى عداوة، ولا يتحول الموقف من الطرف الآخر إلى مفاضلة بين الحق والباطل دوما، فمساحة الاختلاف في الأمور الدنيوية والمجتمعية والعلمية والسياسية وغيرها رحبة واسعة.

بقلم: بكر أبو بكر

Exit mobile version