المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

إضراب الأسرى الفلسطينيين بطولة في زمن التراجع الفلسطيني والعربي

بقلم: عادل شديد

علق الأسرى الفلسطينيون فجر أول أيام شهر رمضان المبارك إضرابهم عن الطعام الذي تواصل لمدة 41 يوما بعد مفاوضات مكثفة جرت ما بين قيادة الإضراب وإدارة سجون الاحتلال استغرقت عشرات الساعات من المفاوضات بين الطرفين ،وقادها من الطرف الفلسطيني القائد الوطني مروان البرغوثي ، بعد أن اضطرت إدارة السجون الإسرائيلية للتراجع عن اشتراطها بعدم إجراء أية مفاوضات مع الأسرى المضربين قبل إنهاء إضرابهم ، و تحديدا مع مروان البرغوثي ، وذلك لكسر الإضراب وإفشاله ومنعه من تحقيق أية انجازات للأسرى، حيث ترى العقلية الأمنية والسياسية الإسرائيلية ، أن كسر إرادة المعتقلين في معركة الأمعاء الخاوية الحالية ، قد يؤدي إلى هزيمة معنوية كبرى في أوساط المعتقلين بشكل خاص ، وأوساط الشعب الفلسطيني عموما، بمعنى ألا تقوم أي قائمة للحركة الأسيرة مستقبلا ،والتي أتت في مرحلة سياسية سيئة تمر فيها الحركة الوطنية الفلسطينية والقضية بأسوأ مراحلها خاصة وأن الإضراب الحالي جاء بعد سنوات طويلة من غياب حقيقي للعمل والفعل الوطني الجماعي للحركة الأسيرة الفلسطينية خصوصا ، وللحركة الوطنية الفلسطينية عموما ، بفعل العديد من الأسباب والعوامل أهمها وصول عملية أوسلو إلى نهايتها ، وثلاث حروب مدمرة على قطاع غزة ، أدت إلى استشهاد وإصابة عشرات الألوف من أبناء الشعب الفلسطيني ، وزيادة الاستيطان وسرقة الأراضي الفلسطيني ونهب الثروات الطبيعية الفلسطينية وزيادة التنكيل بالفلسطينيين على الحواجز في الوقت الذي تحولت فيه حياة المواطن الفلسطيني إلى جحيم لا يطاق ، إضافة للانقسام الفلسطيني ما بين حركتي فتح وحماس مما أدى إلى تعميق المناكفات والصراعات الداخلية ما بين الطرفين والذي ادخل الحالة الفلسطينية برمتها في حالة من الاستنزاف والنزيف الداخلي، مما ترك أثرا سلبيا كبيرا على الشعب الفلسطيني ، وعلى إمكانية الخروج من هذا الواقع المنهار. فيما تم ترك الاحتلال يعبث بالحالة الفلسطينية .
بغض النظر عن حجم الانجازات التي حققها الأسرى في إضرابهم عن الطعام ، وتحديدا القضايا المطلبية للمعتقلين ، والمرتبطة بتحسين ظروف حياتهم ، حيث تم الحديث من قبل إدارة السجون الإسرائيلية وقيادة الإضراب عن موافقة الحكومة الإسرائيلية والصليب الأحمر الدولي حول إضافة زيارة أخرى لكل معتقل لتصبح زيارتين في الشهر الواحد ، وليست واحدة كما كان معمولا به منذ فترة طويلة ،إضافة لزيادة فترة الزيارة والموافقة الأولية على إضافة عدد من القنوات الفضائية للأسرى ، وإدخال أطباء متخصصين من الخارج وقضايا مطلبيه أخرى ، إلا أن مجرد التخطيط للإضراب وتنفيذه بشكل جماعي ولأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات ، يعتبر انتصارا للحركة