المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

البراق ملك للمسلمين وحدهم

بقلم: عبدالله كنعان

إذا كانت أحكام القانون الدولي وقواعده والقانون الدولي الإنساني والعهد الدولي والبروتوكولات الإضافية المرتبطة بها والاتفاقيات الدولية وأهمها اتفاقيتا لاهاي لعامي 1907م و1954م واتفاقيات جنيف الأربع (12/آب/1949م) وبخاصة الرابعة منها وميثاق الأمم المتحدة تنطبق على جميع دول العالم وتسمو على قوانينها الوطنية، فإن إسرائيل تكاد تكون الحالة الوحيدة في العالم المستثناة من تطبيق قواعد وأحكام القانون الدولي والدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية المشار إليها آنفا. ليس لأنها منزهة عن الخروج عن قواعد القانون الدولي والدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة وتستند إلى سمو قوانينها على القانون الدولي والدولي الإنساني بقوة الحق، بل باستنادها في نشوئها وصيرورتها وديمومتها واعتداءاتها وحروبها العدوانية والتوسعية واغتصابها واحتلالها للأرض العربية وتبنيها لسياسة تهويدية استيطانية استعمارية احلالية إلى حق القوة الذي تجيزه لنفسها وتحرمه على الآخرين، وترفض الإذعان لإرادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية مستندة في ذلك في معظم الأحيان إلى صمت الدول الكبرى على ذلك وضعف الأمتين العربية والإسلامية وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين بشكل عام وبالقدس ومقدساتها على وجه الخصوص.
وإذا ما عدنا إلى بدايات الصراع العربي الإسرائيلي ومحوره القضية الفلسطينية وجوهره القدس يمكن للمرء أن يستبين بسرعة أن تاريخ هذا الكيان المستنبت استعماريا في قلب الوطن العربي فلسطين هو تاريخ التمرد على إرادة المجتمع الدولي والقانون الدولي والدولي الإنساني وعلى قرارات الأمم المتحدة وقرارات سابقتها عصبة الأمم التي وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني (الفئة ألف) بموجب قرارها الصادر في تموز من عام 1922م، وهي الدول المؤهلة لنيل استقلالها فور انتهاء إدارة الانتداب من إعدادها إداريا لتتولى بنفسها مهام الدولة بعد الاستقلال. ولكنها بدلا من أن تنهض بهذه المهمة الدولية قامت بتمهيد الطريق أمام إقامة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين تطبيقا لتوصيات لجنة كامبل بنرمان (1907م)، وتنفيذا لوعد بلفور (2/11/1917م) الأمر الذي أدى إلى اندلاع سلسلة من الانتفاضات والثورات العربية كان من أبرزها ثورة البراق في نيسان من عام 1929م. وقد أجبرت هذه الانتفاضة دولة الانتداب، بريطانيا العظمى، على تشكيل لجنة ملكية عرفت بلجنة بيل التي كان من بين قراراتها التوصية بتشكيل لجنة دولية للبحث في أسباب اندلاع ثورة البراق وتحديد ملكية حائط البراق الشريف.
وبالفعل قامت عصبة الأمم بتشكيل لجنة دولية لهذا الغرض حيث وافق مجلس عصبة الأمم في 15 أيار 1930م على الشخصيات الدولية المقترحة لرئاسة وعضوية هذه اللجنة الدولية وهم:
1. السيد الياس لوفغرين، وزير الخارجية الاسوجي (السويدي) وعضو مجلس أعيان (اسيوج) آنذاك رئيسا.
2. السيد شارلس باردي، رئيس محكمة العدل في جنيف (سويسرا) ورئيس محكمة التحكيم النمساوية – الرومانية المختلطة آنذاك.
3. السيد فان كمبن، عضو البرلمان الهولندي وحاكم الساحل الشرقي لجزيرة سومطرة آنذاك.
