المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

وفاء لفيليتسيا لانغر

بقلم: عمر حلمي الغول

عن 88 عاما غادرت المناضلة الأممية فيليتسيا لانغر مشهد الحياة، لكنها باقية ما بقيت البشرية بمآثرها وقيمها وعطائها القانوني وشهاداتها الإنسانية وبدفاعها عن الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني عموما وأسرى الحرية خصوصا.
المناضلة الشجاعة فيليتسيا لانغر ولدت في بولندا لأبوين من اتباع الديانة اليهودية في العشرة الأوائل من الشهر الأخير من عام 1930، هاجرت لإسرائيل الاستعمارية في عام 1950 مع زوجها ميتسيو لانغر، وهي عضو قيادي في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وحصلت على شهادة الحقوق الجامعية عام 1965 من الجامعة العبرية. وركزت جهودها للدفاع عن أسرى الحرية الفلسطينيين امام المحاكم العسكرية، ولم تستسلم يوما أمام بشاعة السياسات الإستعمارية الإسرائيلية. ووضعت ثقلها لإنصاف الشعب الفلسطيي أمام المحافل السياسية والأمنية الإسرائيلية. ولم تترك منبرا أتيح لها الوقوف عليه إلا ورفعت راية الدفاع عن قضية حرية الشعب الفلسطيني دون تردد او تلكؤ. وبجرأة عالية عكست أصالتها، وقوة إيمانها بضرورة تأمين العدالة النسبية للشعب الواقع تحت نير الاستعمار الإسرائيلي. وفي رفضها للطبيعة الكولونيالية الإسرائيلية، قالت: “أنا جزء من إسرائيل الأخرى، أنا مع العدالة ضد كل من يعتقد أن ما يترتب على المحرقة، هو الكراهية والقسوة وعدم الحساسية”. بتعبير دقيق رفضت الربط بين المحرقة النازية الألمانية وبين اضطهاد وكراهية واستعمار الشعب الفلسطيني، الذي لا علاقة له لا من قريب أو بعيد بالهولوكست الأوروبية عموما والألمانية خصوصا.
وبعدما وصلت لطريق مسدود في تغيير واقع الدولة الاستعمارية الإسرائيلية، قررت مغادرتها إلى المانيا عام 1990 للتدريس في إحدى جامعاتها، ورفضت ان تكون جزءا منها، أو غطاء لها، وهو ما أكدته في مقابلة مع صحيفة “الواشنطن بوست” الأميركية بالقول: ” قررت أنه لا يمكن أن أكون ورقة التين لهذا النظام (الإستعماري) بعد الآن. أريد ترك بلدي ليكون نوعا من التظاهر والتعبير عن اليأس والاشمئزاز من النظام، لأننا لسوء الحظ لا نستطيع الحصول على العدالة للفلسطينيين”. وهو ما يدلل على عمق إيمانها تجاه حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني الوطنية، وفي الوقت نفسه، تناقضها الجذري مع مركبات وخيارات الدولة الإستعمارية الإسرائيلية.
وإيمانا منها بالدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني، أصدرت العديد من الكتب لفضح وتعرية الوجه الحقيقي لدولة الاستعمار الإسرائيلية، ومنها “بأم عيني” 1974؛ و”هؤلاء إخواني” 1979؛ و”من مفكرتي” 1980؛ و” القضية التي كتبها الشعب” 1981؛ و”عصر حجري” 1987؛ و”الغضب والأمل” وهو بمثابة المذكرات الشخصية 1993؛ و”الظاهرة والحقيقة في فلسطين” 1999؛ و”الانتفاضة الفلسطينية الجديدة” 2001؛ وغيرها من الأبحاث والدراسات، وجلها تتحدث فيه عن معاناة ومأساة الشعب الفلسطيني، والمطالبة بإنصافه ومنحه حقوقه الوطنية بحدها الأدنى.
فيليتسيا لانغر امرأة من طراز أممي رفيع، صادقة مع نفسها ومبادئها وقيمها وثقافتها الإنسانية، التي نهلتها من تربتها الشيوعية، ومن إيمانها الراسخ بحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وقناعتها المتجذرة بأن الشعب الفلسطيني ليس مسؤولا عما أرتكب ضد اليهود من جرائم في أوروبا عموما وألمانيا الهتلرية خصوصا، وعليه يتحتم على إسرائيل الإستعمارية على اقل تقدير الإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران 1967، وإفساح المجال لاستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لأبناء الشعب الفلسطيني حملة الجنسية الإسرائيلية دون تمييز عنصري من أي نوع.
هذه المرأة البطلة تحتاج من الشعب الفلسطيني وقيادته التكريم والتقدير، وأقترح وفاء لها، أن يتم اطلاق اسمها على أحد الشوارع أو الميادين أو المدارس، وتدوين تجربتها الفذة في الدفاع عن الشعب وقضية أسرى الحرية في منهاج التدريس الثانوي للتعريف بها، وبتجربتها الرائدة، وأيضا لتعليم أبناء الشعب الفلسطيني بأن اتباع الديانة اليهودية ليسوا لونا واحدا، وهناك الإنسان الحقيقي المؤمن بالعدالة وحقوق الشعوب وعلى رأسها الشعب الفلسطيني بحقه في الحرية والحياة الكريمة والاستقلال السياسي الناجز، وهناك اليهودي الصهيوني المستعمر والبغيض، الذي يعمل ضد اليهود والإنسانية عموما، وليس ضد الفلسطينيين فحسب.
ستبقى ذكرى فيليتسيا لانغر حية وراسخة في سجل المدافعين عن العدالة الإنسانية وعن اسرى الحرية الفلسطينيين خصوصا والشعب العربي الفلسطيني عموما. وسيذكر الفلسطينيون لانغر كما يليق بها وبتجربتها الرائدة والمتميزة.
oalghoul@gmail.com

Exit mobile version