الأسيرة الفلسطينية ، وللأسرى الذين خاضوا الإضراب ،وتحملوا صنوفا كثيرة من الآلام والمعاناة ،إضافة لعدم قدرة إدارة السجون ومخابراتها من كسره رغم الإجراءات الكثيرة التي نفذتها ضد الأسرى المضربين عن الطعام وضد قيادة الإضراب ، من حرمانهم ممتلكاتهم في السجون ، ونقلهم تعسفيا ، وعمليات التفتيش والمداهمة الليلية ، ونقل الأسرى وخاصة قيادة الإضراب عدة مرات بين السجون وعدم السماح لهم بالاتصال مع بعضهم البعض ، ومنعهم من الالتقاء وزيارة أهاليهم أثناء الإضراب ، كما عدم السماح لهم بسماع أخبار وأنباء الفعاليات الشعبية المتضامنة معهم ، حيث فشلت تلك الممارسات في كسر الإضراب ، لا بل العكس تماما ، فقد استطاعت الأمعاء الخاوية بعد 41 يوما من الجوع والمعاناة والآلام ، من أن تكسر المواقف الإسرائيلية ، وان تفرض على إدارة مصلحة السجون التفاوض مع قيادة الإضراب قبل إنهاء إضرابهم ، وفي مقدمتهم عضو اللجنة المركزية المنتخب لحركة فتح القائد مروان البرغوثي ، حيث أصبحت الكثير من وسائل الإعلام العبرية تطلق اسم مروان البرغوثي على الإضراب ، في محاولة منها لدق الأسافين وإضعاف شرعية الإضراب ، وذلك لإضعاف التحركات الشعبية المساندة للإضراب .
لم يتوقع احد أن يستمر الإضراب طيلة هذه الفترة ، إذ توقع العديد من المراقبين أن تستجيب إدارة السجون لبعض من مطالب الأسرى ، وخاصة انه لا توجد أية مصلحة إسرائيلية بعودة الأسرى الفلسطينيين للعمل الجماعي المنظم ، كما لا مصلحة لها نهائيا بأن تعود الحركة الأسيرة الفلسطينية وان تؤثر في الشارع الفلسطيني ، من خلال إحياء الحركة الوطنية الفلسطينية والعودة للعمل الجماعي التنظيمي والشعبي للشارع الفلسطيني، بعد تراجعه وانهياره لفترة طويلة من الزمن ، إلا أن تقاعس التنظيمات والفصائل والأحزاب الفلسطينية دون استثناء ، وعدم تعاطي البعض بالشكل الجدي المطلوب ، أو عدم قدرة البعض الآخر على التأثير في الشارع الفلسطيني لإثارته وتحريكه للنزول للشارع للتضامن مع الأسرى المضربين ، بالمظاهرات والاشتباك مع جنود ومستوطني الاحتلال ، وذلك للضغط على الاحتلال لكي يوافق على مطالب المعتقلين ، وان يتم تقصير فترة الإضراب ،وتقليل وتخفيف معانات الأسرى المضربين ، وخاصة أن هؤلاء المعتقلين المضربين عن الطعام ، لم يتم اعتقالهم لقيامهم بسرقة أو عمليات سطو أو أي جريمة أخرى ، بل لقيامهم بالواجب الوطني النضالي دفاعا عن الشعب الفلسطيني وحقوقه ، وبالتالي فقد كشف هذا الإضراب الخلل الكبير الذي يمر به النظام السياسي الفلسطيني برمته ، والذي فشل في استغلال هذه الفرصة التاريخية النادرة ، والتي قد لا تتكرر في السنوات القليلة القادمة ، حيث كان يفترض من الفصائل وخاصة حركتي فتح وحماس أن تستنهض وان تستنفر طاقاتها ، وان تستنفر الشارع الفلسطيني لكي تعيد جزءا من هيبتها وحيويتها ودورها الذي فقدته بفعل اتفاقية أوسلو.
