المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

قمة عمان العربية .. قمة استثنائية

بقلم: راجح ابو عصب

تعتبر القمة العربية التي ستعقد في الاردن يوم الاربعاء القادم , التاسع والعشرين من شهر اذار الجاري , قمة استثنائية , بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات ومعان , ذلك ان جدول اعمالها حافل بالعديد من القضايا العربية والمسائل الشائكة , والملفات المعقدة , التي تحتاج لدراسة جدية تفضي الى ايجاد حلول لتلك الازمات التي يمر بها الوطن العربي , اذ ان هذا الوطن يعيش صراعات وازمات ونزاعات غير مسبوقة .

ولعل القضية الفلسطينية هي البند الرئيسي والاساسي الاول على جدول هذه القمة , ذلك ان هذه القضية هي قضية العرب الاولى , وهي المفتاح والاساس لحل ازمات هذه المنطقة , ذلك ان الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي خاصة , والصراع العربي – الاسرائيلي مستمر منذ اكثر من سبعين عاما , وقد فشلت خلال تلك الاعوام السبعين كل محاولات حل هذا الصراع .

ولا شك ان الاردن الشقيق , بقيادة العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني , هو الاكثر تأثرا بهذا الصراع , وهو الاحرص والانشط في بذل الجهود لايجاد حل نهائي لهذا الصراع , فالاردن بحكم الجوار الجغرافي لفلسطين , يتأثر مباشرة بهذا الصراع ويهمه بالدرجة الاولى , احلال السلام العادل والشامل بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي , لأن ذلك مرتبط ارتباطا مباشرا بأمنه الاقليمي .

ومن هنا يأتي التنسيق التام بين الرئيس عباس والملك عبد الله الثاني , من اجل هذا الصراع فوجهة النظر الفلسطينية والاردنية تجاه انهاء هذا الصراع متطابقة تماما , حيث ان الزعيمين الفلسطيني والاردني يريان ان رؤية حل الدولتين :دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل,هي الحل الوحيد لانهاء الصراع .

وقد اعلن العاهل الاردني اكثر من مرة ان قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة بعاصمتها القدس الشرقية ضمن حدود الرابع من حزيران هو السبيل الوحيد لاحلال السلام العادل والشامل في المنطقة , وان اقامة هذه الدولة القابلة للحياة سيطوي صفحة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي , ومن ثم الصراع العربي – الاسرائيلي الى الابد , وسيفتح صفحة جديدة من السلام والامن والتعاون في المنطقة وسيتيح لشعوب هذه المنطقة توجيه كل الجهود من اجل استقرار وازدهار شعوب هذه المنطقة , بدلا من توجهها الى العداوات والصراعات والحروب .

ولا شك ان العاهل الاردني الذي يحظى باحترام كافة زعماء دول العالم , يسعى جاهدا لاقناع قادة العالم , وفي مقدمتهم القيادة الاميركية , بالضغط على الحكومة الاسرائيلية من اجل ان تتجاوب مع الجهود العربية الصادقة الداعية الى تحقيق السلام, وذلك من خلال رؤية الدولتين , ووفق قرارات مجلس الامن الدولي والامم المتحدة , وبما ينسجم مع شرعة حقوق الانسان التي تنص على ان من حق اي شعب في هذا العالم ان تكون له دولته المستقلة وان يحكم نفسه بنفسه والشعب الفلسطيني من ضمن مجموعة شعوب العالم الذي من حقه اقامة دولته المستقلة وحكم نفسه بنفسه .

ولا زالت الدول العربية تؤكد ان السلام خيارها الاستراتيجي الوحيد , وقد تمثل ذلك في مبادرة السلام العربية التي طرحتها قمة بيروت عام 2002 , وتؤكد هذه الدول ان هذه المبادرة رغم اكثر من عقد ونصف على طرحها ما زالت على الطاولة , ولكن الحكومة الاسرائيلية , لا تزال تفضل الاستيطان والتوسع على احلال السلام الدائم والعادل والشامل .

وقد استطاع العاهل الاردني خلال لقائه الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب , اقناع الاخير بتخفيف مواقفه المؤيدة تماما للسياسات الاسرائيلية المعوقة للسلام , وفي مقدمتها سياسة التوسع الاستيطاني وقضية نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس , وقد اقتنع الرئيس ترامب من المخاطر التي شرحها له العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني , التي ستترتب على نقل السفارة , وعلى التأييد الاميركي المطلق للاستيطان ، علما ان كل هذه الادارات الاميركية السابقة , اعتبرت الاستيطان العقبة الرئيسية في طريق تحقيق السلام , كما ان كل تلك الادارات , رفضت قرار الكونغرس الاميركي بنقل السفارة من تل ابيب الى القدس , لعلمها ان ذلك النقل سيؤدي الى تفجر الاوضاع في المنطقة .

