المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

سويسرا – قيادات فصائل وشخصيات مستقلة تشارك في حوار غير رسمي حول سبل إنهاء الانقسام

خلال ورشة نظمها “مسارات” في مدينة مونترو السويسرية
قيادات فصائل وشخصيات مستقلة تختتم حوارًا غير رسمي حول سبل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة

البيرة – خاص: شاركت مجموعة من الشخصيات السياسية والمستقلة والأكاديمية الفلسطينية في حوار غير رسمي نظّمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) واستضافته وزارة الخارجية السويسرية في مدينة مونترو، وكُرِّس للتداول في سبل إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية في ظل التحديات الراهنة.
وشارك في هذه الورشة الحوارية التي استمرت على مدار يومي 18 و19 كانون الأول الماضي، قادة من الصف الأول في كل من حركتي فتح وحماس والجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا) والمبادرة الوطنية، إلى جانب شخصيات مستقلة وشبابية وناشطة في حراكات ومبادرات داعمة لإنهاء الانقسام في تجمعات فلسطينية عدة داخل الوطن وخارجه، فيما تعذرت مشاركة ممثل حركة الجهاد
الإسلامي لأسباب خارجة عن إرادته.
وهدفت الورشة التي تندرج ضمن برنامج دعم الحوار الوطني الفلسطيني الذي ينفذه “مسارات” بالتعاون مع مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية، إلى مناقشة مقترحات عملية لإزالة العراقيل التي تحول دون إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وذلك بهدف تطوير تصورات وآليات من شأنها دعم مسار المصالحة عبـر مساعدة القوى والأطراف المعنية على تطوير وتنفيذ الاتفاقات والتفاهمات التي جرى التوافق عليها، وإزالة العراقيل التي
تعتـرض تنفيذها، واقتراح أفكار واقعية وآليات عملية لمعالجة القضايا العالقة.
وقدم المشاركون في الحوار عددًا من التصورات والاقتراحات بشأن القضايا التي تضمنها جدول أعمال الورشة، وبخاصة فيما يتعلق بالمبادئ الموجّهة لعملية إنهاء الانقسام على أساس معادلة “لا غالب ولا مغلوب”، بحيث يتم الاتفاق على أسس الشراكة السياسية الحقيقية والكاملة (في المنظمة والسلطة/الدولة)، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفردية والفئوية والفصائلية، إضافة إلى التحاور بشأن البرنامج السياسي، ومنظمة التحرير وعقد المجلس الوطني، وطبيعة ومهمات حكومة الوحدة الوطنية، والمجلس التشريعي، والانتخابات والديمقراطية التوافقية، وغيرها.
وأكد المشاركون في الحوار على أهمية التوافق على البرنامج السياسي بصفته يجسد القواسم المشتركة ويوفر المظلة الضامنة للشراكة السياسية والكفاحية في منظمة التحرير والسلطة، وبخاصة أن المرحلة السابقة أظهرت تقاربًا كبيرًا في مواقف مختلف القوى السياسية كما تجلى في الاتفاق على وثيقة الوفاق الوطني وغيرها من الوثائق الوطنية. وفي هذا السياق، تم الـتأكيد على أن البرنامج الوطني القائم على حق الشعب الفلسطيني
في تقرير المصير وتجسيد الدولة المستقلة على الأراضي المحتلة العام 1967، وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى الديار التي هجروا منها، هو القاسم المشترك الذي يجسد الحد الأدنى الوطني ويجمع كافة الفصائل ومكونات الشعب الفلسطيني في المرحلة الراهنة من النضال الوطني، دون أن يخل هذا التوافق بالبرامج الإستراتيجية الخاصة بكل من الفصائل الفلسطينية.
كما نوه العديد من المشاركين إلى أن الكفاح من أجل تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية انطلاقًا من حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بجميع الأشكال المستندة إلى القانون الدولي، لا يتعارض، بل يتطلب الاستناد إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، التي تضمن الحد الأدنى من هذه الحقوق، على أن يندرج ذلك ضمن إستراتيجية سياسية ونضالية موحدة ومتفق عليها، وتقر في المؤسسات الوطنية، لا سيما أن قرار السلم والحرب ومختلف القرارات المصيرية لا يمكن أن تكون مسؤولية فرد أو مجموعة أفراد أو فصيل، وإنما تتخذها مؤسسات الإجماع الوطني.
