المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

مفاوضات إيرانية-إسرائيلية سرية حول قضيتين بارزتين

ما الذي يمكن أن يجري في محادثات بين إيران وإسرائيل؟

يتفق الدبلوماسي الروسي السابق فيتشلاف موتوزوف، ومعه المختص بالشأن الإسرائيلي نظير مجلي، على وجود مفاوضات وحالة من الرسائل المتبادلة بين إيران وإسرائيل في هذه الأثناء برعاية روسية، عنوانها الرئيس منع أي تواجد لإيران والميليشيات الموالية لها في الجنوب السوري أولًا، ثم خروج إيران بشكل كامل من الأراضي السورية ثانيًا.

ويؤكد موتوزوف لـ”كيو بوست” أن روسيا تحاول دائمًا أن تعالج أي قضية على الطريقة السياسية؛ بغية منع الصدامات المسلحة بين الأطراف المعنية، خصوصًا عندما نتحدث عن وقائع الأحداث وتطوراتها في المشهد السوري.

ويشدد موتوزوف على أن المنطقة السورية القريبة من الحدود التي تسيطر عليها إسرائيل حاضرة في هذه المفاوضات، بالتزامن مع استمرار الطائرات الإسرائيلية في تنفيذ غارات جوية ضد أهداف إيرانية في سوريا، وهي الغارات التي يظهر وكأن ثمة قبول روسي ضمني حيالها؛ فموسكو لم ولن تمنع هذه الغارات ما دامت الحجة الإسرائيلية -تواجد قوات “الحرس الثوري” الإيراني والميليشيات التابعة لها في سوريا- قائمة.

المصلحة الروسية العليا

ويقر موتوزوف بأن هناك مصالح واسعة لروسيا في المنطقة، وفي سوريا بشكل خاص؛ وهو تبرير ضمني لقبول روسيا الصامت بالغارات الإسرائيلية، وعدم الاشتباك مع تل أبيب، بل وإدارة مفاوضات بين إيران والدولة العبرية لمنع أي تدهور يضر بمصالح موسكو وما حققته من إنجازات.

ويحاول موتزوف أن يقلل من قيمة المعلومات التي تتحدث عن وجود إيراني مكثف في الجنوب السوري، عبر القول إن طهران تحاول أن تخفف من وطأة ذلك. ولعل السبب في هذه اللهجة الروسية هو خوف موسكو أن يقود إجبار إيران على الخروج من سوريا إلى فتح الباب أمام مطالبة روسيا هي الأخرى بالانسحاب، الأمر الذي لا تريده موسكو؛ فهي لا تناور أو تحاول تأجيل طرد إيران من سوريا من مُنطلق مبدأي؛ بل بسبب خشيتها من أن يأتيَ الدور على الدب الروسي فيما بعد.

وحول عدد العناصر الإيرانية والميليشيات التابعة لها في الأراضي السورية، بدا موتوزوف متناقضًا في لهجته حينما قلل- قصدًا- في بادئ الأمر من حجمها، ثم رأيناه يقول إن عدد عناصر حزب الله اللبناني وحده يصل الى الآلاف.

وتقول مصادر “كيو بوست” إن روسيا تمتعض جدًا من أية أنشطة إيرانية في سوريا تستفز إسرائيل، وتتسبب بأضرار على مصالح موسكو، وتحاول أن توصّل لها -بعيدًا عن الإعلام- رسائل تهديد غير مباشرة، مفادها “أن روسيا لن تستطيع أن تحمي إيران من أي حرب إسرائيلية في نهاية المطاف”.

وبينما يتفق الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي نظير مجلي مع فيتشلاف موزوف على مبدأ المفاوضات الدائرة حاليًا بين طهران وتل أبيب برعاية روسيا، إلا أنه يختلف من ناحية التوصيف والقراءة؛ إذ يقول مجلي -المعروف بسعة اطلاعه على ما يدور في الأروقة السياسية والأمنية في إسرائيل- إن موسكو تلعب دورًا مهمًا في الوساطة بين إيران والدولة العبرية، لا سيما أنها ترتبط بعلاقات جيدة مع كل من إسرائيل وإيران.

مفاوضات غريبة!

ويبين مجلي في حديثه لـ”كيو بوست” أن دور روسيا لا يقتصر على الوساطة فحسب، بل تقدم مقترحات وحلول عدة للقضايا الخلافية أيضًا. لكنه يصف ما يجري بـ”المفاوضات الغريبة” التي تنطوي على كثير من الاستهجان؛ لأن إيران تشكك بنوايا حليفتها روسيا، كما أن إسرائيل نفسها تشك بنوايا روسيا، غير أن الطرفين وبالرغم من ذلك، بحسب مجلي، مضطران لاستخدام القناة الروسية لتبادل الرسائل، وهذا موجود في كل الوقت.

ويضيف مجلي: “الظروف الجديدة الناشئة بعد وصول ترامب لسدة الرئاسة رفعت سقف المطالب الإسرائيلية في التعامل مع الوجود الإيراني في سوريا، ولذلك تهدد إسرائيل بحرب، فيما تحاول روسيا أن تخفف لهيب الحرب والتهديدات الإسرائيلية المرفقة بعمليات قصف مباشرة لأهداف إيرانية”. ولهذا، يرى مجلي أن الجانبين (أي إسرائيل وإيران) يشككان في الدور الوسيط لروسيا، لكنهما بحاجة إليه ويريدانه ويتمسكان به في آن واحد، لأن البديل عن ذلك رسائل بالصواريخ.

