المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

التسوية الفلسطينية المحتملة في ضوء جولة ترامب الإقليمية

President Elect Donald Trump Holds Victory Rally

بقلم: علاء سالم – باحث في العلوم السياسية

رغم أن ترامب في واشنطن الفاعلين الرئيسيين بعملية التسوية الفلسطينية، قبل أولى زيارته الخارجية التي بدأها بالسعودية وإسرائيل (21 – 23 مايو 2017 )، فإن تلك الجولة كانت فرصة للتعرف على الواقع بكل تعقيداته وتشابكاته، وإعادة تقييم رؤيته للتسوية الإقليمية المحتملة.

وقد وصفت الجولة بـ التاريخية، نظرا لما شهدته من مناقشات ولقاءات، فضلا عن الاتفاقيات التي وقعت خلالها، وربما تؤرخ هذه الجولة لمنعطف جديد نحو حل صراع مزمن وممتد.

وبالرغم من غياب الحديث المباشر عن التسوية، وآلياتها التفاوضية، بما تتضمنه من الأطراف المنخرطة فيها، وتوقيتاتها، والأهم مبادئها الحاكمة والاسترشادية، حيث فرض الغموض المتعمد نفسه على التحرك الأمريكي، ومضامين خطابه السياسي الإعلامي، فإن التسوية كانت حاضرة في أجواء ومجريات الزيارة ومخرجاتها ومن أبرز تلك المخرجات تبيان أن الانحياز الأمريكي تجاه إسرائيل ورؤيتها لعملية التسوية السياسية ليس مطلقا ويمكن هنا رصد أربعة شواهد سياسية:

1 – تجاهل ترامب لمقولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واليمين الإسرائيلي بشكل عام عن غياب الشريك الفلسطيني، القادر على التفاوض من أجل التسوية، أو الاستجابة لمطالب الحد الأدنى للسلام، وعندما حاولت إسرائيل، خلال الزيارة، نزع المشروعية السياسية عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بدعوى أنه يقود عملية تحريض على اليهود، جاء رد ترامب على الإسرائيليين بأن أبو مازن شريك حقيقي في صنع السلام، لا يمكن تجاوزه.

2 – ترامب هو أول رئيس أمريكي يزور حائط المبكى في العام الأول له في البيت الأبيض، لكنه رفض مرافقة نتنياهو له خلال الزيارة وهو رفض حمل في طياته إعادة تأكيد الثوابت الأمريكية من المدينة المقدسة، بوصفها مدنية دولية فحسب مصادر إسرائيلية فإن ترامب فاجأ نتنياهو وحكومته بالاعتراض على اعتبار القدس العاصمة الموحدة لدولة إسرائيل اليهودية، وكذلك على عبارة من البحر إلى النهر، معتبرا أنها تسئ لمستقبل عملية السلام، وتعرقل جهود التفاوض، وتمس بالاستقرار، ولن تساعد إدارته في إقناع دولة عربية وإسلامية حليفة بتسريع وتيرة الاتصال والتطبيع مع إسرائيل.

3 – تعارض الرؤى المتبادلة حول مركزية التسوية الفلسطينية في معالجة مشاكل المنطقة إذ بدا الخطاب السياسي الأمريكي يتناقض الرؤية الإسرائيلية التي تدعى أن الصراع مع الفلسطينيين ليس جوهر أو سبب عدم الاستقرار السياسي بالمنطقة ويلاحظ ان نتنياهو نفسه أقر بتلك الحقيقة إذ نقل عنه، خلال اجتماع سرى لحزبه الليكود في 29 مايو في السياسة يوجد ثمن لكل شيء .. ولا ينبغي الاطمئنان إلى أن موضوع الدولة الفلسطينية قد سحب من على الطاولة كما التزم بقدر غير مسبوق هو وحكومته من مفاجآت ترامب خلال الجولة، اعتماد على استراتيجية الانتظار والترقب، والأهم الكف عن إلقاء اللوم على فشل محادثات على الطرف الفلسطيني، بل وفى إشارة تحذير لوزراء كتلته، قال: المطلوب منا أن نتصرف بذكاء ونتحلى بالمسئولية لذلك الآن، فقد سمعت الرئيس ترامب يقول إنه يؤمن بان أبو مازن يريد السلام، ويريد منا التوصل لاتفاق معه.