وتطرقت المداخلات خلال الورشة إلى أهمية الاستناد إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، لإزالة بعض الذرائع الدولية التي تساق لمقاطعة حكومة الوحدة الوطنية بذريعة عدم التزامها بشروط اللجنة الرباعية الدولية.
وتناول الحوار إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية انطلاقًا من عقد المجلس الوطني، حيث اقترح المشاركون العمل وفق أحد الآراء الآتية:
عقد دورة للمجلس الوطني بصيغته القديمة بعد الاتفاق على تمثيل الفصائل والقطاعات غير الممثلة فيه، وبخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي والمبادرة الوطنية، أو عقد دورة لمجلس وطني جديد بعد إعادة تشكيله بالانتخاب حيث أمكن وبالتوافق حيث يتعذر إجراء الانتخابات، أو عقد المجلس الوطني القديم خلال ثلاثة أشهر بمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والاتفاق على عقد مجلس جديد خلال فترة يتفق عليها.
واقترح “مسارات” خلال الحوار التعامل بشكل إيجابي مع الدعوة لانعقاد اجتماعات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني خارج الوطن، ما يقتضي مشاركة جميع الفصائل الوطنية والإسلامية في اللجنة التحضيرية والتوافق على أحد الخيارات المطروحة بشأن المجلس الوطني.
كما طرحت خلال الورشة تصورات تتعلق بمكان عقد المجلس الوطني، سواء داخل الوطن أم في الخارج، بما في ذلك دراسة اقتراحات للتغلب على قيود الجغرافيا، واحتمالات تدخل الاحتلال لمنع حركة انتقال أعضاء في المجلس من الداخل إلى الخارج أو العكس، وذلك باستخدام وسائل التواصل عبر الربط بالفيديو كونفرنس بين الداخل والخارج.
وتوافق المشاركون على أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم سياسيين من قادة الصف الأول في الفصائل، تحظى بدعم وطني وشعبي واسع، وتمارس مهامها في الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن صلاحيات مطلقة لإعادة توحيد ودمج المؤسسات المدنية والأمنية، ومعالجة آثار الانقسام وقضايا الموظفين والكهرباء ومتابعة عملية إعادة الإعمار، خلال فترة انتقالية بسقف زمني متوافق عليه، بحيث يتم تشكيل اللجنة الأمنية العليا لمتابعة قضية توحيد المؤسسات الأمنية، إضافة إلى لجنة قانونية إدارية لمتابعة معالجة قضية الموظفين المدنيين.
وفي ضوء استمرار التباين حول كيفية معالجة مسألة رواتب الموظفين في قطاع غزة، اقترح “مسارات” أن تشرع حكومة الوحدة فور تشكيلها بتوحيد المؤسسات وإنهاء مظاهر الانقسام وذيوله على أسس ومعايير وطنية ومهنية بعيدًا عن الحزبية، على أن تُعطى الأولوية لإعادة بناء وتوحيد الأجهزة الأمنية، بما يضمن خضوعها لعقيدة أمنية تستجيب لمصالح الشعب الفلسطيني وأهدافه. وهو ما يستدعي تشكيل لجنة وطنية عليا بالتوافق الوطني لوضع رؤية تحدد الأسس والمعايير لإعادة توحيد ودمج وهيكلة مؤسسات السلطة المدنية والأمنية، بحيث تقوم حكومة الوحدة الوطنية بالاستناد إلى ذلك بتكليف لجنة قانونية إدارية فنية لوضع خطة تنطلق من هذه المعايير في إعادة النظر في الهيكل الإداري والوظيفي للسلطة بمختلف وزاراتها ودوائرها على أن تنهي أعمالها خلال عام واحد، بحيث يتم إعادة بنائها لتنسجم مع أهداف التوافق الوطني، إضافة إلى معالجة العديد من الأخطاء والثغرات والنواقص بما لا يمس بحقوق أي موظف.
