المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

كيف نصنع حضارة جديدة

بقلم الكاتبة : تمارا حداد

حان الوقت لمن ينتمي الى الحضارة العربية ان يساهم في تغير تلك الحضارة الى الافضل . لن تتغير الحضارة إلا بتبني فكر حر بعيد عن الفكر التطبيعي مع الغرب .
معظم الحضارات العالمية التي تطورت في الغرب والأمريكيتين بنيت على فلاسفة الدولة الاسلامية ومنهم ابن خلدون وابن رشد وأبي العلاء المعري وابن طفيل وغيرهم من الذين كتبوا قواعدهم التي ترمي الى التطوير والرقي . ووضعوا نبراس الحضارة الانسانية التي تقيم للأمم عزة وقوة ورقي في كافة مجالات الحياة .
قرؤوا الغرب فلسفتهم وبنوا حضاراتهم على اساس الفكر الحر والتسامح بالرأي والفكر الآخر . وبعد تبنيها تلك الفلسفة استعاد الغرب نهضته الصناعية ونهضته الفلسفية والفكرية . بعكس الحضارة العربية نسوا هذا الفكر الفلسفي الحر وبالتالي ضاعت حضارتنا العربية الانسانية وشاع بينها القتل والعنف والجهل والقمع والاضطهاد ودعمها بوجود الانظمة العربية الفاشلة الديكتاتورية الظالمة لشعبها .
قد تتغير حضارتنا العربية الى الافضل اذا تبنينا الفكر الحر والبعيد عن الانتماءات الحزبية وقداسة السياسات الدينية المؤدلجة نحو التعصب الفارط والذي يؤدي الى الخراب والدمار والهلاك . فالفكر الحر الذي ينبني على ثلاث محاور قد يوصلنا الى الرقي في رفعة تلك الحضارة . فأول محور يتبناه الفكر الحر هو دعم الاقتصاد الحر البعيد كل البعد عن الاجندات الخارجية ، فالفكر الحر يقوم على استغلال الموارد البشرية والموارد الطبيعية في كل بلد عربي والذي سيحقق التوازن الاقتصادي . وبوجود العقول البشرية لاقتصاديات طويلة الامد وبوجود قيادة حكيمة ليخفف الجهل والفقر . ومن يملك اقتصادا قويا سيملك سياسة قوية ومن ثم قوة عسكرية قوية .
والفكر الحر يدعم المحور الثاني وهو العلم الذي تنهض به الامم وتواجه به العقبات ويساعد على النهوض في الامم المتأخرة ويقضي على التخلف . فالفكر الحر يحول العلم من التلقيني الى العلمي البحثي . وان يكون للعلم التاريخي دورا في التداول بين الاجيال ليصبح خطوة اولى الى الابحاث العلمية ، وخلق روح الابداع والحرية الفكرية .
الفكر الحر يدعم المرأة ويعطي حقوقها والتي تضمن عيشها الكريم ، فحرية المرأة ضمن نطاق الاخلاق والتربية والسلوك السوي يدعم بناء حضارة قوية .
فالحضارة التي تقوم على الفكر الحر يعني انها ستبعد كل البعد عن السراديب المعتمة والمربعات الخانقة ، فهو فكر انساني بعيد عن جغرافية الانتماءات الضيقة والخانقة للهويات . فالفكر الحر يدافع عن الروح الاخوة البشرية والقيم الانسانية بعيد عن الاديان وحروبها الفكرية وأحقادها الموروثة .
الفكر الحر بعيد عن الاغلال والقيود لا يقبل الترويض تحت اجندات معينة فهو فكر يؤمن بكل ما ينفع الامة . ويبحث عن الضوء الذي يشرق للأمة العربية نورا لتخرج من ظلمتها . فالفكر الحر يذوب بكافة الثقافات والأديان وبنهاية المطاف يأخذ المفيد منها ليفيد غيره . يسعى الى تحريك التراث القديم وإزالة الشوائب منه ويبني عليه مستقبلا مشرقا يتناسب مع الواقع الجديد .
الفكر الحر يتناسب مع كل الاديان الوسطية بكافة مسمياتها ( الاسلامية ، الاسرائيلية ، والمسيحية ، والبوذية والمجوسية ) ، فكرا بعيد كل البعد عن التعصب الديني فهو يصاحب فكرا معتدلا وحقيقيا يبني حضارة لمواجهة الارهاب والتطرف ويقوم هذا الفكر لإرساء قواعد ثقافة السلام للوصول الى الجغرافية الانسانية .
فالحضارة تحتاج فكرا حرا بعيد كل البعد عن البارود الارهابي حتى تتحرر وتتطور . فالفكر الحر سيدعم تلك الحضارة اذا تاجرت به ، ودعمت الهوية الموحدة حتى تحافظ على تاريخها لتقف ضد الهجمة العنصرية من الغرب والتي تقف عائق في نمو الحضارة العربية .

Exit mobile version