المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

معادلة الشهادات الجامعية ومقتضيات الواقع العملي

بقلم: المحامي د. ايهاب عمرو

يعد موضوع معادلة الشهادات الجامعية من أكثر المسائل أهمية ذات العلاقة بالتعليم العالي في دول العالم كافة بالنسبة للشهادات التي يتم الحصول عليها من دول أجنبية. إذ يتعين على الطالب/ة أو الدارس/ة الذي يتخرج من جامعة أجنبية ويرغب بالعودة إلى وطنه للعمل أن يقدم طلباً لمعادلة الشهادة الجامعية يشمل صورا مصدقة عن الشهادة أو الشهادات الجامعية وكشوف العلامات (مترجمة) من وزارة الخارجية في الدولة التي تخرج منها ومن سفارة بلده أيضاً، ومن الجهات ذات العلاقة داخل دولته كالتعليم العالي ووزارة الخارجية، إضافة إلى متطلبات ووثائق أخرى محددة من قبل وزارات التعليم العالي في العالم، ما يشمل فلسطين التي يتضمن الموقع الإلكتروني لوزارة التعليم العالي فيها ما يتعين على المتقدم بطلب المعادلة إرفاقه مع الطلب، أهمها الانتظام في الدراسة لمدة محددة، وأن تكون الشهادة منحت بعد إجراء بحث علمي في حقل التخصص بالنسبة للدراسات العليا، وأن تكون الشهادة صادرة عن جامعة معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي مع ما يتطلبه ذلك من ضرورة التسجيل والدراسة والتخرج من تلك الجامعة، إضافة إلى متطلبات وشروط أخرى ذات علاقة. ويتم تقديم طلب المعادلة إما بصفة شخصية أو بواسطة وكالة عدلية على أن تكون موقعة من سفارة دولة فلسطين في الدولة التي يقيم فيها مقدم الطلب.

ويتعين على مقدم طلب المعادلة أن يقوم بتعبئة طلب معادلة شهادة/درجة مؤسسة تعليم عالي غير فلسطينية. ويجوز لمقدم الطلب الاعتراض على قرر لجنة المعادلة خلال مدة أقصاها (60) يوماً من تاريخ تبليغ القرار. ويحق لوزارة التعليم العالي وقف معاملة المعادلة أو سحب وثيقة المعادلة وتحويل صاحبها إلى الجهات القضائية المختصة إذا اتضح أن الأوراق أو الوثائق المقدمة إليها غير صحيحة أو غير قانونية. ويتم تصديق الشهادات الصادرة من الولايات المتحدة الأميركية من مؤسسة الامديست، والشهادات الصادرة من المملكة المتحدة من المجلس الثقافي البريطاني للدرجات العلمية كافة قبل تقديمها لوزارة لتعليم العالي لاعتمادها.

ولمعادلة الشهادات أهمية قصوى في معرفة صدقية الشهادات المقدمة للمعادلة، إضافة إلى معنى آخر للمعادلة مفاده أن عدم وجود شهادة معادلة صادرة عن وزارة التعليم العالي قد يجعل من تلك الشهادة محل نظر، كون أن شهادة المعادلة التي تصدر عن وزارة التعليم العالي تعد بمثابة شهادة ولادة أكاديمية للخريج الجامعي من دولة أجنبية، خصوصاً من حملة الشهادات العليا كدرجتي الماجستير والدكتوراه، ما يساعد في ضبط أية حالات تزوير للشهادات الجامعية والتي قد لا يجرؤ أصحابها –أي الشهادات المزورة- على تقديمها للمعادلة.