ونوه المشاركون إلى أهمية الالتزام بمبدأ الفصل ما بين السلطات وتعزيز الرقابة والمساءلة على الأداء الحكومي، من خلال تفعيل المجلس التشريعي والعمل على توحيد القوانين الصادرة خلال فترة الانقسام بموجب آلية متوافق عليها.
وتوافق المشاركون على أهمية إجراء الانتخابات، ولكن آراءهم تباينت حول جدوى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية كمدخل لإنهاء الانقسام مع أهمية توفير شروط حريتها ونزاهتها واحترام نتائجها، أو كتتويج لعملية إعادة توحيد مؤسسات السلطة خلال الفترة الانتقالية. وطرحت خلال الورشة آراء تحذر من مفاهيم “تداول السلطة” في ظل طبيعة مرحلة التحرر الوطني التي يمر بها الشعب الفلسطيني، وما تتطلبه من تمسك بإطار
العمل الوطني الجبهوي، الذي يؤكد الحاجة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة مختلف الفصائل والشخصيات الوطنية، سواء قبل أو بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بغض النظر عن نتيجتها، بحيث يتم توزيع الحقائب الوزارية في ضوء نتائج الانتخابات.
وتميز الحوار خلال الورشة بمسؤولية وطنية عالية انطلقت من أن العبرة الأساسية من فشل المحاولات لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية تكمن في الإقرار أولا بغياب الإرادة السياسية، وضرورة الإيمان بأن تحقيق الوحدة لا يمر عبر إدارة الانقسام، أو تحسين شروط الحياة الفلسطينية في ظله، أو الاكتفاء بحل بعض المظاهر والمشاكل والتركيز على الجوانب الشكلية والإجرائية وإهمال المضمون. وطرحت فكرة جديرة بالاهتمام تتعلق بتشكيل “لجنة حكماء” تحظى بتوافق وطني، وتكون مهمتها وضع الحلول للقضايا التي لا تزال موضع خلاف، شريطة الالتزام المسبق من الجميع باحترام قراراتها.
يشار إلى أن مركز مسارات قدم عددًا من التصورات والاقتراحات خلال الورشة الحوار، انطلقت من أن التجربة منذ وقوع الانقسام وحتى الآن تثبت أن القضايا التي يقف أمامها الحوار الفلسطيني يجب أن تؤخذ كرزمة واحدة حتى تؤدي إلى اتفاق شامل يعزز وحدة وكفاح الشعب الفلسطيني أولًا، وتخرج منه ثانيًا مختلف الأطراف منتصرة، على أساس عدد من المبادئ الموجهة، في مقدمتها أن اتفاق الرزمة الكاملة والشاملة لا يعني أنه سيطبق مرة واحدة، وإنما على مراحل وبالتوازي، وضمن رعاية فلسطينية وعربية وآلية تطبيق ملزمة وجدول زمني يتفق عليهما منذ البداية، وأن كلمة السر ومفتاح طريق إنجاز الوحدة الوطنية هما الاتفاق على أسس الشراكة السياسية الحقيقية والكاملة (في المنظمة والسلطة/الدولة)، على أساس الديمقراطية التوافقية التي تنسجم مع الشرط الاستعماري الاحتلالي الذي تعيشه فلسطين، وبرنامج وطني يجسد القواسم المشتركة.
وأكد “مسارات” على وجوب إعادة النظر، ولو بشكل متدرج، في شكل السلطة ودورها ووظائفها، والتزاماتها السياسية والاقتصادية والأمنية بموجب اتفاق أوسلو وملحقاته، بما ينسجم مع مكانة فلسطين كعضو بصفة مراقب في الأمم المتحدة، والفصل بين السلطة والمنظمة، وتحويل السلطة إلى أداة من أدوات المنظمة، بوصفها سلطة إدارية وخدمية ونقل السلطات السياسية إلى المنظمة.