وتأكيد هذا الاتجاه بعد قرار ترامب تجميد قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، الذى كان أبرز وعوده الانتخابية، والدعم الذى ناله من ناخبيه الدينيين، خاصة الإنجيليين، وهنا بدا أن التسوية الفلسطينية أخذت نهجا مغايرا للمسار العام للسياسة الداخلية والخارجية الأمريكية، حيث أنجز ترامب الكثير من وعوده الانتخابية، سواء في علاقاته مع أوروبا وحلف الأطلسي، أو الانسحاب من الشراكات الدولية، كاتفاقية التجارة الحرة عبر الباسيفيك، واتفاقية باريس للمناخ، وداخليا إلغاء نظام التأمين الصحي، وإقامة السياج على الحدود مع المكسيك، إلا أن ذلك لا يعني حتما وجود محددات أخلاقية أو قانونية تحرك الدور الأمريكي الجديد في التسوية فتلك المحددات لا تعنى إدارته كثيرا، فهو يفكر بمنطق اقتصادي كرجل أعمال يسعى للصفقات الكبرى.

بهذه الصفقة التى يجرى الإعداد لها، نحى ترامب جانبا المحصلة التي وصلت إليها إدارة سفله باراك أوباما، وعبر عنها أكثر من مسئول أمريكي بان الصراع تاريخي مزمن لا يجدى فيه الحل السياسي لكون أصحابه إسرائيليين وعربا لا يرغبون بالحل.

أولا – سقف التوقعات:

جددت زيارة ترامب للمنطقة التطلعات إلى عودة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي التطلعات إلى عودة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لمائدة المفاوضات، التي توقفت فعليا في السنوات الثلاث الأخيرة، وموضوعيا منذ قدوم نتنياهو للسلطة في أبريل 2009، وإفشاله جهود إدارة أوباما في تحريك ملف التفاوض، أو حتى إلزامه بالتفاهمات التي تمت مع سلفيه إيهود أولمرت، وتسيبي ليفنى، ومن أبرز أسباب رفع سقف التوقعات من جولة ترامب ما واكبها من تأكيد أهمية استئناف عملية التسوية، في سياق توجه إدارة ترامب نحو إعادة تحديد مصادر الصراع الإقليمي، بحيث يأتي في المقدمة الإرهاب، وعدم الاستقرار الإقليمي، والدور الإيراني في المنطقة.

وعند تشكيل فريقه الرئاسي، كان لافتا اختيار أربع شخصيات يهودية مقربة بشدة من ترامب، لذا أطلق على هذه المجموعة الحلقة اليهودية – العائلية، وهم: جيسون جرينبلات، مبعوث الرئيس للشرق الأوسط ومسئول عن غدارة ملف المفاوضات الفلسطينية، ودافيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، وكلاهما يقدم تقارير مباشرة لصهر الرئيس جاريد كوشنير، مستشاره السياسي لمنطقة الشرق الأوسط.

ويضاف إليهم بشكل غير رسمي، رونالد لورد، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، الذى يمارس دورا غير معلن بلقاءاته المستمرة مع قادة المنطقة.

أحيت تلك التشكيلة لطاقم التسوية الأمريكي الحديث مجددا عن الصفقة الكبرى، أو التاريخية التي تهدف إلى حل القضية الفلسطينية بهدف التفرغ، وحشد الجهود لمواجهة مصادر التهديد الجديدة التي بات عليها شبه إجماع إقليمي وتشمل ملامح تلك الصفقة العودة لخطوط الرابع من يونيو 1967 مع تبادل أراض وتعديلات أساسية على حدود الدولة الفلسطينية، التي ستكون منزوعة السلاح، كما تشمل حلا إقليميا لمشكلتي القدس واللاجئين الفلسطينيين كجزء من رعاية إقليمية ودولية تجب مبدأ ثنائية التفاوض التي اعتمدت عليها آلية التسوية منذ أوسلو، إلا أن هذا المنحى البرجماتى يواجه ثلاثة قيود رئيسية:

1 – حالة التردى الاستراتيجي غير المسبوقة على الجانب العربي خصوصا الطرف الفلسطيني المعنى بالتسوية.

