المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الملاحظات السريعة على وثيقة “حماس” السياسية

بقلم: محمد ابو لبده

لا شك ان وثيقة المبادىء والسياسات العامة التي اصدرتها حركة حماس الاثنين الماضي والمكونة من ٤٢ نقطة مقسمة على ١٢ عنوانا. حملت اشياء جديدة تختلف عن ميثاق الحركة الصادر عام ١٩٨٨م، غير ان هذه الوثيقة التي تحمل بعض التغيرات هي سياسية وليست فكرية، بمعنى ان فكر الحركة بقي كما هو من حيث الارتباط بفكر حركة الاخوان المسلمين، ولكن سياسيا تختلف بعض الشيء عن الاخوان المسلمين.
وبعض التغيرات التي حملتها الوثيقة تجعلنا نقدم بعض الملاحظات السريعة والاولية على بنود هذه الوثيقة التي تحمل التغيير والتي تقترب كثيرا من برنامج منظمة التحرير الفلسطينية المرحلي او النقاط العشر لهذا البرنامج.
فقد جاء في البند عشرين من الوثيقة ما يلي:..«فان حماس تعتبر ان اقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران ١٩٦٧، مع عودة اللاجئين والنازحين الى منازلهم التي اخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة».
اي ان حماس من خلال هذا البند تعترف باقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران في حال سمحت الظروف باقامتها وهو نفس ما ورد في البرنامج المرحلي الفلسطيني، بنقاطه العشر، طبعا بدون الاعتراف باسرائيل وهو تغيير جديد غير وارد في ميثاق الحركة.
كما جاء في تعريف الحركة لنفسها انها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية اسلامية.. وهذا الامر لم يكن موجودا في ميثاق الحركة حيث ورد في الميثاق انها جزء من حركة الاخوان المسلمين في فلسطين، او فرع للحركة في فلسطين.
وورد ايضا في البند السادس عشر تأكيد الحركة بأن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعا مع اليهود بسبب ديانتهم وحماس لا تخوض صراعا ضد اليهود لكونهم يهودا وانما تخوض صراعا ضد الصهاينة المعتدين، وان قادة الاحتلال هم من يقومون باستخدام شعارات اليهود واليهودية في الصراع ووصفهم كيانهم الغاصب بها، وهذا الامر يختلف عما جاء في الميثاق حيث ميزت حماس في الوثيقة بين الحركة الصهيونية واليهود كديانة.
ورفضت الحركة في البند الحادي والعشرين من الوثيقة اتفاقات اوسلو وملحقاتها وما ترتب عليها من التزامات تضر بمصالح شعبنا، وخاصة التنسيق (التعاون) الامني، وهنا وقعت حماس في تناقض ففي الوقت الذي ترفض في الوثيقة اتفاقات اوسلو وملحقاتها نراها انها خاضت انتخابات المجلس التشريعي في عام ٢٠٠٦، رغم ان هذه الانتخابات منصوص عليها في اتفاقات اوسلو بل هي جزء من هذه الاتفاقات وملحقاتها.
وورد في الوثيقة وتحديدا في البند ٢٩ منها ان منظمة التحرير الفلسطينية هي اطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها واعادة بنائها على اسس ديمقراطية…، وهنا يثير هذا البند تساؤلا كبيرا ويضع علامة استفهام كبرى حوله، فلماذا لم تذكر الوثيقة بأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده كما هو متعارف عليه ومعترف به من قبل الدول العربية والاسلامية والعالم قاطبة.
وجاء في البند الثالث والعشرين من الوثيقة ان حماس تؤكد على ضرورة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني وعدم ارتهانه لجهات خارجية… في حين ان حماس في هذا البند تناقض نفسها، فقد قال خالد مشعل لدى اعلانه الوثيقة بما معناه انها جاءت لتتوافق مع اصدقاء الحركة، اي انها جاءت بتأثير من قبل الدول والحكومات الصديقة للحركة وهو ما يتناقض مع استقلالية القرار الوطني الوارد في الوثيقة.