ولقد انتهت اللجنة الدولية التي وصلت القدس في 19/حزيران/1930 ومكثت فيها شهراً كاملاً عقدت فيه 23 جلسة متبعاً فيها الأصول القضائية المعهودة في المحاكم الانجليزية. كما استمعت إلى الممثلين الرسميين لطرفي النزاع من العرب واليهود بالإضافة إلى أقوال 30 شاهداً عربياً و21 شاهداً يهودياً فضلاً عن تسلمها لإحدى وستين مبرزاً وثائقياً منها 35 وثيقة مقدمة من اليهود و26 وثيقة قدمها الجانب العربي وإلى دفاعات كل من الطرفين كان من أبرزهم من الجانب العربي والإسلامي والموكلين من المجلس الإسلامي الأعلى كل من السادة: عوني بك عبد الهادي، وأمين بك التميمي، وأمين بك عبد الهادي، والشيخ سليمان أفندي الجوخدار، وأحمد زكي باشا، وفخري بك الحسيني، وفخري بك البارودي، وفائز بك الخوري، والشيخ حسن أفندي أبو السعود، وجمال أفندي الحسيني، وعزت أفندي دروزة، ومحمد علي باشا، والشيخ راغب أفندي الدجاني، وعبد الله أفندي الفضللي، وعبد العالي أفندي جوابحي، والشيخ حسن أفندي الأنصاري، وفي الاستطاعة القول إن الأشخاص الواردة أسماؤهم أعلاه ومن جملتهم أعضاء مختلف الوفود الذين مثلوا أمام اللجنة قد مثلوا مسلمي جميع الأقطار الإسلامية تقريباً في العالم بما في ذلك مراكش والجزائر وطرابلس الغرب ومصر وغيرها من البلاد الإفريقية وفلسطين وسوريا وشرقي الأردن والعراق والعجم والهند البريطانية والهند الهولندية الشرقية وغير ذلك من البلاد في الشرقين الأدنى والأقصى.
وقد اختتمت اللجنة الدولية التي نال تقريرها بما تضمنه من وقائع واستنتاجات موافقة عصبة الأمم ودولة الانتداب في الأول من كانون الأول (ديسمبر) عام 1930م.
ومن بين ابرز قرارات تلك اللجنة الدولية كان الآتي:-
أ. «للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف.
وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المقابلة للحائط (رصيف أبي مدين الغوث) لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير.
إن أدوات العبادة و(أو) غيرها من الأدوات التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط إما بالاستناد إلى أحكام هذا القرار أو بالاتفاق بين الفريقين لا يجوز في اي حال من الأحوال أن تعتبر أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له.
ب. لليهود حرية الوصول إلى الحائط الغربي لإقامة التضرعات في جميع الأوقات مع مراعاة الشروط الصريحة المشار إليها في ما يلي:
1. إن التعليمات المؤقتة التي أصدرتها إدارة فلسطين في أواخر شهر أيلول سنة 1928م. بشأن أدوات العبادة (راجع الفقرات «أ» و»ب» و»ج» من المادة الثانية من التعليمات) يجب أن تكتسب الصيغة القطعية على أن يجري فيها تعديل واحد هو السماح بوضع الخزانة المحتوية على سفر أو أسفار التوراة والمائدة التي توضع عليها الخزانة والمائدة التي توضع عليها الأسفار عند القراءة فيها عند الحائط، في المناسبتين التاليتين فقط:
أ. عند وقوع صوم أو اجتماع خاص للصلاة العامة تأمر رئاسة حاخامي القدس به بسبب وقوع كارهة أو نكبة أو مصيبة عمومية على أن تبلغ إدارة فلسطين بذلك في الوقت اللازم.
ب. في يوم عيد رأس السنة وفي يوم عيد الغفران وأيضاً في أيام الأعياد المخصوصة الأخرى المعترف بها من الحكومة، والتي جرت العادة فيها على جلب الخزانة المحتوية على الأسفار إلى الحائط.
وعدا ما هو منصوص عليه من أحكام هذا القرار لا يجوز جلب أية أدوات عبادة إلى جوار الحائط.
2. لا يعارَض ولا يمانَع اليهود، كأفراد، من جلب كتب صلاة يدوية معهم إلى الحائط أو أية أدوات أخرى اعتادوا استعمالها في صلواتهم إما بصورة مطلقة أو في مناسبات مخصوصة. ولا يعارَضون ولا يمانَعون في ارتداء أي ألبسة استعملت منذ القديم في صلواتهم.
3. إن منع جلب المقاعد والسجاجيد والحصر والكراسي والستائر والحواجز الخ وسوق الدواب عند الرصيف في ساعات معينة، وهي المقررة في التعليمات المؤقتة، كما أن وجوب إبقاء الباب الكائن في طرف الحائط الغربي مقفلاً أثناء ساعات معينة، يجب أن يقرر ويصبح مطلقاً على أن يحترم في ذلك حق المسلمين في الذهاب والإياب على الرصيف بالطريقة الاعتيادية، ويبقى حقهم هذا مصوناً من كل تعد كما هو الآن.