2 – السياق العقائدي الذى يميز احتضان ورعاية الجانب الأمريكي لتلك المفاوضات، حيث أظهر قدرا غير مسبوق في دعم إسرائيل ومصالحها بالمنطقة، وبات يوفر لها دعما وحصانة ومظلة دولية غير مشكوك فيها.

3 – البيئة السياسية والتركيبة الحكومية اليمينية داخل إسرائيل، والتي تقف عائقا أمام أى تسوية أيا كانت مخرجاتها انطلاقا من فلسفة الإبقاء على الأوضاع الراهنة من اجل تغيير الأوضاع الجغرافية – السكانية للقضاء على حل الدولتين إذ تظهر خبرة السنوات الماضية أن نتنياهو لا يريد حلا سياسيا، فضلا عن تعقيد وتشابك قضايا الحل النهائي التي يصعب الحديث عن إحداها دون حسم بقية القضايا فمثلا قضية الحدود لا يمكن حسمها دون حسم قضيتي القدس والترتيبات الأمنية.

إزاء محددات تلك البيئة غير المواتية، يحاول الراعي الأمريكي الجمع بين استرضاء إسرائيل، وإظهار الدعم القوى لها من أجل دفعها نحو التسوية بالتوازي مع تقديم حوافز للفلسطينيين والعرب، حتى يمكن التوصل إلى حلول قابلة للتنفيذ والبقاء وقد أظهرت زيارات ترامب إلى الرياض، والقدس ورام الله اقتناعه بأن إسرائيل اذا كانت لديها الرغبة في تسوية فلسطينية تتضمن الموافقة على تقرير مصير الكيان الفلسطيني على ما حدود ما قبل 5 يونيو، مع تعديلات في الحدود السياسية وشروط تحسين الأمن، أو أن تتحمل مخاطر فشل تلك الصفقة إذ يدرك ترامب أنه لا يمكن الحديث عن شراكة إقليمية تنخربط فيها إسرائيل دون تسوية للقضية الفلسطينية.

فالإخفاق في تلك التسوية يعد رافدا من روافد إعادة إنتاج ظاهرتي الإرهاب وعدم الاستقرار الإقليمي، اللتين تستهدفها تلك الشراكة الإقليمية الجديدة.

ولذا، فاجأ جرينبلات فى جولته الثالثة للمنطقة يوم 30 مايو بطرح أسئلة محددة ومعمقة عبى الإسرائيليين والفلسطينيين، وطلب مواقف محددة حول قضايا التسوية النهائية الخمس: الحدود، والأمن، والقدس، واللاجئون، والاعتراف المتبادل.

الجديد والمثير أن جولة ترامب، وما أعقبها من تحركات، كشف عن استعداد غير مسبوق من الأطراف الإقليمية للقبول بتلك الصفقة الشاملة، قبول صريح من العرب، وضمني من إسرائيل ويقع العبء الحالي على الراعي الامريكي لبلورة بنودها بشكل محدد يؤمن إجراءاتها بالشكل الذى يسمح له بتخطي معوقات الواقع وتشابكاته.

لذا، فمن المتوقع – حال الحفاظ على قوة الدفع الحالية – أن يتم عقد قمة ثلاثية ( أمريكا – إسرائيل – فلسطين ) بواشنطن في شهر سبتمبر القادم يطلق آلية التفاوض، وفق أجندة، وتوقيتات زمنية حاكمة، بعد التوصل لمضامين التسوية.

ويشار هنا إلى رفض الجانب الأمريكي مبدأ التسويات المؤقتة التي حاولت إسرائيل التلويح بها بما فيها كيان فلسطيني على حدود مؤقتة، حيث أوضح ترامب للإسرائيليين أنه يريد التوصل لصفقة شاملة تعالج جميع قضايا وإجراءات التسوية دفعة واحدة.

