المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

ياسر عرفات في ذكرى ميلاده

قاد سفينة النضال بكل حنكة واقتدار

بقلم لواء ركن/ عرابي كلوب 4/8/2017م

لقد كانت مسيرة ياسر عرفات مليئة بالأحداث التي ظلت دوماً صاخبة، مليئة بالحركة والمفاجآت، عاش اكثر من نصف قرن في ميدان العمل السياسي والعسكري، وفي كل لحظة كان في حياته مواجهة الموت مرات عدة وتغلب عليها بمشيئة الله عز وجل حيث نجا من محاولات اغتيال كثيرة من الأخوة الأشقاء والاعداء على حد سواء.
وفي سياق الحديث عن الزعيم والقائد الشهيد/ ياسر عرفات فأنه لا يستطيع أي باحث موضوعي تجاهل تاريخه وموقعه كرمز للنضال الوطني الفلسطيني ضد الوصاية والهيمنة والاحتواء والتبعية للحركة الوطنية الفلسطينية، قاد مسيرة شعب وثورة أربعين عاماً من النضال من أجل الحرية ونيل الاستقلال الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وانتزاع شرعيته التاريخية عبر نضاله الطويل وشرعيته القانونية عبر صندوق الانتخابات وهو لم يرث رئاسة دولة فلسطين من أحد.
لقد تميز ياسر عرفات بحنكته وفراسته وشجاعته في صناعة القرارات الموضوعية لاتخاذها داخل الحركة الوطنية الفلسطينية وقيادة سفينة النضال لتصل إلى بر الأمان بإذن الله.
ياسر عرفات أحب فلسطين وتعلق بها، وظل يتمنى الشهادة من أجلها، كان رجلاً صبوراً يؤمن بالقدر ومقتنعاً بمقوله (اعقل وتوكل على الله).
ظل ياسر عرفات يشكل على مدى أربعة عقود رمزاً للنضال الوطني الفلسطيني وتحمل أعباء القضية الفلسطينية بكل أبعادها ليتحول من قائد فلسطيني إلى قائد عربي ودولي حظي باحترام الجميع وحفظ مكانة راسخة للشعب الفلسطيني، حيث كان مدافعاً صلباً وعنيداً عن الحق، ومناضلاً ضد الاحتلال وساعياً إلى السلام القائم على الشرعية الدولية.
ياسر عرفات ابن فلسطين ورمزها، صانع حركتها الوطنية المعاصرة، وبطل كل معاركها من أجل الحرية، وحامل رايتنا نحو المستقبل الجديد.
لقد تمسك ياسر عرفات بمبادئ حركة فتح وأهدافها وبالثوابت الوطنية، صمد من أجلها في وجه العدوان الإسرائيلي، وأرتقي شهيداً في سبيلها، حيث نذر نفسه وحياته في خدمة قضيتنا الفلسطينية العادلة، وما من شك بأن الرمز القائد والأب الحنون/ ياسر عرفات كان بقيادته الحكيمة للشعب الفلسطيني ولمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح يشكل ظاهرة فريدة أثارت دائماً أعجاب العالم واهتمامهم واحترامهم له، حيث كان على مدار الأربعين عاماً مثالاً في العطاء والحكمة والتمسك بالموقف الثابت لمنظمة التحرير الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين إلى ديارهم حسب المواثيق والأعراف الدولية.
لقد أحب الناس ياسر عرفات لأنهم أحسوا إحساساً مرهفاً أنه يحبهم.
كان أبو عمار الجامع في حب شعبه والمفرق لأعدائه في عناده، مثبت الحقوق وراسم الخطوط الحمراء التي من الصعبُ أن تتجاوزها أية قيادة، كان صاحب الشخصية التي رسمت في وجداننا صعوبة أن نرى فلسطين من دونه.
