المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الدعائية الحزبية لدى الاسلامويين، ونموذج “حماس” (الحلقة 1)

بقلم: بكر أبوبكر

في نطاق الحديث حول “الديمقراطية الاسلاموية” عامة واستتباعا للتعبئة الداخلية فمن الممكن أن نتعرض لمضامين الدعاية و(الاعلام) لدى التنظيمات الاسلاموية، ومن ضمنها نموذج فصيل “حماس” الاسلاموي الفلسطيني وكذلك الأمر ما ينطبق في “الاخوان المسلمين” حيث اقتضى التنويه.

ولا بد من الإشارة أن “الدعائية الحزبية” أي تلك الدعاية الموجهة للاعلام (المرئي والمسموع والمقروء) سواء تحت بند الاعلام أو بند الترويج للحزب والدعاية تتوافقان معا، وقلما تجد فاصلا بين موقف التنظيم وبين ما يتم نشره، ففي معظم مواقع الاسلامويين ومنهم “الاخوان المسلمين” و”حماس” يتم الحكم مسبقا على ما ينشرونه من أخبار مخالفة أو يتم التعليق عليها واجتزائها وتشويهها وتسخيفها كما سنرى، عوضا عن رفضهم عامة النشر للمخالف من الآراء [1]

وقبل أن نتعرض للدعائية الحزبية الاسلاموية لدى “حماس” لنأخذ بعض الملامح العامة حول مشكلة فصيل “حماس” الرئيسة مما يكتبه الباحث د.ابراهيم أبراش الذي يقول: (المشكلة الرئيسية بالنسبة للإسلام السياسي في فلسطين وخصوصا مع حركة “حماس” لا تكمن في وجود اجتهادات فقهية تستدعي من “حماس” مراجعتها ، نظرا لغياب علماء دين مجتهدين عند “حماس” وبسبب تبعية جماعات الإسلام السياسي في فلسطين لمرجعية خارجية ، إن المشكلة تكمن في اصطناع مواجهة بين المشروع الوطني و (المشروع الإسلامي) قبل قيام الدولة الوطنية المستقلة وفي خضم المواجهة مع “إسرائيل” التي تحتل كل فلسطين وتشكل النقيض الموضوعي للشعب والوطن)[2].

ويوضح أيضا أن:(توظيف الدين سياسيا بات صنعة من لا صنعة له وحرفة لا تحتاج لعقل أو علم بقدر ما تحتاج للديماغوجية والتلاعب بمشاعر العامة واستغلال فقرهم وجهلهم.)

وفي هذه الدعائية الاعلامية نجدها بالحقيقة تمثل صدى التربية التعبوية الداخلية في داخل التنظيم لنرسم 7 ملامح أساسية :

الملمح الأول: التضخيم والتهويل، والمبالغات

وهي مبالغات لصالحهم متى ما كان الأمر ذو مغزى ايجابي حتى لو كان صغيرا أو تافها أو ليس ذو بال، والعكس بالعكس حيث يصبح الحدث الصغير لدى الخصوم نتيجة التضخيم والتهويل والمبالغات عارا وسُبّة وخطيئة لا تغتفر بل وأحيانا وكأنه نهاية العالم،[3] مضافا لذلك الحجم الكبير المستخدم من آليات التشويه والتنقية/الفلترة والاتهام.

تحفل فضائية “حماس” في غزة المسماة (أقصى) لمن يطّلع عليها بمئات النماذج الباذخة في هذا المجال، لاسيما وأن آليات الدعاية الخارجة عن منطق الإعلام (الإعلام بمعنى المصداقية والموضوعية والحيادية والمهنية والقيم) هو المنطق الذي يحركها في سياسة حزبية مقيتة.