ثانيا – ملامح التسوية المحتملة:

بدا من أجواء جولة ترامب أن الإدارة الأمريكية تعمل على مساريين متوازيين إطلاق المبادرات الاقتصادية، سواء ذات الطابع الثنائي أو الإقليمي لتحسين مناخ الثقة بالتسوية، وفتح الملفات الكبرى لقضايا الحل النهائي، لكونها تدرك أن عامل الوقت عنصر أساسي بهذا السياق، والغاية من التحركات السياسية الراهنة وضع وثيقة مبادئ حاكمة لإطلاق عملية التسوية، يوقعها الفلسطينيون والإسرائيليون تحدد نوعية التفاهمات السياسية عبر مرحلتيها الأساسيتين:

إعادة بناء الثقة، والتفاوض بشأن تفاهمات حل القضايا الجوهرية.

1 – إجراءات بناء ثقة: تتضمن تلك الإجراءات العديد من الخطوات المرتبطة ببيئة التسوية، ويعدها الجانب الأمريكي أساسية للدفع نحو القبول بالصفقة الكبرى وهنا يمكن ملاحظة التأثير الكبير للبيروقراطية السياسية الأمريكية التي أعلت من المصالح على حساب الأيديولوجيا، وشملت العديد من القضايا التي كانت شبه محظورة:

أ – دفع إسرائيل إلى تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للفلسطينيين، مقابل وقف التحريض على كراهية اليهود والعنف بما يساعد نتنياهو على مواجهة المتشددين داخل ائتلافه، وتتسم تلك الإجراءات بصفة الديمومة، ويقودها بشكل مباشر جرينبلات لكن كان التركيز في الزيارة على مطالبة الإسرائيليين بتقييد عمليات البناء خارج الكتل الاستيطانية الكبرى بالتزامن مع مطالبة السلطة بوقف التحريض، والكف عن مكافأة الإرهابين وعائلاتهم.

ولا يتناقض هذا التوجه مع توجهات الإدارة الأمريكية السابقة ( إدارة أوباما ) التي ظلت متمسكة بالحل الاقتصادي لإزاحة أكبر قدر من العقوبات أمام الحل السياسي لكن ثمة موقف جديد ضاغط من قبل ترامب على العملية الاستيطانية الإسرائيلية فبعد القمة الفلسطينية – الأمريكية الأولى، اجتمع نتنياهو مع أركان حكومته لإبلاغهم بأنه سيستجيب لطلب ترامب بضرورة أن تقدم إسرائيل على خطوات وتسهيلات اقتصادية للجانب الفلسطيني، بهدف إظهار حسن النية، وترجمة تلك الخطوات بإصدار تراخيص بناء الفلسطينيين بالمنطقة ” ج “، والتي تقع تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية.

كما أن الزيارات الثلاث، التي قام بها جرينبلات للمنطقة، انطوت على أهمية توسيع فرص التنمية الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، كما تشير إلى ذلك تقارير مؤكدة، خلافا للاتجاه العام لخفض المساعدات الخارجية فإن إدارة ترامب استثنت المساعدات الممنوحة للسلطة، وتعمل على زيادتها بشكل نسبى فى الموازنة الجديدة.

وبالفعل، عقب اجتماع بين مسئولين فلسطينيين وإسرائيليين بوساطة أمريكية، بداية شهر يونيو، أعلن عن فتح معبر الكرامة جسر اللنبى بين الصفة الغربية والأردن لمدة 24 ساعة، ولمدة ثلاثة أشهر وإعادة ترميم المعابر المغلقة، وإقامة المنطقة الصناعية قرب معبر توقرميا.

ب – تجميد نقل السفارة الأمريكية لمدة ستة أشهر قادمة إذ بموجب المرسوم الرئاسي، الذى وقعه ترامب في الأول من يونيو، علق تطبيق قانون الكونجرس عام 1995، الذى يقضى بنقل السفارة للقدس، والتفسير الأمريكي كان واضحا، ومفاده أن قرار النقل لن يساعد على إطلاق عملية السلام المأمولة وكان لجولة ترامب خصوصا محطتها الاولى الرياض، تأثير كبير في صدور هذا القرار سواء، بسبب حجم وكثافة الصفقات التى عقدت مع بلدان الخليج، وتحديدا السعودية، أو بسبب التحذيرات التى سمعها ترامب من القدة العرب والمسلمين إزاء خطورة هذه الخطوة، وما قد تقضى إليه من ردود فعل شعبية حادة.