هذه بعض الملاحظات الاولية والسريعة على وثيقة حماس السياسية والتي اقتربت بدرجة كبيرة من البرنامج المرحلي الفلسطيني الذي تبنته منظمة التحرير عام ١٩٧٤م. كما انه يقترب بنسبة حوالي ٩٠٪ من برنامج اليسار الفلسطيني وتحديداً من برنامج الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ويبقى السؤال الأهم هو ما دامت هذه الوثيقة تقترب كثيراً من برنامج المنظمة، فلماذا لا تدخل حماس في منظمة التحرير وتعارض من داخلها كما هو الحال مع عدد من فصائل العمل الوطني كالجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وكذلك المبادرة الوطنية.
إن عدم ذكر أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده تثير الكثير من التساؤلات وأهداف حماس من وراء إغفال ذلك. كما أنها وكما ذكرنا سابقا تضع علامات استفهام كبيرة حول هذا الأمر. واعتراف حماس بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧م، يعني ضمنا موافقتها على حل الدولتين الذي أصبح مطلبا دوليا.
وبصريح العبارة فإذا كان هدف حماس من هذا التغيير الوارد في ميثاقها هو نتيجة لقراءتها للأوضاع الداخلية الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية، حيث من الصعب في هذه المرحلة تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، وان الظروف الذاتية والموضوعية لا تسمح الآن إلا بالمطالبة والنضال من أجل إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وفق الرؤيا الدولية فان ذلك يعني أنه يترتب على حماس عدة أمور من أبرزها العمل على أنهاء الانقسام المدمر الذي اضر ولا يزال يضر بشعبنا وقضيتنا الوطنية.
فالاقتراب من برنامج منظمة التحرير يحتم عليها العمل لإنهاء هذا الانقسام الأسود والبغيض والعمل من داخل منظمة التحرير الفلسطينية من أجل التغيير وليس من خارجها، كما يترتب عليها العمل على إعادة الوحدة الوطنية سياسيا وجغرافيا، بالتعاون مع بقية فصائل العمل الوطني والإسلامي، صحيح أن هناك ايضا استحقاقات يجب على حركة فتح القيام بها هي الأخرى لإنهاء هذا الإنقسام وتوحيد شطري الوطن، إلا أن المبادرة يجب أن تأتي من جانب حماس التي اقتربت وثيقتها السياسية من برنامج منظمة التحرير الفلسطينية. أما إذا كان الهدف من وراء بعض التغيرات التي وردت في وثيقة حماس السياسية، هو لتسويق نفسها أمام العالم، لكي يتم التعامل معها على حساب منظمة التحرير فهذا شيء يرفضه شعبنا ويعزز الإنقسام ويخلق البدائل لمنظمة التحرير خاصة وأن الوثيقة لم تشر لا من قريب ولا من بعيد من أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
إننا نأمل بأن يكون هدف الوثيقة هو مقدمة للتوافق الوطني والإسلامي وإنهاء الإنقسام الأسود خاصة في ضوء انتخاب إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس.
فهذا الرجل هو من الداخل ولديه معرفة بأمور الداخل أكثر من غيره، كما أنه محسوب على الجناح المعتدل داخل حركة حماس ويحترمه الجميع بما في ذلك الجناح العسكري للحركة وباستطاعته التأثير داخل الحركة باتجاه انهاء الانقسام الأسود وإعادة اللحمة للوطن.
فهل يكون هذا التغيير داخل حركة حماس على الصعيد السياسي مقدمة للمصالحة الوطنية أم لتكريس الانقسام – العمل لتكون حماس بديلا لمنظمة التحرير، مرة اخرى نأمل أن يكون التغيير لصالح قضية شعبنا الوطنية ولصالح أهلنا في قطاع غزة الذين يعانون الأمرين وعلى كافة الأصعدة المعيشية والإنسانية والصحية وغيرها نتيجة الحصار الظالم الذي يفرضه على قطاع غزة الاحتلال الإسرائيلي منذ حوالي ١١ عاما.

Exit mobile version