المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

محطات الأيام الأولى لأبو عمار في الأرض المحتلة..

زهران معالي

ليست مجرد مبانٍ حجرية ومعالم تاريخية فقط، بل اماكن حفرت بتاريخ النضال الفلسطيني المعاصر، انها حوش العطعوط بالبلدة القديمة بنابلس، ومغارة بيت فوريك ومغارة قباطية.

ثلاثة أماكن أعاد فيها الشهيد ياسر عرفات الروح الثورية لكل العرب بعد نكسة عام 1967، وبنى نواة الخلايا المسلحة في الأرض المحتلة، وراح ينظم خلايا من المقاتلين في كل مكان يحل فيه ويرسلهم في دورات تدريبية مكثفة في سوريا.

52 عاما مرت على انطلاقة الثورة الفلسطينية، وحدت فتح خلالها الفلسطينيين حول الهوية والهدف، ونقلتهم من الشتات إلى التوحد في الكفاح لتحقيق الأماني بالتحرر من الاحتلال وتقرير المصير.

نضال طويل لا يمكن قراءته دون الحديث عن الذاكرة المتعلقة بمفجر الثورة الفلسطينية الحديثة وربان السفينة الشهيد الراحل ياسر عرفات مع تشكيل الخلايا المسلحة في الأرض المحتلة.

في حوش العطعوط وهو أزقة داخلية في حارة الياسمينة بنابلس، لم يكن الناس يعلمون أن “أبو محمد” الرجل البسيط الذي قدم للمدينة هو ذاته الذي عرفه العالم لاحقا بأنه الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، فكان متنكرا يرتدي حطة بيضاء وعقالا وقميصا أبيض ويظهر كأنه معلم مدرسي من إحدى القرى، وفق ما تحدث محمد الدلع “أبو عرب” وهو أحد الرجال القلائل الذين شهدوا اللحظات الأولى التي دخل فيها الراحل ياسر عرفات إلى المدينة.

وتحدث أبو عرب أن أبو عمار مكث في الحوش أياما قليلة لا تتجاوز 17 يوما على فترتين، نجح خلالها بعقد عشرات الاجتماعات مع عناصر ممثلين للأقاليم في المنطقة بسرية تامة، وتمكن من تأسيس 14 قاعدة عسكرية في محافظة نابلس وحدها.

في الأول من تموز عام 1967 شارك أبو عرب بأول دورة عسكرية في معسكر “الهامة” التابع لفتح في العاصمة السورية دمشق، برفقة مجموعة من الشبان من نابلس، حيث التقى لأول مرة بالشهيد أبو عمار هناك، وبعد 10 أيام من التدريب عاد أبو عرب والمجموعة برفقة أبو عمار لمدينة نابلس، وكانت مهمته تجهيز بيت يمكث فيه أبو عمار كان عبارة عن غرفة صغيرة “علية” في حوش العطعوط، بدأ فيها أبو عمار تشكيل الخلايا المسلحة في الأرض المحتلة.

وأضاف الدلع لـ”وفا”، أن عرفات بقي لمدة ثلاثة أشهر بالضفة الغربية تنقل خلالها بين محافظات الضفة الغربية، حيث شكل القواعد المسلحة فيها، كان يتحرك فيها بشكل محكم ودقيق وبسرية تامة.

ونوه إلى أن “أبو عمار كان رجلا بسيطا لا يحب المظاهر ويفضل الطعام البسيط، كنت أحضره من أفران البلدة القديمة، ينام على سرير من حديد بغرفة العطعوط، واختار مدينة نابلس لانطلاق الثورة الفلسطينية كونها واجهة العمل الوطني ومنها انطلقت معظم الثورات، حيث تتمتع بثقل كبير في فلسطين”.

في بلدة بيت فوريك شرق نابلس، ما زالت المغارة التي توسد فيها الشهيد أبو عمار الحجارة تجسد حكاية الثورة وترسم مسيرة النضال ومراحل التخطيط والتجهيز والإعداد، حيث أصبحت اليوم مزارا للكثيرين بعد أن أعاد أهالي البلدة تأهيلها وتجهيزها.

يروي الباحث في التاريخ المعاصر د. محمد عودة غلمي لـ”وفا” تفاصيل المرحلة التي تواجد فيها أبو عمار في البلدة وفق معلومات جمعها من قلائل التقوا الرجل فترة مكوثه في البلدة، أنه “في شهر أيار 1966 قدم أبو عمار برفقة مجموعة من المقاتلين لبيت فوريك لأول مرة ومكث لمدة أسبوع في خربة الخماش وكان يعرف بأبو محمد”.

ويوضح أن متعهد الأرض في خربة الخماش ويعرف أبو مصطفى حنني، وصف أبو عمار أنه شاب وسيم ويتحدث اللهجة المصرية، وكان يعطي تعليماته لمرافقيه ويتحدثون عن الثورة وانطلاق الثورة الفلسطينية، وأنه لم يكن يعرف أنه أبو عمار، وغادر البلدة بعدها باتجاه الأردن.