4. يمنع جلب أية خيمة أو ستار أو ما شابههما من الأدوات إلى الحائط لوضعها هناك حتى لو كان ذلك لمدة محدودة من الزمن.
5. لا يسمح لليهود بنفخ البوق (الشوفار) بالقرب من الحائط، ولا أن يسببوا أي إزعاج آخر للمسلمين مما يمكن تحاشيه. ومن الجهة الأخرى لا يسمح للمسلمين بإقامة حفلة «الذكر» بقرب الرصيف في أثناء قيام اليهود بالصلاة وبإزعاج اليهود على وجه آخر.
6. يجب أن يفهم أن للإدارة الحق في إصدار التعليمات التي تستصوبها بشأن قياس كل أداة من الأدوات المسموح لليهود بجلبها إلى الحائط وبشأن الأيام والساعات المخصوصة المشار إليها في ما تقدم، وبشأن أية أمور أخرى تستدعيها الضرورة لأجل تنفيذ قرار اللجنة هذا على أتم وأوفى وجه.
7. محظور على أي كان استعمال المكان الكائن أمام الحائط أو ما جاوره لأجل إلقاء الخطب أو إقامة المظاهرات السياسية مهما كان نوعها.
8. يعتبر أن مصلحة المسلمين واليهود المشتركة على السواء عدم تشويه الحائط الغربي بأية نقوش أو كتابات عليه أو بدق مسامير أو ما شابهها من المواد فيه، وأيضاً إبقاء الرصيف الكائن أمام الحائط نظيفاً ومحترماً من المسلمين واليهود على السواء. ويصرح هنا أن من حق المسلمين وواجبهم تنظيف الرصيف وتصليحه أنّى ومتى كان ذلك ضرورياً، بعد تبليغ الإدارة بذلك.
9. بالنظر لكون الحائط أثراً تاريخياً يناط بإدارة فلسطين تعميره التعمير اللازم اللائق به. وكل تعمير تستدعي الضرورة إجراءه فيه تقوم به تلك الإدارة، ويجري تحت إشرافها وألا يكون ذلك إلا بعد مشاورة المجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الرباني لفلسطين.
10. إذا لم يقم المسلمون بإجراء التعمير الضروري للرصيف في الوقت اللازم فتتخذ إدارة فلسطين التدابير الضرورية لتعميره.
11. تكلف رئاسة حاخامي القدس بتعيين موظف واحد أو أكثر يكونوا مفوضيها المعتمدين لأجل تلقي التعليمات والتبليغات التي تصدرها إدارة فلسطين من حين لآخر بشأن الحائط الغربي والرصيف الكائن أمامه والمعاملات التي تتبع فيما يتعلق بتقديم اليهود تضرعاتهم بالقرب من الحائط.
إن المشكلة التي يدور النزاع حولها والتي وقع على عاتق هذه اللجنة أمر معالجتها لا يرجع منشأها إلى اختلاف الفريقين في كيفية فهم شريعة مقررة يعترفان ويسلمان بها، بل بالعكس فقد نشأت من تناقض كائن في مبادئ الحقوق والمعتقد الديني الأساسي، وهي لذلك بعيدة التأثير لأن كلا من الفريقين يعتقد اعتقاداً جازماً بأن المسألة المنازع فيها ستؤثر في مصالح هي في نظره ذات أهمية غير مادية (روحية) لا يستطيع التنازل عنها.
ولم تر اللجنة أبداً، عند قيامها بمهمتها من النظر بعين الاعتبار إلى الواقع بأن هذه المسألة المتنازع عليها لم تعرض عليها للفصل فيها إلا بعد عجز الفريقين اللذين لهما علاقة مباشرة بها.
