المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الجماعات الإسلامية والاستبداد.. أيهما سبب للأخر؟!

بقلم: محمود سلطان

الفرضية الوحيدة والمعتمدة لدى الباحثين والسياسيين، تقول: إن القمع والاستبداد والانتهاكات والتعذيب والديكتاتوريات عموما، هي التي أدت إلى ظهور تنظيمات الإسلاميين “المتطرفين”!!

وبالتالي، فإن تفكيك الاستبداد ـ بحسب تلك الفرضية ـ سيفضي بالتبعية، إلى تفكيك التنظيمات الإسلامية المتطرفة!

غير أن تلك التنظيمات ظلت على حالها، ولم تتفكك تلقائيا أو بقرار من أعلى سلطة دينية أو تنظيمية بداخلها، بعد ثور يناير، وهي الفترة التي، اختفت فيها تقريبا، كل أدوات الدولة القمعية، منذ جمعة الغضب 28 يناير وإلى الأيام الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي.

لم ينتبه أحد إلى أن احتفاظ التنظيمات الإسلامية، على وجودها وهياكلها، رغم وصول رئيس إسلامي إلى السلطة، وتحول تلك التنظيمات إلى بنية تحتية صلبة، استند إليها مرسي وجماعته، لإخضاع المجتمع للوصاية الدينية والتنظيمية.. أو “تخويفه” وتهديده (مليونيات الإسلاميين المتعددة في الشوارع والميادين).. لم ينتبه أحد إلى أن ذلك، وظف في حشد “الدولة الصلبة ـ 49%” من جديد ، وكمبرر لعودة القبضة الأمنية القاسية، لمواجهة “تهديد” التطرف الديني والجماعات الإسلامية، التي سيطرت على الشارع والمساجد والفضائيات، ولونت منصات وقاعات البرلمان بغرفتيه (الشعب والشورى) ولأول مرة وفي مشهد غريب عن الشعب المصري، باللحى برمزيتها السياسية، كشارة لـ”التطرف”، وافتعال أزمات للمنظرة الدينية وللمزايدة على عوام الإسلاميين(تذكروا مشهد ممدوح إسماعيل وهو يؤذن وسط القاعة أثناء انعقاد إحدى الجلسات).

جدل “التنظيمات ـ الاستبداد”، خضع لاختبار حقيقي هنا في مصر، واتضحت العلاقة بينهما، على عكس الفرضية التي لا يزال العالم ينتظم بها: اختفت بعد يناير ولبضع شهور، الدولة القمعية..وبقيت التنظيمات، فاتخذت الأخيرة ذريعة لعودة الأولى مرة أخرى.

التنظيمات الإسلاميةـ إذن ـ هي المبرر لظهور القمع الرسمي والدول البوليسية، وليس العكس.. ولذا فإن بعض الأنظمة الديكتاتورية، لكي تبقى عفية في بطشها لشعوبها، تعمل بشكل أو بآخر، على تأسيس تلك التنظيمات وتجديدها، كلما تآكلت أو تراجعت: على عبد الله صالح، كان يحمي تنظيم القاعدة، ويتجاهل عملياته الإرهابية، رغم علمه المسبق بها، وذلك ليحظي بالدعم الأمريكي الدائم لنظامه: الإرهاب موجود إذن أنا موجود!.. هذه هي العلاقة الحقيقية بين القمع والاستبداد والتنظيمات الإسلامية.. حيثما وجدت الأخيرة .. توجد الدولة البوليسية التي تستبيح كل شيء من أجل الحفاظ على وجودها ومصالحها.

في تقديري وبحسب زعمي، فإن تفكيك الاستبداد.. والنضال السياسي والحقوقي السلمي من أجل تأسيس الدولة المدنية التي تعلي من حقوق الإنسان، وتعاقب على إساءة استخدام السلطة، والعنف الشرعي (الشرطة).. يبدأ بتفكيك التنظيمات الإسلامية، وإسالتها في المجتمع كمواطنين، ولاؤهم وانتماؤهم للدولة الوطنية وليس لتنظيم أو لجماعة، يمارسون حقوقهم المدنية وفقا للدستور والقانون.

قطع دابر التنظيمات هنا واجب وطني لقطع دابر الاستبداد والديكتاتوريات التي تجعل منها ـ أي من تلك التنظيمات ـ مبررا لوجودها.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

Exit mobile version