المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

السياسة الخارجية المصرية في 2017.. مواقف أكثر وضوحا

ما الشكل الذي ستكون عليه السياسة الخارجية لمصر في العام 2017؟ سؤال طرحته “العرب” على مجموعة من الخبراء في العلاقات الدولية، توقعوا أن العام الجديد سيكون كاشفا للكثير من نقاط الالتباس، التي اتسمت بها السياسة المصرية، خاصة في ملفات مثل سوريا، وليبيا، والقضية الفلسطينية، وبالتحديد على خلفية ما سوف يتخذه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي أعلن مناصرته للنظام المصري.

القاهرة – ملامح السياسة الخارجية لمصر في بداية العام 2016 لم تكن واضحة، نتيجة لحالة الاستقطاب الدولي والإقليمي على وقع تصاعد الصراعات في المنطقة التي أثرت على السياسات الخارجية للدول الإقليمية، وفيما بدا توجه البعض منها واضحا وجدت دول أخرى نفسها في سياقات متوترة ومتضاربة أحيانا، ومن ذلك السياسة الخارجية المصرية.

وظلت السياسة الخارجية لمصر مرهونة بتوازنات القوى الإقليمية وصراع النفوذ في العالم، وفي ظل حالة عدم الوضوح والالتباس وتغير المصالح في السياسات الدولية والإقليمية، كانت السياسة المصرية تحاول تشكيل ملامحها ورسم سياسات خارجية تتماهى مع مصالحها العليا، وتحافظ على أمنها القومي، ما جعلها تبدو مرتبكة -من وجهة نظر البعض- في الكثير من الأحيان، نظرا لتضارب المصالح بين الدول الإقليمية، وتغيير تحالفاتها بين الحين والآخر.

الأزمة السورية.. لا للميليشيات

يعد الملف السوري نموذجا لحالة الخلاف، حول تقييم السياسة الخارجية للدولة المصرية، حيث أخذت هذه السياسة تجاه الملف السوري مسارات مختلفة سيتم حصرها في ثلاثة مسارات. المسار الأول كان بعد ثورة 25 يناير 2011 وتولي المجلس العسكري لمقاليد السلطة، وهي الفترة التي لا يمكن الوقوف فيها على ملامح ساطعة للسياسة الخارجية لمصر. فقد كانت مصر مشغولة بترتيب بيتها الداخلي، وهو ما أفقدها أي دور على المستوى الإقليمي، وبالتالي لم تكن هناك رؤية واضحة حيال سوريا.

ثم كان المسار الثاني في فترة حكم الإخوان. كانت سياسة مصر الخارجية في تلك الفترة، مرهونة بحسابات جماعة الإخوان المسلمين، ومدى تقاربها أو تباعدها من الأطراف الإقليمية التي تتحكم في مسار الأحداث بالمنطقة العربية، وكانت السياسة المصرية تجاه الملف السوري خلال هذه الفترة، أكثر ارتباكا.

أما المسار الثالث فقد كان في فترة ما بعد 30 يونيو، وهي الفترة التي بدأت خلالها السياسة الخارجية تكتمل ملامحها بشكل أوضح، حيث أعلنت القاهرة صراحة وقوفها بجانب دمشق، مع الحفاظ على وحدة واستقرار الدولة. وقال الرئيس المصري عبدالفاتح السيسي في تصريحات جاءت في مقابلة مع التلفزيون البرتغالي، في شهر نوفمبر الماضي، إن بلاده “تدعم الجيش الوطني السوري”. وأضاف أن هناك “حساسيات” في مسألة إرسال قوات مصرية إلى سوريا.

ويصنّف السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، سياسة مصر تجاه سوريا في فترة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى شقين، الأول: سياسة “شعبوية”، تأخذ في الاعتبار رد فعل الشارع المصري تجاه ما يحدث للمدنيين العزل جراء الاشتباكات الحاصلة بين مكونات العملية السياسية في سوريا. ومن هنا كانت سياسة مصر المعلنة عبر وقوفها مع الإرادة الشعبية للمواطنين السوريين، واحترام رغبتهم في التغيير. وللتأكيد على هذا الموقف استقبلت القاهرة تيارات من المعارضة السورية، واحتضنت أعضاء الائتلاف السوري المعارض، وسمحت لهم بمخاطبة المجتمع الدولي من الأراضي المصرية.