أحد نواطق “حماس” وهو سامي أبو زهري وردا على الانتقادات للدكتور محمود الزهار من قيادة “حماس” عندما أساء للرمز ياسر عرفات وللعلم الفلسطيني، ولنضال حركة فتح، وذلك في 11/8/2016 بالقول (ان التهجم على الزهار بمثابة تهجم على الأمة!) ونحن نقول له أي أمة!؟ هذه التي لا يجوز لها أن تنتقد وعليها الانصياع لرمز الأمة! الذي وصفه أبو زهري ذاته في نفس التصريح بشكل معيب ومؤذي بالقول أن (قَدم الزهار أطهر من أولئك الخونة)؟! ما يذكرنا بالأنا المضخمة والتهويل والتقديس الذي أحاط بشخص الرئيس المخلوع مرسي في مصر جريا على عادة المبالغة المرتبطة بالتقديس للأشخاص.

إن المبالغات في الحرب الدعائية للتنظيمات الاسلاموية تظهر جلية أيضا في استخدام الألقاب والصفات التبجيلية كما تظهر في استخدام اللافتات الضخمة على مفارق الطرق مثل تلك التي انتشرت في غزة تصور كل من أمير قطر الحالي ووالده و(الرئيس) أردوغان، وهنية قائلة: (القدس بانتظار الرجال الرجال!) فالأولان مع أردوغان تصالحوا مع (اسرائيل) بوضوح مؤثرين مصالحهم على ما سواها، والأخير لا يرى مسؤوله خالد مشعل بأسا بالتفاوض أو الاعتراف ولكن ضمن شروط، فأين للقدس من مثل هؤلاء الرجال ؟ (أنظر لقاء مشعل مع الصحيفة الهندية في قطر)[4]

كما تستخدم الوسائل الاتصالية المختلفة في “حماس” من منابر مساجد الجمعة التي تستغل للأسف حزبيا وسياسيا، إلى القنوات الفضائية، الى الأشرطة المرئية والمسموعة نفس النهج، وكذلك الأمر في المهرجانات الحاشدة التي توقع في روع المشاهد أن “النصر والتمكين” قد تحققا للأمة عبرهم، كما هو الحال في مهرجانات “النصر” إثر الحروب المدمرة على غزة، تلك التي انتقدها حتى د. عصام العريان من قيادة الإخوان في مصر قائلا ان التاريخ وحده هو من سيحدد ان كان هناك نصر أم لا؟

إن المبالغات تذهب بالناس بعيدا حتى تغيب أبسط الأمور عن انظارهم، لأنه تحكمها الخرافة والظن والكِبر أن ما يقولونه سيتم تلقيه بقبول حسن أي كان، ما يوقعهم في المآزق والأخطاء تلك الناجمة عن الكبرياء والمبالغة وربما استسخاف الآخرين، والتسرع المعيب.[5]

عرضت “حماس” في الانتخابات البلدية في فلسطين لعام 2016 ملصقا دعائيا طريفا على الشابكة (internet) تقرر فيه أنها بنت ورصفت طرق/شوارع جديدة في غزة بمساحة 104 مليون كم2 أي بمساحة أكبر من مساحة مصر! وبإجمالي شوارع تفوق مساحتها مساحة الشوارع في أكبر دولة في العالم من حيث المساحة وهي روسيا؟! طبعا مع العلم ان القطاع لا تتجاوز مساحته (460 كم2 )، هكذا تكون نتيجة التسرع والاستسخاف والتضخيم والمبالغة أن تصبح الكذبة كبيرة ألى حجم لا يطاق أبدا.

لا شك أن التقديس للأشخاص ما هو هنا في سياق المبالغة يرتبط بتعطيل فهم القرآن الكريم وآياته، التي ما انفكت تدعو للنظر والتبيين والتأمل والتفكر والتعقل، لذلك يخاطب أحد قادة حماس (الأموات) سيد قطب (الحي) في مقال يُحيي فيه ذكراه بالقول (رسالة من رجل ميت إلى رجل حيّ)! وملقبا سيد قطب بأنه (أصل ثابت وفرع في السماء).