ويضيف “في عام 1967 قدم أبو عمار لبيت فوريك للمرة الثانية، في شهر أيلول في موسم التين، وكان معه سلاح ومجموعة من الفدائيين تصل لتسعة أشخاص وطلب من أبو مصطفى مغارة للمكوث فيها، وكان رجل يدعى عيسى أحمد نصاصرة على علاقة مع أبو عمار حيث كان يتواجدون في النهار بالمغارة، وينام بالليل في بيته”.

ويشير غلمي إلى أن عرفات مكث ما يقارب الأسبوع في القرية التقى خلالها بالثوار من الأقاليم، وتعرف على خبراء من التدريب على السلاح ممن خدموا في الجيش الأردني، وبدأ بتشكيل المجموعات المسلحة، وتحدث عن قدوم ممدوح صبري صيدم للبلدة لإدارة تلك المجموعات.

المغارة التي أطلق عليها اسم أبو عمار لاحقا، اختارها لتكون القاعدة الأولى له في البلدة لموقعها الاستراتيجي، فهي مطلة على السهول الشرقية لمدينة نابلس وقريبة من الحدود الفلسطينية الأردنية، تسهل وصول الفدائيين القادمين من الخارج ونقل الأسلحة والعتاد.

الحاج عادل نصاصرة (82 عاما) كان شاهدا على الفترة التي مكث فيها عرفات البلدة، قال إن جبال بيت فوريك شاهدة على المرحلة التي سكنها أبو عمار، نام في بيتي أكثر من مرة، كان يحضر السلاح ويتدربون عليه في البلدة، من بيت فوريك كانت الانطلاقة الثانية للثورة الفلسطينية.

في الفاتح من يناير عام 1965 كانت البداية وكانت الطلقة الأولى، لانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، من رحم عيلبون انطلقت الثورة، بسواعد المجموعة الفدائية الأولى لحركة فتح حيث تسللت إلى داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، وفجرت نفق عيلبون، وعادت لقواعدها بعد أن قدمت شهيدها الأول أحمد موسى أثناء العملية، لتعمد مرحلة الكفاح المسلح وباكورة المواجهة المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي.

في قباطية جنوب جنين، ورغم مرور 50 عاما، على اللقاء الأول بين أبو عمار ورجال البلدة، إلا أن اللواء المتقاعد أديب حنايشة (78 عاما)، يتذكر تفاصيل اللقاء الأول، “جاء أبو عمار في أول شهر آب عام 67، بدورية قباطية، إلى الجبال حيث يتحصن المئات ويتدربون على القتال”.

وقال حنايشة: في جبال قباطية تشكلت ظواهر الثورة بين كروم الزيتون، وتجمع أكثر من 300 مقاتل من قرى محافظة جنين، كانوا في استقبال عرفات عند قدومه لقباطية، التي اختارها لدورها النضالي خلال الثورات السابقة وموقعها الاستراتيجي.

كانت قاعدة المقاتلين في مغارة بمنطقة مراح الشومر بأعلى جبال قباطية، التي تدرب فيها الشبان الفلسطينيون من حزب القوميين العرب الذين التحقوا بحركة فتح بعد نكسة 67 كغيرهم من الفلسطينيين، وباتت فتح أكبر الحركات التحررية المقاتلة، تعد المقاتلين على التدريب والتسليح من خلال إرسال الشبان بدورات عسكرية في معسكر “الهامة” في دمشق.

ويوضح حنايشة أن أبو عمار كان ينام في بيوت البلدة ويقضي النهار في تدريب وتجهيز وإعداد المقاتلين، وتنقل خلال فترة مكوثه في البلدة والتي لم تتجاوز الشهر لمحافظات الضفة الغربية فوصل رام الله والقدس ونابلس”.

ويضيف، “كان يعرف بأبو محمد، لكن نحن المقاتلين كنا نعرف أنه أبو عمار كونه أشرف على تدريبنا في سوريا، لم يكن يعرف النوم فواصل تنظيم الخلايا المسلحة، فلم تعد تتسع الشام بدوريات من الضفة الغربية للالتحاق بالثورة الفلسطينية، فتح انتشرت بشكل رهيب في جنين والأرض المحتلة”.

ويتابع: بعد النكسة الجميع التحق بفتح نساء ورجالا، فهي حركة صادقة هدفها التحرير والكفاح المسلح.

ويؤكد حنايشة أن فتح انطلقت قوية -وما زالت- فاستطاعت إدارة المعركة، وما زالت في المواجهة المباشرة من الكفاح المسلح حتى المعركة الدبلوماسية في مواجهة الاحتلال، وصولا لتحقيق الاستقلال وحلم الدولة.

ويضيف، “فتح باقية ومتماسكة، وتبقى بفكرها وأولادها، فكما حققت نجاحات في المعارك العسكرية تحقق نجاحات دبلوماسية”.

Exit mobile version