ولا شك ان جهود العاهل الاردني هذه لدى الادارة الاميركية تنسجم والجهود التي يبذلها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من اجل انهاء الصراع وتحقيق السلام , حيث ان الرئيس السيسي دعا الحكومة الاسرائيلية الى التجاوب مع الجهود العربية السلمية وكان ارسل وزير خارجيته الى اسرائيل في اول زيارة لوزير مصري لاسرائيل منذ عشر سنوات ,وذلك لاطلاع رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو على مضمون مبادرة السلام التي طرحها الرئيس السيسي في شهر ايار من العام الماضي خلال كلمة له في افتتاح عدد من المشاريع الاقتصادية في محافظة اسيوط .

حيث ابدى الرئيس السيسي للتوسط بين الفلسطينيين والاسرائيليين لتحقيق السلام الحقيقي , وقال : ان هناك فرصة حقيقية لتحقيق السلام , بالرغم من الظروف التي تمر بها المنطقة , كما اكد السيسي انه اذا تحقق السلام سيكون هناك واقع جديد في المنطقة .

وقد جاءت دعوة الرئيس السيسي الاسبوع الماضي للرئيس عباس لزيارة القاهرة قبيل انعقاد قمة عمان العربية من اجل التنسيق والتشاور بين الزعيمين المصري والفلسطيني , وقد كانت هذه الدعوة ثمرة من ثمار الجهود المخلصة التي بذلها العاهل الاردني مؤخرا من اجل تنقية الاجواء بين القيادتين المصرية والفلسطينية بعد ان شابها مؤخرا نوع من الفتور ساد العلاقات الفلسطينية المصرية .

وقد اكدت الرئاسة المصرية عقب لقاء الرئيس عباس والرئيس السيسي في القاهرة يوم الاثنين الماضي موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية التي كما قال المتحدث باسم الرئاسة تحتفظ بمكانتها على قمة اولويات السياسة المصرية الخارجية , باعتبارها القضية المحورية الاولى , واكد المتحدث علاء يوسف ان الرئيس السيسي اعلن خلال لقاء نظيره الفلسطيني حرص مصر على وحدة الموقف العربي , المستند الى مبادرة السلام العربية , التي تمثل عنصرا رئيسيا في التوصل الى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية .

كما اكد الرئيس السيسي خلال اللقاء سعي مصر الدائم الى ايجاد حل عادل وسلام دائم وشامل , يؤدي الى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ورحب بالرئيس عباس واشار الى العلاقات العميقة التي تجمع بين الشعبين المصري والفلسطيني .

وفي ذات اللقاء فان الرئيس اعرب عن شكره وتقديره لدعوة الرئيس السيسي له لزيارة القاهرة واشار بجهود مصر الساعية الى التوصل الى حل للقضية الفلسطينية واكد حرصه المستمر على التنسيق والتشاور مع الرئيس المصري خاصة في هذا التوقيت وقبيل قمة عمان .

كما ان الرئيس عباس اطلع خلال اللقاء نظيره المصري على الاتصالات الفلسطينية الاخيرة مع الادارة الاميركية الجديدة والتي اكد خلالها الجانب الفلسطيني التزامه بالتوصل الى حل شامل مع اسرائيل .

وفي ذات اللقاء فان الرئيس السيسي اكد ان القضية الفلسطينية ستكون على جدول محادثاته مع الرئيس ترامب خلال زيارته القريبة لواشنطن , مطلع شهر نيسان القادم , حيث اشار الى اهمية قيام الادارة الاميركية بدورها المحوري في عملية السلام بما يؤدي الى استئناف المفاوضات من اجل انهاء الصراع واقامة الدولة الفلسطينية .

ولا شك ان العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني استطاع في الايام القليلة الماضية وقبيل عقد قمة عمان تنقية الاجواء بين عدد من القادة العرب , وذلك من اجل انجاح القمة المرتقبة , حيث نجح في اعادة الوئام بين الرئيس السيسي والرئيس عباس وكذلك بين القيادتين المصرية والسعودية وتمثل نجاحه في ازالة الفتور بين مصر والسعودية في اعلان السعودية مؤخرا اعادة استئناف ضخ النفط لمصر .

كما ان العاهل الاردني قام مؤخرا بزيارة المغرب والتقى العاهل المغربي الملك محمد السادس وذلك في اطر سعيه لحشد اكبر عدد من القادة والزعماء العرب في قمة عمان، وفي هذا الاطار ايضا جاءت زيارة الرئيس عباس مؤخرا لقطر ولقائه مع اميرها الشيخ تميم وذلك يوم السبت الماضي حيث بحث معه موضوع المصالحة بين حركتي فتح وحماس , علما ان خالد مشعل مدير المكتب السياسي لحماس يقيم في العاصمة القطرية الدوحة كما ان قطر تتميز بعلاقات وثيقة مع حركة حماس . كما اطلع الرئيس عباس الشيخ تميم على اخر المستجدات على الساحة الفلسطينية والجهود الدولية الرامية الى ايجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية .

وتأتي تحركات القادة الثلاثة : العاهل الاردني والرئيس الفلسطيني والرئيس المصري الاخيرة في اطار سعيهم المشترك لانجاح قمة عمان , وفي تنقية الاجواء العربية والخروج بموقف موحد من كافة القضايا العربية , وفي مقدمتها القضية الفلسطينية .

واضافة الى القضية الفلسطينية على جدول قمة عمان فان هذه القمة ستبحث العديد من القضايا الهامة وفي مقدمتها الازمة السورية التي دخلت عامها السابع دون وجود دلائل على حل هذه الازمة الخطيرة في المدى القريب والمدى المتوسط , وقد ازدادت هذه الازمة خطورة مع دخول لاعبين اقليميين ودوليين حيث اصبحت سورية ملعبا لصراع المصالح بين العديد من الدول مثل ايران وتركيا واسرائيل الى جانب روسيا والولايات المتحدة هذا عدا عن دول عربية اخرى .

ولا شك ان هذه الازمة الخطيرة وهي ازمة كارثية بكل معاني الكلمة حيث قتل مئات الالاف من السوريين وكذلك مئات الاف الجرحى وملايين المشردين السوريين داخل سوريا وخارجها هذا عدا عن الدمار الهائل الذي لحق بالقطر السوري , وقد فشلت كل الجهود العربية والدولية والاقليمية لحل هذه الازمة التي تهدد بتفجير المنطقة كلها .

ولا شك ان قمة عمان ستكون امام تحدي هذه الازمة خاصة وان الاردن الشقيق هو من اكبر المتضررين من هذه الازمة , حيث يستضيف حوالي ثلاثة ارباع مليون لاجىء سوري على اراضيه , ما اثر سلبا على اقتصاده حيث يتحمل الكثير في سبيل اعالة هذا العدد الهائل من اللاجئين , هذا عدا عن التهديدات الامنية التي يواجهها الاردن جراء الانفلات الامني وانتشار التنظيمات الارهابية على حدوده الشمالية مع سورية .

وعلى بند قمة عمان ايضا مخاطر الارهاب الذي تمارسه الجماعات التكفيرية والتي وجدت مرتعا خصبا في سوريا والعراق والتي اصبح لها خلايا في كل الدول العربية حيث لم تعد اي دولة عربية بمنأى عن هجمات واعتداءات اولئك الارهابيين , وقد عانى الاردن من العديد من تلك الاعتداءات الارهابية وكذلك فان مصر ما زالت تدفع ثمنا غاليا للقضاء على الجماعات الارهابية خاصة في شبه جزيرة سيناء .

وقد اصبح هذا الارهاب مشكلة عالمية اذ انتشرت خلاياه في كافة دول العالم , واصبح خطرا دوليا يهدد جميع دول العالم , والامر المؤسف ان اولئك الارهابيين يزعمون انهم يرتكبون جرائمهم الارهابية بزعم نشر الاسلام واقامة الخلافة الاسلامية .

ولا شك ان قمة عمان ستخرج بقرارات حاسمة ومواقف محددة ازاء ذلك الارهاب الذي اساء للاسلام والمسلمين اعظم اساءة , حيث ان معظم ضحاياه من المدنيين وهو يمارس القتل من اجل القتل ويزرع الرعب والخوف والموت والدمار , ولذا لا بد من موقف عربي موحد من اجل القضاء على هذا الخطر الذي يهدد الوجود العربي باكمله .

وهناك قضايا اخرى خطيرة وملحة على جدول قمة عمان مثل الصراع في اليمن وليبيا والصومال ولا بد لهذه القمة ان تتخذ مواقف محددة وواضحة ازاء تلك الصراعات .

ولا يخالجنا شك في ان الاردن مؤهل تماما لاستضافة هذه القمة الاستثنائية وقد سبق له ان استضاف قبلها ثلاث قمم عربية في الاعوام 1980 و1987 و2001 وقد نجح في استضافة تلك القمم , خاصة بعد ان تمكن العاهل الاردني في تنقية الاجواء بين العديد من القادة العرب . ولا شك ان هذه القمة ستشهد حضور عدد غير مسبوق من القادة والزعماء , كما اعلن امين عام الجامعة العربية احمد ابو الغيط خلال زيارته الاخيرة لعمان ولقائه العاهل الاردني حيث اثنى على الجهود الجبارة التي بذلها الاردن لانجاح القمة على كافة الصعد , خاصة وان الاردن الشقيق لديه خبرة واسعة في عقد المؤتمرات العربية والدولية وستكون قمة ناجحة بكل المقاييس وستنجح في اعادة تنشيط العمل العربي المشترك , والله الموفق .

Exit mobile version