كان ياسر عرفات رمزاً للوحدة الوطنية والصمود وتقديم الوطن على الذات، وسوف تبقي في القلوب التي أحبتك وسارت معك وسوف تظل لتسير على ما خططت ورسمت له حتى وأن غبت عنا.
رغم الحصار الجائر الذي فرض على الرئيس/ ياسر عرفات في المقاطعة إلاَّ أنه كان متثبتاً بالأرض الفلسطينية والاستعداد للشهادة في كل لحظة، حيث نجح عرفات في خلق مجتمع فلسطيني مقاوم واحد موحد وقف خلفه في كل الأزمات والمنعطفات.
حمل ياسر عرفات حلم الدولة المستقلة على كتفيه وخاض الكفاح لتحقيق الاستقلال متسلحاً بالشجاعة والأمل، لقد ظل أبو عمار يقاوم ويقاوم حتى الرمق الأخير من حياته، ناضل في كل المحافل الدولية، وتنقل من قطر لأخر، فلم يركن أو يعرف للمقاتل استراحة حيث أستطاع اعلاء صوت فلسطين في المحافل الدولية.
كان أبو عمار المقاتل الشجاع والسياسي المحنك والأب الحنون حيث يستحق منا اليوم تحية إجلال واكبار لروحه الطاهرة وأن نمضي على ذات الدرب الذي رسمه لنا لتجسيد الحلم الذي بدأه ولم يراه، ليتكمل حلم إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف مرفوعاً على مآذنها وكنائسها العلم الفلسطيني، ويجب المحافظة على المبادئ والعبر والدروس التي آمن بها وسار على هديها لنستلهم منها العزم والإصرار على التمسك بحقوقنا والدفاع عن أرضنا ومقدساتنا ودحر الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أرضنا.
عرف ياسر عرفات كيف يكمل أسطورة حياته بالموت، إذ لم يكتف الختيار بتحويل مرضه إلى لغز، بل أكمل الحكاية عبر ذلك الموج الجماهيري الهائل الذي أحتضن نعشه وسخر من الترتيبات الرسمية وحول لحظة إنزال النعش من المروحية لمشهد لا ينسي.
دفع أبو عمار ثمن أصراره على موقفه السياسي حيث حوصر قرابة الثلاث سنوات في مقر المقاطعة في رام الله، وهددت الحكومة الإسرائيلية بقتله مرات متتالية بل واقتربت الدبابات من جدار غرفته، ولكن جوابه كان واضحاً وضوح الشمس ومدوياً شهيداً … شهيداً … شهيداً هذا دربي واختياري منذ عقود طويلة.
رحل أبو عمار ولكن من المستحيل ترحيل القضية، والقضية ستظل مشتعلة بالكفاح الأسطوري طالما يتسمك شعبنا بوحدته وأهدافه.
كان يقول أبو عمار دائماً (ليس فيننا، وليس منا، وليس بيننا من يفرط بذرةٍ تراب من القدس الشريف).
في حياته كان أكبر من كل الكلمات، وفي مماته سيبقي ملئ السمع والبصر على مدى الزمن، سيبقي فينا وبيننا، وسيبقي في مركز الذاكرة قدوة للأجيال القادمة.
أستشهد ياسر عرفات بعد مسيرة نضالية بطولية حافلة خاضها على امتداد عقود طويلة بحنكه وشجاعة واقتدار وبحس عالٍ من المسؤولية في سبيل استرجاع شعبه لحقوقه المشروعة، وسوف نظل الأوفياء محافظين على العهد والقسم حتى نصل بمشيئة الله تعالي إلى مبتغانا ونحقق الحلم الوطني المنشود بإقامة الدولة الفلسطينية، حيث كان يردد دائماً انا مشروع شهادة.
أن غياب ياسر عرفات يمثل منعطفاً في تاريخ الشرق الأوسط.
رحم الله قائدنا ومعلمنا ورمز ثورتنا القائد الرمز الخالد الشهيد/ ياسر عرفات
وأسكنه فسيح جناته وإنا للعهد لحافظين

Exit mobile version