أما الشق الثاني، فهو موقف الدبلوماسية الرسمية للدولة. وهنا يمكن الحديث عن العلاقة بين النظام المصري والنظام السوري، والتي لم تنقطع طوال مدة الأزمة السورية. وظلت القاهرة تستقبل وفودا محسوبة بشكل أو بآخر على نظام الأسد، بالإضافة إلى موقف مصر من قضية تسليم مقعد سوريا بجامعة الدول العربية للمعارضة السورية، حيث اتهمت أطراف من المعارضة السورية مصر بأنها من ضمن الدول التي تمانع في تسليمه لها.

ومؤخرا، بدأت السياسة المصرية تجاه الملف السوري تتضح أكثر فأكثر، بعد تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن تأييده لكل الجيوش النظامية في مواجهة الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وهو ما اعتبره البعض يشمل ضمنيا أطراف الصراع في الملف السوري.

ورغم حالة الغضب التي انتابت العديد من الأطراف الدولية بشأن السياسة المصرية في سوريا، إلا أن المستجدات على الأرض والتغيير الحاصل في ميزان القوى الدولية، نتيجة تبدل التحالفات الإقليمية، فرضا على أطراف مثل أنقرة، تغيير نبرتها بشأن الموقف من بشار الأسد، حيث أعلنت تركيا مؤخرا أن عملياتها (درع الفرات) في شمال سوريا ليست موجهة لإسقاط الأسد.

وكان لإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، أكبر الأثر في تغيير مواقف العديد من الدول تجاه الأزمة السورية، حيث أعلن ترامب فور انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، أن هدفه في سوريا ليس إسقاط الأسد بقدر مواجهة التنظيمات المسلحة، وهو ما يؤكد أن السياسة المصرية تجاه سوريا كانت متوازنة.

في ليبيا الموقف ثابت

يمكن وصف السياسة المصرية تجاه الأزمة الليبية في العام 2016 بـ”الثابتة”، وإن كانت هناك بعض المنحنيات المرتبطة بالحسابات الإقليمية، حيث أيدت مصر منذ الوهلة الأولى، عملية الكرامة التي يقودها المشير خليفة حفتر ضد التنظيمات المسلحة، التي تتخذ من صحراء طرابلس الممتدة على طول الحدود مع مصر مكانا للتدريب والتسليح، ونقطة مهمة تستطيع من خلاها تهديد الأمن القومي لمصر، ومن هنا تأتي أهمية ليبيا بالنسبة إلى مصر.

ورصد السفير هاني خلّاف، مساعد وزير الخارجية الأسبق، مسارين للسياسة الخارجية المصرية تجاه الأزمة الليبية، الأول: سياسي، ويقوم على عدم الاصطدام مع المجتمع الدولي الذي كان يتبنى رؤية مغايرة – إلى حد ما- للرؤية المصرية.

وظهر ذلك بوضوح في عدم معارضة مصر لاتفاق الصخيرات، الذي يقوّض صلاحيات القوات المسلحة الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر رغم انسجامه مع مصر. كما لم تعترض القاهرة على تشكيلة الحكومة التوافقية والمجلس الرئاسي، الذي يضم عناصر محسوبة على التيار الديني المتشدد وجماعة الإخوان.

والمسار الثاني هو مسار عسكري، حيث فرضت الطبيعة الجغرافية لمصر وليبيا أن يكون مصيرهما مشتركا. ولتأمين القاهرة داخليا، لا بد من تأمين حدودها الغربية مع ليبيا حتى لا تكون مرتعا للتيارات المسلحة.

ويلوح من تبني مصر لعملية الكرامة التي يقودها المشير حفتر ضد الجماعات المتشددة وقيامه بعملية عسكرية داخل الأراضي الليبية، رغم الظروف الخاصة لتلك العملية، الدور العسكري لمصر في ليبيا.

ويبدو أن 2017 سيشهد المزيد من التأكيد على سياسة مصر تجاه الملف الليبي، حيث بدا للعيان أن مصر تلعب دورا كبيرا في ليبيا، وأن أي تسوية في ليبيا لا يمكن أن تتم دون إشراك القاهرة فيها. ويظهر هذا الطرح في تحول القاهرة في الفترة الأخيرة من هذا العام، إلى ما يشبه الحاضنة لمكونات العملية السياسية في ليبيا.

والملاحظ أن القاهرة أصبحت مقصدا للوساطات الدولية في هذا الملف، وهو ما يفسر الزيارات المتكررة للمبعوث الأممي مارتن كوبلر إلى العاصمة المصرية للبحث عن طريقة لتسوية هذا الملف.