وأذكر في هذا الصدد اكتشاف أمر قيام شخص كان على رأس جهاز قضائي استثنائي حتى العام 2010 بالحصول على شهادة دكتوراه مزورة من إحدى دول أوروبا الشرقية وتقديمه تلك الشهادة لجهة العمل للحصول على الترقيات والبدلات المالية اللازمة. وأذكر أن من سرد لي الواقعة ممن عمل مع هذا الشخص لسنوات أفادني أن من اكتشف أمر هذا التزوير هم من كانوا يعملون معه بفطنتهم وحنكتهم وقدرتهم على التمييز بين الغث والسمين، وأن ذلك الشخص أقدم على فعلته هذه للحصول على ترقية ومبلغ إضافي يعادل 20 ديناراً أردنيا شهرياً فقط.

ومما يجدر ذكره في هذا السياق أنه تم عزل ذلك الشخص من منصبه بعد ثبوت واقعة التزوير المشار لها آنفاً دون محاكمته، وكان حرياً محاكمته على فعلته التي تعد جريمة حسب القانون، خصوصاً أن من ارتكبها كان يقف على قمة هرم الجهاز القضائي الإستثنائي في فلسطين آنذاك، ما ألحق ضرراً بسمعة الجهاز الذي كان يرأسه وسمعة العاملين فيه المشهود لهم بالسمعة الحسنة والسلوك القويم، يدلل على ذلك قيامهم باكتشاف واقعة التزوير المشار إليها وإبلاغ الجهات ذات العلاقة بها، ما مهد لطرده من منصبه وتطهير الجهاز القضائي من أمثاله.

وتشير تلك الواقعة إلى أهمية إجراء المعادلة من قبل وزارة التعليم العالي لأية شهادات صادرة عن دول أجنبية حسب الأصول والقانون سواء تعلق ذلك بالشهادات ذات العلاقة بالتخصصات العلمية أو الأدبية، وإن كان الأمر يعتبر أكثر أهمية بالنسبة للشهادات ذات العلاقة بالتخصصات العلمية كالطب والصيدلة مثلاً، حيث يمكن أن يؤدي عمل شخص يحمل شهادة غير معتمدة “مزورة” إلى أضرار كبيرة بصحة المواطنين ما يؤثر بشكل سلبي على الصحة العامة للمجتمع.

أخيراً، لا بد من الإشارة الى أن بعض الدول الغربية كاليونان مثلاً تعقد امتحانات خاصة بالتخصص ذات العلاقة بالشهادة محل المعادلة للدارسين والدارسات في دول أجنبية من خارج الإتحاد الأوروبي، ولا يتم الاكتفاء بتقديم طلب المعادلة للجهة صاحبة الاختصاص. وأفادني بعض الزملاء اليونانيين الذين تقدموا لتلك الامتحانات بجدية تلك الامتحانات وصعوبتها في آن ما استدعى منهم الاستعداد لعدة شهور قبل التقدم لتلك الإمتحانات. وتعقد بعض المراكز التعليمية دورات تدريبية خاصة للراغبين بالتقدم لإمتحانات المعادلة حتى يتم إعدادهم بشكل جيد ما يضمن نجاحهم فيها، وإلا فإنه في حالة الرسوب يتعين على مقدم طلب المعادلة إعادة الإمتحان خلال مدة عام من تاريخ التقدم للإمتحان الأول.

وتعد تلك الإمتحانات بمثابة إجراء لازم حتى يتم إعتماد الشهادة الجامعية ما يفسح المجال لاحقاً أمام مقدم الطلب بالعمل. وتكتسب تللك الامتحانات أهمية خاصة بالنسبة لبعض التخصصات سواء كانت علمية أو أدبية التي تستوجب الاختصاص والتدريب كالطب والقانون مثلاً، حيث لا يستطيع من حصل على شهادة جامعية في الطب من جامعة من خارج الإتحاد الأوروبي التسجيل للإختصاص دون النجاح في الإمتحانات المذكورة، ولا يستطيع كذلك من حصل على شهادة جامعية في القانون من جامعة من خارج الإتحاد الأوربي التسجيل في نقابة المحامين كمتدرب دون إجتياز تلك الإمتحانات.

Exit mobile version