المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

كم إسرائيلَ في إسرائيل؟

بقلم: حسن البطل

عبر “الفيسبوك” تعرف صديقي إلى فتاة إسرائيلية، كانت مجندة 2002 وشاركت في احتلال رام الله.. وتريد أن ترى أحوالها الآن. قال لها: ستدخلين رام الله معي.. ولكن، بعد أن أراك في مظاهرة يوم الجمعة في بلعين.. وهكذا كان.
هي، على الأرجح، لم تركب سيارات “السرفيس” الداخلية، حيث يقوم الرجال من مقاعدهم الأمامية للنساء.. ولكنها، على الأرجح، لاحظت ان النساء والرجال يمشون مختلطين على أرصفة الشوارع.. حتى في غزة.
الحال، ليس هكذا في بعض القدس وبعض بيت شيمش، حيث على النساء ركوب المقاعد الخلفية.. وأحياناً، كما في بيت شيمش، غربي القدس، عليهن السير على رصيف آخر.
يعيرنا الإسرائيليون بانقسام غزة عن رام الله. هناك فلسطينان ونظامان وحكومتان.. وشعبان في أراضي السلطة الفلسطينية. أوائل حقبة السلطة زارنا في البيرة رئيس “بيت الكرمة-بيت هافيفن” السيد موطي (مردخاي) وأخبرنا بما لا يفاجئنا: أتحدث معكم بحرية.. لكن في “بيت يام” لا أجد لغة حوار مع اليهود المتزمتين هناك. قلنا له: قد يصعب علينا دخول نقاش مع بعض المثقفين العرب خارج فلسطين.
“الربيع العربي” هو “شتاء إسلامي” لدى بعض الإسرائيليين الذين بدؤوا يعانون، ربما، من خريف “إسرائيل الديمقراطية اليهودية”. دبيب هذا الخريف يشمل: الجيش الذي كان بوتقة صهر الشتات شعباً إسرائيلياً، منذ فرض الحاخامات كلام الذكرى في يوم إحياء “قتلى حروب إسرائيل”. بدلاً من: “يتذكر شعب إسرائيل..” صارت بعض القطع العسكرية تقول: “يتذكر الله..”.. الى أن وصل الأمر الى مقاطعة الجنود المتدينين غناء المجندات.. ربما “لأن صوت المرأة عورة” كما يقول بعض غلاة الأصوليين الإسلاميين.
بعد الجيش، هناك “المستوطنة” التي كانت البوتقة الثانية قبل إقامة إسرائيل، وبعد احتلال الضفة والقطاع، صارت هناك مستوطنات أصولية وأخرى علمانية، وثالثة للانتجاع. يهرب العلمانيون اليهود من قلب القدس الى المستوطنات والكتل العلمانية في ضواحيها.
الانقسام وصل الى البوتقة الأهم، وهي اليهودية. ليس كل الإسرائيليين يهوداً. هناك عرب، هناك إسرائيليون روس. هناك إسرائيليون أفارقة.. وهناك يهود متزمتون ينغصون حياة باقي الاسرائيليين.
ما هي المشكلة الأساس؟ في العالم يتناقص يهود الشتات، وفي إسرائيل يتزايدون، وأكثر ما يزدادون في طائفة المستوطنين والأصوليين، بما سيجعل إسرائيل ذات غالبية أصولية-قومية-دينية قبل منتصف هذا القرن.
شهدت إسرائيل ثلاث حركات شعبية كبيرة، الأولى في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث تحرك الشرقيون “الفهود السود” وتحرك اليمين الصهيوني على أكتافهم وصعد للحكم الثانية.
الثانية: صيف هذا العام مع أوسع احتجاج اجتماعي على الأسعار وأسعار المساكن.. و”الرأسمالية الخنزيرية” والثالثة؟ ما تزال في بدايتها، وهي “صراع هوية” لدولة إسرائيل، أو “صراع ثقافي” حيث لا يريد الأصوليون العيش مع العلمانيين، أو حتى المتدينين المعتدلين، ويفرضون قوانينهم في أحيائهم ومدنهم مثل بيت يام، وقسم من مدينة بيت شيمش (حيث هناك مصانع حربية اسرائيلية).
اعتادت الصحف الاسرائيلية الحديث عن “إسرائيل-تل أبيبية”، أي نيويورك-اسرائيل، أي إسرائيل العلمانية-الاشكنازية (للعلم هي من عواصم المثلية الجنسية في العالم) ومؤخراً اعتادوا الكلام عن “إسرائيل-المقدسية” المحافظة والمتزمتة.. والآن، عن بيت شيمش الأصولية، حيث تفكر الحكومة جدياً في تقسيم المدينة مدينتين، وحتى في إقامة بلديتين، وربما كما يطرحون إقامة سور بين أحياء المتزمتين وباقي الأحياء التي خرجت تصرخ: “هنا ليس طهران”.
البنية العلمانية الإسرائيلية تبقى أقوى من البنية العلمانية العربية، لكن في المقابل فإن المتزمتين اليهود أكثر تزمتاً من المتزمتين الاسلامويين.
اسرائيل صارت دولة أسوار وأسلاك حتى في حدودها مع مصر، فإذا أقاموا سوراً يفصل إسرائيليي بيت شيمش عن يهود المدينة، فإن إسرائيل تغدو “غيتو” عن محيطها العربي الإسلامي، وربما عن بحرها الدولي.. والآن، قد تعود الى “غيتو” الطائفة اليهودية، ليس في الشتات، لكن في “دولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية”.
منذ همس نتنياهو في أذن الحاخام قدوري في ولايته الأولى: “اليساريون ينسون معنى أن تكون يهودياً” وإسرائيل في مسار تهويد متسارع.
هناك ثلاث إسرائيليات: إسرائيل الصهيونية.. إسرائيل الإسرائيلية.. وإسرائيل اليهودية!

Exit mobile version