ويرى مراقبون، أن 2017 سيكون عام النهاية لسيطرة الميليشيات المسلحة على أجزاء من التراب الليبي، حيث لم تعد أوروبا داعمة أساسية لميليشيات فجر ليبيا. وغضت الطرف عن تحركات المشير خليفة حفتر الأخيرة، التي سيطر خلالها على مناطق الهلال النفطي. وأصبحت القوى الإقليمية اللاعبة في ليبيا أكثر تقبلا لفكرة استيعاب المشير حفتر داخل الكيان الرسمي للدولة الليبية، بعد الانتصارات التي حققها في بنغازي والقوارشة، بالتزامن مع انتصارات حكومة الوفاق ضد تنظيم داعش في سرت.

فلسطين.. دعم حل الدولتين

تحتل القضية الفلسطينية أهمية خاصة في السياسة الخارجة لمصر. ويتحدث لـ “العرب”، طارق فهمي، الخبير بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، والمقرب من بعض دوائر صنع القرار المصري، عن مكونين رئيسيين للقضية الفلسطينية يمكن من خلالهما تقييم سياسة الدولة المصرية، وهما مسألة المصالحة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية “فتح- حماس، فتح-فتح”، والمسألة الثانية، هي العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، وعملية التسوية الخاصة بالسلام بين الطرفين.

ويرى فهمي أن سياسة مصر تجاه عملية السلام بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني قائمة على التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في الأراضي الفلسطينية والتنديد بسياسة الاستيطان التي تتبعها دولة الاحتلال في المحافل الدولية ودعم حل الدولتين.

ويشير إلى أن موقف مصر سيكون استمرار التنسيق مع الرباعية العربية: السعودية- الإمارات- مصر- الأردن، ولا يمكن التفريط في هذه الحقوق من وجهة النظر المصرية. ولفت إلى أن مصر تبنت حراكا قويا داخل أروقة الأمم المتحد بشأن تلك القضية، ووقفت إلى جانب السلطة الفلسطينية التي استطاعت الحصول على الاعتراف من دول أجنبية.

ويقول فهمي إن الشق الثاني في القضية الفلسطينية المتعلق بالمصالحة الداخلية بين الفصائل، شهد تطورا في الرؤى المصرية، في ما يخص العلاقة مع حركة حماس أو في ما يخص حركة التحرير الفلسطينية “فتح”.

وهنا يؤكد على أن ملف المصالحة الداخلية الفلسطينية لم يخرج من القاهرة، حتى في أوقات ثورة 25 يناير، التي كانت فيها الدولة المصرية بلا ملامح محددة، وظلت القاهرة -رغم محاولات تركيا وقطر سحب الملف إليها- محتفّظة بهذا “الدور الوطني”.

ومع أواخر 2016، حدث تطور في الرؤية المصرية تجاه ملف المصالحة الداخلية، حيث استقبلت القاهرة وفودا متنوعة من قطاع غزة، في ما أطلق عليه “مناخ جديد للتعامل مع غزة”، بالتزامن مع أزمة بين السلطة الفلسطينية برئاسة أبومازن والرباعية العربية على خلفية شكوك لدى الرئيس الفلسطيني بالترتيب لقيادات فلسطينية أخرى لخلافته، وهو ما دفعه للتحول ناحية قطر وتركيا.

وتحملت السياسة المصرية الخارجية شكوكا كثيرة بخصوص مواقفها من ملفات مهمة بالمنطقة العربية، أهمها فلسطين وليبيا، بالإضافة إلى الملف السوري واليمني اللذين كانا سببا في توتر العلاقات بين القاهرة والرياض، حيث اعتبرت المملكة العربية السعودية أن سياسة مصر في هذين الملفين تتعارض معها، معتمدة على موقف مصر في الأمم المتحدة من مشروع قرار خاص بسوريا، بالإضافة إلى عدم استجابة القاهرة للمشاركة في حرب اليمن بقوات برية، واكتفائها بالتواجد في البحر الأحمر كجزء من تأمين الممر المائي الممهم لحسم المعركة.

وأثبت مسار الأحداث في المنطقة العربية، أن السياسة المصرية لم تكن عشوائية أو مرتبكة، والدليل على ذلك هذا التغير الذي حدث في سياسة العديد من الدول بشأن ملفات مثل سوريا وليبيا، بما يتماشى مع الرؤية المصرية التي تصب في النهاية في مصلحة الدولة الرسمية ضد الميليشيات المسلحة.

ويبدو أن عام 2017 سيشهد تكريسا لذلك الطرح، خصوصا بعد ظهور التوجهات الأميركية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، والقائمة على مواجهة التطرف ومكافحة الإرهاب خاصة وأن مصر تعتبر من أهم الدول المقاومة لهذه الآفة المهددة للعالم.

“العرب” اللندنية – سعيد قدري

Exit mobile version