مؤشرات غياب القيم الوطنية والثورية بعد أن حل محلها القيم الرأسمالية والفردية المبنية على المصلحة الفردية والتي أدت إلى غياب العمل الوطني الجماعي والذي غاب بشكل كبير عن مشهد الإضراب عن الطعام ، لا بل أن الأسوأ من ذلك كله ، أن تصل بعض القيم السلبية للمعتقلين الفلسطينيين داخل المعتقلات الإسرائيلية ، عندما رفض العديد من المعتقلين الانضمام للإضراب ،بذريعة أنهم قادرون على تحسين ظروف اعتقالهم بالحوار المباشر مع إدارة السجن ، وأنهم ليسوا معنيين بتوتير العلاقة مع إدارة السجن ، وكأن ثقافة المقاومة والمواجهة والتضحية قد غابت عن هؤلاء المعتقلين ، ليحل محلها ثقافة انهزامية في مرحلة فلسطينية وعربية هي الأسوأ ومن بين المعتقلين الذي رفضوا الانضمام للإضراب ، عدد غير قليل من معتقلي حركة فتح والتي شكلت المحور الأهم في الإضراب ، سواء من حيث المضربين ، أو من خلال قيادة الإضراب ومن ضمنهم أعضاء اللجنة المركزية للحركة مروان البرغوثي وكريم يونس والذي تم تكريمه من قيادة الحركة بالعضوية في لجنتها المركزية وهي أعلى هيئة تنظيمية لحركة فتح .
رغم ما أصاب الجسد الفلسطيني من خلل وانهيار ، ورغم الانهيار الرسمي العربي ، الذي أصبحت فيه إسرائيل شريكا وصديقا وجارا حسنا ، وأصبحت فيه حماس عدوا ، كما جاء في خطاب الرئيس الأميركي ترامب في الرياض ،أمام عشرات القادة والرؤساء والملوك العرب ، وغاب عنه أي حديث عن الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام من قبل الحضور ، رغم مضي أكثر من 35 يوما على الإضراب أثناء قمة الرياض ، ورغم الألم الكبير الذي أصاب الشعب الفلسطيني وهو يشاهد الصفقات بمئات المليارات في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ظروفا اقتصادية صعبة ، حيث الكهرباء المفقودة، والمياه غير الصالحة للشرب والمباني التي دمرتها الحروب الإسرائيلية ولا زالت تنتظر الترميم والبناء ، والبطالة المستشرية ، وعجلة الحياة المتوقفة ،ورغم الكثير ، إلا أن إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام قد شكل مرحلة منيرة ومضيئة في هذا الزمن الفلسطيني والعربي المنهار ، حين تنهض الحركة الأسيرة بعد تفكك وتراجع وتعيد بناء جزء من ذاتها الجماعية المنظمة الوطنية ، وتنتفض في وجه الاحتلال والسجان وتعلن فيه الإضراب الجماعي عن الطعام ، بعد غياب طويل لكل أشكال العمل والفعل الجماعي ، وتخرج بعض ما تبقى من جماهير وطنية للشوارع فتشتبك مع الاحتلال ، وتعود أشكال المقاومة للظهور في فلسطين ، فتحدث عمليات إطلاق نار باتجاه جنود الاحتلال الإسرائيلي كما حدث في رام الله ، وطعن شرطي إسرائيلي كما حدث في نتانيا، ورشق للحجارة والزجاجات الحارقة كما شهدت جميع أنحاء الضفة الغربية والتي أدت إلى سقوط ثلاثة شهداء فلسطينيين وإصابة المئات منهم ، فيما أصيب عشرات الجنود والمستوطنين اليهود بعد هدوء دام أكثر من عشر سنوات ، في المواجهات التي اندلعت مساندة ودعما للأسرى المضربين، واستغلالا لهذه الفرصة التاريخية الهامة من اجل إعادة بناء الحركة الوطنية الجامعة ، بعد أن غابت وحل محلها المناكفات الفئوية والحزبية والفصائلية .
بغض النظر عن الكثير من العيوب ومواطن الخلل والضعف والانهيار ، التي كشفها إضراب الأسرى عن الطعام ، وبالرغم من بعض التفاصيل المتعلقة بقرار تجميد الإضراب عن الطعام ، إلا أن إرادة السجين قد تحدت بطش السجان ، وبدأت تنهض من تحت الركام ، وحققت الانتصار عن طريق المقاومة والصمود والتحدي والصبر في وجه المحتل وسياساته ، في ظل مرحلة فلسطينية وعربية وعالمية بائسة، وليس عن طريق المفاوضات أو التوسل أو الرهان على إنسانية السجان ، التي لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى الويلات.

Exit mobile version