ج – تمرير صفقة تحسين ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين، وقد عجليت الضغوط الأمريكية على إسرائيل بإنجاز الاتفاق، وتحقيق مطالب الأسرى، في معالجة إنسانية وقانونية عادلة لأوضاعهم، بعد التعنت الإسرائيلي الذى عبر عنه بوضوح وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان بقوله دعهم يموتون ونتخلص من قضيتهم نهائياً.

ولذا من الصعب النظر لتلك الإجراءات بوصفها إجراءات منفصلة أملتها ظروف الواقع الذى واكب الزيارة وإنما هى جزء من صفقة شاملة يسعى إليها ترامب إلا أن ثمة إشكالية تتعلق بكيفية تعامل إسرائيل معها إذ درجت دوما على تحويل إجراءات دعم الثقة من آلية لإنهاء السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين إلى التمكين والسيطرة أكثر عليهم.

ويبدو أن الراعي الأمريكي يدرك تلك الإشكالية جيدا فبدأ جرينبلات يتابع بنفسه تلك الإجراءات بكل تفاصيلها على الأرض.

2 – مضامين التسوية: حتى الآن لم يبلور الأمريكيون آلية رسمية لإطلاق المفاوضات، لكونهم في حاجة لعنصري الوقت، والتفاوض الرسمي وغير الرسمي من أجل بلورة وثيقة المبادئ التي سوف تحكم عملية التسوية والمتوقع لها الربع الأخير من عام 2017، مما يعنى وضع مبادئ أساسية للحل وتوقيعها من جميع الأطراف، ثم مباشرة مفاوضات سياسية حول التفاصيل في أجواء جديدة وإيجابية.

تتأسس تلك المبادرة على ما يمكن توصيفه بـ المقاربة المتدرجة في معالجة القضايا المتعلقة بالحل النهائي، الحدود، والأمن، والعلاقات مع الدول العربية، ومصير المستوطنات، والقدس بمعنى أن كل ملف من تلك القضايا يعالج بشكل منفصل عن الملفات الاخرى، تفاديا للتشابك الذى يمكن أن يعرقل جهود التسوية، كما حدث من قبل ووفقا لعراب تلك المقاربة، كوشنير، يجرى العمل حاليا مع مختلف الأطراف من أجل اتفاق مبادئ جديد يحكم تلك القضايا قبل صياغته في مبادرة للتسوية على غرار ما حدث في اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، بحيث تصاغ التفاهمات الناجمة عن تلك المقاربة، بعد تراضى الطرفين في شكل الصفقة الكبرى لتمرير عملية التسوية الفلسطينية وتستند مضامين تلك الصفقة إلى ما سماه ترامب مواجهة الفلسطينيين والإسرائيليين القرارات الصعبة التي تحتمها التسوية الشاملة، بما يعنى تنازلات متبادلة، سوف تتباين مضامينها حسب قوة كل طرف.

يشمل التتابع الذى تحمله تلك الرؤية بالإضافة للقضايا المتضمنة التسوية إعادة ترتيب أولوية المبادرة العربية للسلام بحيث يسبق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية او يتزامن مع مفاوضات التسوية وليس تاليا لمخرجاتها، حسب نصها الأصلي عام 2002 إذ نقلت وسائل إعلام أمريكية أن ترامب أبلغ أبو مازن بـ أنه يجب التفكير من خارج الصندوق، والدفع بتحقيق تسوية إقليمية بين إسرائيل والدول العربية تفضى لتطبيع العلاقات بينهما، وبعد ذلك التفريغ لحل القضية الفلسطينية.

وأفاض فى شرح أهمية التطبيع لكونه سيساعد على تقبل الرأي العام الإسرائيلي لتحقيق التسوية مع الفلسطينيين.

وبدا من الزيارة وما أعقبها ان ترامب صار أكثر إلماما بطبيعة الحراك القادم، على ضوء مخرجات هذه اللقاءات والاجتماعات، رغم الشكوك الإسرائيلية بذلك وأكثر رغبة في عدم التماهي المطلق مع الاشتراطات الإسرائيلية، بما يمكنه من أن يشكل وسيطا صالحا للعب دور في الاختراق الصعب ويعد المتغير العربي أساسيا في سياسته حول المسألة التفاوضية الفلسطينية.