كما اقترح أن يكون توحيد المؤسسات والوزارات والأجهزة الأمنية هي الخطوة الثانية بعد الاتفاق على البرنامج السياسي والشرط الأساسي الذي يضمن إنجاز تحقيق الوحدة الوطنية، وهذا لا يمكن أن يتحقق إذا لم تلتزم “حماس” قولًا وعملًا، من خلال خطة تنفيذية يتم الاتفاق عليها، بإنهاء سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، مقابل التزام “فتح” قولًا وعملًا بإنهاء هيمنتها على السلطة في الضفة الغربية وعلى منظمة التحرير.
واعتبر أن الانتخابات حتى تعبر عن إرادة الناخب لا بد أن يسبقها إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات، خصوصًا السياسية والأمنية، ما يتطلب أن تجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد فترة انتقالية يتم التركيز خلالها على تمكين حكومة الوحدة الوطنية من إعادة بناء وتوحيد المؤسسات والوزارات والأجهزة الأمنية والقضاء.
وإلى حين تحقيق ما سبق، تم التأكيد على أهمية الربط بين الوطني والديمقراطي، بحيث لا يتم التركيز على المسار الوطني العام لاستعادة الوحدة على حساب مواجهة التحديات اليومية والمخاطر الوجودية التي تتعرض لها التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات، بما يتطلبه ذلك من برامج عمل وسياسات موجّهة لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وغيرها في مختلف التجمعات. كما أن مهمات البناء الديمقراطي على مستوى السلطة ومؤسساتها لا تلغي السمة الرئيسية لطابع التحرر الوطني.
واقترح “مسارات” أن تكون مرجعية التوافق الوطني خلال الفترة الانتقالية هي لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية (الإطار القيادي المؤقت)، بموجب ما نص عليه اتفاق القاهرة، وفي حالة عقد المجلس الوطني بمشاركة مختلف القوى والأطياف، تنتفي الحاجة للجنة تفعيل المنظمة، لصالح الهيئات القيادية الجديدة للمنظمة.
وقد أكد عدد من المشاركين في ورشة الحوار من قادة فصائل وشخصيات اعتبارية وأكاديمية أن التصورات والاقتراحات، المقدمة من مركز مسارات خلال الورشة، تقدم إجابات عن الكثير من التفاصيل المتعلقة بملفات إعادة بناء الوحدة الوطنية، وتشكل أساسًا لحوار وطني شامل، وبخاصة في ضوء العديد من الوثائق التي توصل إليها برنامج الحوار الوطني الذي أشرف عليه المركز بالتعاون مع مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية، وتتضمن آليات محددة لإنهاء الانقسام وإعادة توحيد ودمج مؤسسات السلطة، لا سيما الأمنية منها.
وقال هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، إن هذه الورشة تندرج في سياق سلسلة من اللقاءات وورشات العمل التي نظمها “مسارات” ضمن جهوده كمركز مستقل مختص بالتفكير الإستراتيجي لطرح اقتراحات وتصورات تساعد على تذليل العقبات التي تعترض جهود إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، إلى جانب وضع الأطراف أمام وجوب تحمل مسؤولياتها في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، منوهًا إلى أن هذا اللقاء نظّم بناء على طلب من المركز، حيث قامت سويسرا مشكورة بدور الميسر مع توفير المكان لهذا اللقاء والمشاركة مع مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية في تغطية نفقاته، دون تدخل في أجندته ومجرياته.
وأوضح المصري أن المركز سبق أن نظم لقاءات غير رسمية مماثلة، شارك في بعضها قادة من الصف الأول في الفصائل الوطنية والإسلامية، واحتضنت القاهرة معظمها، إلى جانب لقاءات وورشات في لبنان والأردن والإمارات والمغرب وتركيا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وقبرص، وعشرات اللقاءات والورشات في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48، وأسهمت مخرجاتها في بلورة العديد من الوثائق، آخرها وثيقة الوحدة الوطنية التي طرحت للنقاش العام خلال هذا العام الماضي.

المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات

Exit mobile version