سيد قطب الذي يتبرأ الكثير من قيادات التيارات الاسلاموية اليوم من عديد مواقفه وكتاباته (قائلين غفر الله له كلما انتقدوه) يحظى بالاحتفاء والتقدير والتقديس رغم ذلك في موسوعة الاخوان المسلمين (بتياراتهم)، وفي موقع (فلسطين للحوار) التابع لفرع الاخوان المسلمين في فلسطين أي “حماس”، يتم التنظير لسيد قطب أنه الرجل (صاحب المنهج التجديدي والإبداعي)! وللعلم فإن من ابداعاته الشهيرة ما ورد في تفسيره لسورة الأعراف ما يقوله بشكل استفزازي (فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد والى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله….) حيث (استدار الزمان كهيئته الأولى وانتكست البشرية بجملتها إلى الجاهلية) فمن يبقى اليوم ليقول: لا إله إلا الله، إلا الإخوان المسلمين!برأيه.

في مدى التأثير السلبي العميق والعنيف لفكر ونهج سيد قطب، وكي لا نذهب بعيدا نستحضر معكم شهادة معترف به منهم أي من قائد لم ينشق ولم يخرج ولم يُطرد ولم يزعل، وهو ظل كذلك حتى وفاته مؤخرا رحمه الله، إذ يقول القائد الفلسطيني في الاخوان المسلمين ثم فصيل في حماس (الفرع الفلسطيني للإخوان منذ العام 1988) د.عدنان مسودي في كتابه:الى المواجهة عن “منهج سيد قطب” المتبع داخل الأسر الاخوانية، التالي: (كان ينشيء عند الاخ شعورا بالعزله آو شعورا بالابتعاد عن ما حوله من المسلمين، وان كانوا يصلون ويصومون ويزكون، واذا لم يكونوا منتظمين فهم ليسوا معنا، ومن ليس معنا فهو ضدنا الي أن يلتزم معنا)[6]

—————————————————————————————-
[1] يمكننا أن نشير للموضوعية والعلمية، يراها البعض الجزئية، لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في لبنان ، وأيضا لمركز دراسات الديمقراطية والاسلام في تونس وامريكا، وهما على صلة وثيقة بالاخوان المسلمين، كما نشير لفضائية فلسطين اليوم التابعة للجهاد الاسلامي التي تتمتع فلسطينيا (مع فضائية فلسطين الرسمية التابعة للسلطة) بمصداقية عالية مقابل فضائيات “حماس” أو “الاخوان” التحريضية وبشكل مسف أحيانا.كما لا يفوتنا الإشارة لنماذج مضيئة أمثال د.أحمد يوسف والأستاذ غازي حمد من حركة “حماس”.

[2] من مقال د.ابراهيم أبراش تحت عنوان: فقه المراجعات عند التنظيمات العقائدية- الإسلام السياسي نموذجا، المنشور في موقع (نقطة واول السطر) يوم 22/10/2016

[3] يكتب الناشط السياسي عاطف عطاطرة في مدونته 23/9/2016 : “قبل أسبوع كانت مواقع الاخوان تشن هجوما .. (زراعة الانقلاب تفتعل أزمة دولية برفضها استيراد القمح الذي يحوي على.05 فطر أرجوت …وهذه النسبة مسموحة عالميا..!) يوم أمس عناوين مواقعهم : زراعة الانقلاب ترضخ لروسيا وتقبل استيراد القمح المسرطن !!”

[4] في لقاء لمشعل مع افتخار جيلاني في 26/7/ 2016 على موقع هندي في قطر اسمه (دنا انديا).

[5] كثير من التنظيمات السياسية للحق تلجا للمبالغة بتكبير انجازاتها مهما صغُرت على حساب انجازات الآخرين، بل وقد تصطنع تاريخا تهمل به من سبقوها وكأن البداية من عندهم فقط، أو قد تلجأ لتمجيد ذاتها بشكل غير دقق أو صحيح لتكسب مزيدا من الأنصار.

[6] الي المواجهة، ذكريات د.عدنان مسودي عن الاخوان المسلمين في الضفه الغربية وتآسيس حماس٬ تحرير بلال محمد٬ مركز الزيتونة للدراسات، بيروت٢٠١٣الطبعة الاولي. ص 52

Exit mobile version