إذ خلافا لما جرى الامر عليه في عهد إدارتي أوباما، باتت التغطية العربية أمرا ضروريا ومحوريا يعمل عليه بشكل جدى من خلال سلسلة القمم التي تمت لهذا الغرض في الزيارة أو بعدها.

كان أول الملفات النهائية التي على وشك الحسم استدعاء خطة ” ألن ” التي تحدد جميع الترتيبات الأمنية التي تم التوافق عليها من قبل بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني برعاية أمريكية وتتعلق بمعالجة جميع الهواجس الأمنية، حال انسحاب إسرائيل من الضفة، منها إقامة مطار مدنى للفلسطينيين، وتقوية الجدار على الحدود مع الأردن والتعاون الاستخباري بين إسرائيل والولايات المتحدة، ورغم أن الخطة لم تستكمل بسبب انهيار المفاوضات التي رعتها على نتنياهو ووزير دفاعة موشيه يعلون، ومسئولين بهيئة أركان الجيش، وحظيت بمباركة المستوى العسكري الرفيع، رفضت من قبل يعلون، وانتقدها نتنياهو.

لم يتبن الخطة جرينبلات فحسب، وإنما أيضا مستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر، وبعدما قرر تعيين كريس باومان مسئولا عن المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بمجلس الأمن القومي، وهو كولونيل متقاعد بسلاح الجو الأمريكي، وكان ضمن الطاقم الرفيع الذى عمل على إعداد الخطة بين عامي 2013 و 2014، وفقا للمصادر الإسرائيلية، فإن الضباط الإسرائيليين قدموا لنظرائهم الأمريكيين وثيقة تتضمن 26 نقطة، تم من خلالها تحديد مصالح إسرائيل الأمنية بالضفة، وطلبوا منهم إيجاد حل ناجع لكل نقطة، وجميع النقاط تقريبا كانت الإجابة عليها إيجابية من الطرف الأمريكي، ولقيت موافقة من رئيس قسم التخطيط بهيئة الأركان آنذاك، الجنرال نمرود شفير، الذى اعتقد أن الوثيقة تمكن من الحفاظ على المستوى أمنى معقول بالنسبة لإسرائيل بعد الانسحاب الواسع من الضفة الغربية، الذى سيكون مقرونا باتفاقيات شاملة مع الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، والأردن.

وفي النهاية، تستطيع إدارة ترامب المساعدة، وتشجيع طرفي معادلة التفاوضي على العودة إليها عبر الضغوط، ولكنها لا تستطيع ان تكون مكان حكومة إسرائيل.

فمن يريد أن يغير مستقبل المنطقة وإسرائيل، فعليه، أولا وقبل كل شيء، تغيير نظامها السياسي لذلك، فإن النهج الجديد الذى تسلكه الإدارة الحالية محل اختبار سياسي، لكون التحديات الراهنة أمام نتنياهو وإسرائيل، بخلاف تبدو أكثر جسامة وتعقيدا، بعدما خسرا العديد من المواقف المتشددة قبل إطلاق عملية التفاوض السياسية:

أولها: دعم ترامب حلا نهائيا قائما على هويتين منفصلتين، بحيث بات أقرب لحل الدولتين.

ثانيها: تجميد عملية نقل السفارة الأمريكية للقدس.

ثالثها: دعوته إلى إنهاء السيطرة المباشرة على المنطقة ” ج “، وتعادل 60% من مساحة الضفة، بحيث يستفيد الفلسطينيون منها بعمليات التمدد السكاني والاقتصادي وحتى موعد إطلاق آلية التفاوض الرسمية، على الراعى الأمريكي أن يثبت جدية مساعيه للتسوية السياسية، وأن التحركات الأمريكية ليست ظاهرية فقط، أو مجرد مدخل لإعادة دمج إسرائيل بالمنطقة بتكلفة أقل، بعد تغيير قائمة مصادر التهديد الاستراتيجي الإقليمي.

( مجلة السياسة الدولية: القاهرة، مؤسسة الأهرام، عدد 209، يوليو 2017، صفحة ” 108 – 111 ” )

Exit mobile version