ولما كانت الحالة كذلك فإن اللجنة تعترف كما سبق لها أن وضحت في مقدمة هذا التقرير، بأن الرغبة الصادقة التي أبداها كلا الفريقين في مساعدتها على التحقيق المكاني الذي قامت به قد كان لها فائدة لا تقدر فهذا الموقف الرقيق قد أنعش بالفعل آمال اللجنة بأن الفريقين قد يستطيعان الوصول إلى اتفاق ودي لتسوية اختلافاتهما المتبادلة على أساس هذا التحقيق، فهذه التسوية تفضل كثيراً على تسوية تفرض فرضاً. وعلى كلٍ فإن الوصول إلى مثل هذا الاتفاق لم يكن مستطاعاً لغاية الآن ولذا لم تجد اللجنة مندوحة عن إعطاء قرارها. وقد بني مضمون هذا القرار كلياً على أساس الآراء التي توصلت إليها اللجنة بشأن جوهر القضية مستندة في الغالب إلى نفس وجهة النظر المنعكسة في صك الانتداب الحالي وفي إدارة الحكومة السابقة بشأن علاقات الطوائف المختلفة في فلسطين بعضها مع بعض.
ويجدر بنا في هذا المقام أن نذكر، فضلاً عما سبق لنا ذكره، أن الباب العالي في المعاهدة التي عقدت بين الدول الأوروبية الكبرى وتركيا بشأن تسوية شؤون الشرق والموقعة في 13 تموز سنة 1878م صرح تصريحاً اختيارياً أعرب فيه عن رغبته في المحافظة على الحرية الدينية وتوسيع نطاقها أكبر توسيع (المادة 42 من المعاهدة).
أما في هذه القضية التي عهد لهذه اللجنة بالتحقيق فيها فلا يمكن العمل بهذا المبدأ السامي إلا إذا أبدى أتباع هذين المذهبين المختلفين عند مراعاة القواعد المقررة أعلاه، استعداداً لإظهار الاحترام الواجب من الفريق الواحد نحو الآخر في مباشرة حقوق الملكية والتصرف التي للفريق الواحد بلا منازع والقيام بالخدمات الدينية من قبل الفريق الثاني على أرض ليس له فيها حق التصرف.
وتأمل اللجنة أن يقبل المسلمون واليهود بقرار اللجنة ويحترمونه ناظرين بعين الاعتبار إلى الوضعية الحاضرة وما يتوقف عليها ومدفوعين بالرغبة الصادقة للوصول إلى التفاهم المتبادل، الأمر الذي لا مندوحة عنه حباً في مصلحتهما المشتركة في فلسطين وتوطيد أركان السلام في العالم أجمع.
قد توصلت اللجنة إلى آرائها وقراراتها هذه بإجماع الرأي.
كانون الأول سنة 1930
إلياس لوفغرين
شارلس باردي
فان كمبن
شتيغ ساهلين»
هذه هي إذن قرارات اللجنة الدولية المشكلة بناء على توصية لجنة بيل الملكية البريطانية والتي حازت على موافقة دولة الانتداب آنذاك، بريطانيا العظمى، ومجلس عصبة الأمم التي تؤكد عدم وجود أي حق لليهود في الحائط الغربي (حائط البراق).فهو حق خالص للمسلمين وحدهم وهو وقف إسلامي. وكل ما هو مسموح به لليهود هو الوصول إلى الحائط الغربي لتأدية صلواتهم.
ولكن هل أذعنت دولة إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال لذلك؟
الجواب بكل وضوح كلا. فما أن احتلت قواتها العسكرية في حربها العدوانية التوسعية في الخامس من حزيران الضفة الغربية واستكملت احتلالها للشطر الشرقي من القدس في 7/حزيران/1967م حتى باشرت بهدم حارة المغاربة بتاريخ 11/حزيران/1967 وكل ما كان عليها من مبان ومحال ومرافق محولة إياها قاعا صفصفا والبدء بتهويد المدينة منهجيا وفقا لخطط مدروسة ومعدة سلفا وصولا إلى الاستحواذ على المسجد الأقصى المبارك بادعاء قدسية الحائط الغربي لدى اليهود وأحقيتهم به مخالفين بذلك قرار عصبة الأمم وكل القرارات الدولية اللاحقة الصادرة عن الأمم المتحدة وضاربة عرض الحائط بميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي والبروتوكولين الإضافيين الملحقين به وقواعد القانون الدولي والدولي الإنساني وبالاتفاقيات الدولية وأبرزها اتفاقية جنيف الرابعة والتي تحرم جميعها على الدولة القائمة بالاحتلال الإتيان بأي عمل من شأنه أن يغير في الطبيعة الحضارية والتاريخية والروحية والديموغرافية للأراضي العربية المحتلة بما في ذلك القدس.

عن الرأي الأردنية

Exit mobile version