المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

ساعة أمل قبل السقوط…

زهران معالي

في أحد أزقة البلدة القديمة في مدينة نابلس، يجلس جعفر جمعة (63 عاما) خلف ماكينة الخياطة، يضغط بقدمه محركا دولابها ويقلب شريط ذكرياته في العام المشؤوم، حيث يروي لزبائنه كيف انتهت أحلامه على عتبة النكسة.

ويوضح أنه اضطر لترك الدراسة بعد أن أنهى دراسة الصف السابع الأساسي، إثر اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة نابلس من المنطقة الشرقية، واحتلالها مع بقية مدن الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة عام 1967.

وخلال رتقه لقطعة من الملابس، تحدث جمعة لـ”وفا”: “قبل 50 عاما كنت أحلم أن أصبح لاعب كرة قدم مشهورا، وأن أكمل دراستي في الخارج، إلا أن الاحتلال وما تسببه من فقر لنا قضى على أحلامنا”.

ولم يختلف حال ناجح سقف الحيط (75 عاما) كثيرا، فداخل صالون الحلاقة الذي يديره في شارع حطين وسط المدينة، بدت ملامح الحسرة واضحة عليه بعد سؤاله عن سقوط مدينة نابلس تحت الاحتلال الإسرائيلي عام النكسة.

وتحدث أنه لا يمكن أن ينسى اليوم الذي سقطت فيه المدينة تحت الاحتلال؛ فكان في 12 حزيران 1967، حيث تصادف مع يوم إجازة الحلاقين المتعارف عليها يوم الاثنين من كل أسبوع، وكذلك اليوم الذي كان يستضيف فيه سقف الحيط شقيقاته في بيته لاحياء الشعبونية.

ويضيف “كنت أعيش أجواء عائلية مفعمة بالفرح والسعادة مع الأهل، إلا أن الحرب وفرض الاحتلال لمنع التجول على نابلس نسف كل تلك الأجواء”.

ويشير سقف الحيط إلى أن أول ما تبادر لذهنه عند دخول الاحتلال للمدينة، هو عدم النزوح والهجرة لخارجها لكي لا يتجرع مرارة النكبة، قائلا: لم أفكر يوما في الهجرة، هذه بلدي مسقط رأسي، كيف أترك أرضي وأهاجر؟؟.

سقف الحيط من المحبين للسفر والحركة، فكان يفطر أسبوعيا في عمان ويتناول عشاءه في نابلس، إلا أن احتلال إسرائيل للضفة وسيطرتها على المعابر بعثر هواياته وأحلامه.

ويقول سقف الحيط “لم أفكر كثيرا بإقامة مشاريع، لكن كنت أعيش حياة ممتعة جدا فترة الحكم الأردني، كنت تذهب لعمان بـ20 قرشا وترجع لنابلس بذات اليوم، وتذهب للقدس بسبعة قروش ورام الله بستة قروش”.

ويتابع: الاحتلال قطع أوصال الحياة الاقتصادية والجغرافية والاجتماعية، لم يترك شيئا على حاله.

في شارع النصر في البلدة القديمة، أجاب أسعد منى (73 عاما) أثناء بيع الخبز لزبائنه: لو ما في احتلال على الأقل كان أكملت دراستي ونفذت مشاريع خاصة، لكن الاحتلال سلب أحلام الشباب، وأرهق الشعب الفلسطيني اقتصاديا، قبل الاحتلال كانت الأوضاع أحسن بكثير.

ويشير منى الذي عمل عضوا في الدفاع المدني خلال النكسة، إلى أنه قبل دخول الاحتلال بيوم لمدينة نابلس كان يعمل برفقة زملائه لتشجيع الناس على البقاء وعدم الهجرة.

ويضيف “عند دخول الاحتلال كان تفكيري مقاومة الاحتلال بكل الوسائل، وشكلنا المجموعات وتلقينا التدريب في معسكر الهاما في سوريا”.

واعتقل منى لدى الاحتلال الإسرائيلي عدة مرات وأمضى قرابة خمس سنوات في سجون الاحتلال.

ويجمع جمعة وسقف الحيط ومنى وغيرهم من الفلسطينيين، على أن فلسطين دون الاحتلال والمستوطنات، جنة الله على الأرض، فالمساحات الزراعية الواسعة التي أقيمت مكانها مستوطنات وكذلك المناطق المصنفة “ج” غنية بالإنتاج والثروات وتسد حاجة العاطلين عن العمل.

وحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، فإن نزوح المهاجرين أدّى إلى زيادة عدد السكان في مدينة نابلس، حيث كان عدد السكان 25000 نسمة عام 1948م، ليصبح 61000 نسمة عام 1967م.

Exit mobile version