وبالتالي، ليس من مصلحة إيران أن تدخل في حرب مع إسرائيل، كما أن الأخيرة تستقوي بالإدارة الأمريكية لاتخاذ أقسى المواقف ضد طهران. ويعتقد نظير مجلي أن إيران تخشى الحرب مع إسرائيل، خصوصًا أنها معزولة عالميًا، ما يضطرها لاتخاذ مواقف مناورة يجعلها تفلت من حرب شرسة، تستغل إسرائيل قوتها أولًا، ثم الدعم الأمريكي ثانيًا لتوجيهها، فضلًا عن التفهم الدولي للمخاوف الإسرائيلية من الأنشطة الإيرانية في المنطقة.

ما الهدف الإيراني من المفاوضات؟

ومن هنا، تحاول إيران جاهدة الدخول في مفاوضات مع إسرائيل، وتبادل الرسائل معها بشكل سلمي، وليس حربيًا.

وتحاول الدولة الفارسية أن تتبع نهج “فن الممكن” للحفاظ على ما حققته من إنجازات في الأرض السورية، رغم أن طموحها بشكله الكامل قد بددته إسرائيل من خلال الضربات الجوية لقواعدها العسكرية ومخططاتها؛ فإيران أرادت أن توسع “الانتصار” بعد نجاحها في العراق، فحسبت أنها تستطيع أن تحقق مشروع “الهلال الخصيب الإيراني”؛ بمعنى الوصول من إيران عبر العراق والأراضي الكردية، فسوريا ولبنان حتى البحر الأبيض المتوسط، علاوة على إقامة ميناء. بَيدَ أن تل أبيب انتبهت لخطورة المشروع وقررت منع طهران بأي ثمن خلال السنتين الأخيرتين، وقد نجحت في ذلك، وفقًا لنظير مجلي.

وماذا عن الحوار الروسي الأمريكي؟

نتيجة الحوارات الروسية الأمريكية، يؤكد نظير مجلي أن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب مستعد أن يبلع قضية أوكرانيا، وأن تتسلم روسيا إدارة الموضوع السوري، لكن بشرط أن يُحسم موضوع إيران في سوريا والمنطقة عمومًا.

إيران من جهتها، لا تريد أن تحول انتصارها المُقلّص في المشهد السوري لخسارة عسكرية أمام إسرائيل، ما يدفعها إلى أن تأمل من المفاوضات كي تتوصل لتفاهمات معينة مع إسرائيل، حتى لو بدا هزيمة لها هنا وهناك؛ فبالمحصلة نظام الخميني يريد أن يحافظ على مكاسبه التي حققها في سوريا، وعدم تطوير الحرب ضده إلى معركة لإسقاط النظام؛ ذلك أن تل أبيب وواشنطن تصران على إسقاط النظام الإيراني كله بما يشمل جميع القيادات الحالية الموجودة.

مآل المفاوضات؟

وحول مخاض المفاوضات الإيرانية-الإسرائيلية، يقول مجلي: “من الصعب أن نقول إنهما سيتوصلان إلى توافق كامل وسلام، لكن جميع الأطراف تريد أن تعبر المرحلة، فيما يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو إلى جني ثمار كل الصراعات الحاصلة في المنطقة والنتائج الناجمة عنها، لتقوية مكانته داخل إسرائيل، لا سيما أنه يواجه تحقيقات في قضايا فساد، والانتخابات العامة تقترب”.

ولهذا فإن نيتيناهو -وفقًا لمجلي- معني باستمرار الاشتباك مع إيران، ولكن على نار هادئة، وبضربة هنا وهناك، بما يعزز رصيده السياسي، فهو غير معني بتطوير الاشتباك لأكثر من ذلك. وفي المقابل، تريد إيران أن تحافظ على مكاسبها، رغم أن الضربات التي تُوجه لها في السر والعلن موجعة ومستنزفة.

ويكشف مجلي عن تقديم إسرائيل خلال المفاوضات التي ترعاها روسيا معلومات ووثائق استخباراتية تحتوي على صور ووثائق تدلل على وجود عناصر إيرانيين في الجنوب السوري وهم يرتدون زي الجيش السوري.

غير أن مجلي يقول إن إيران بدأت تقتنع وتستسلم أمام الفكرة الإسرائيلية الرافضة لأي تواجد لعناصرها وميليشياتها في الجنوب السوري، فيجري الحديث عن ابتعادها لمسافة تُقدر بحوالي ثمانين كيلو مترًا عن الحدود الإسرائيلية-السورية. ويضيف مجلي أنهم يتحدثون عن شبه اتفاق لانسحاب كل الميليشيات من هذه المنطقة تمهيدًا للانكفاء الإيراني بشكل تام من الساحة السورية؛ فإسرائيل لا تريد أن ترى أي عضو من ميليشيات تابعة لإيران في الأراضي السورية.

ويتابع مجلي: “إيران كانت تتمنى لو تعاملت روسيا مع إسرائيل كما داعش، فهي لا تريد لها أن تلعب هذا الدور. لكن روسيا ليست معادية لإسرائيل، ولديها علاقة إستراتيجية مختلفة. كما تربطها علاقة مع مليون ونصف مليون روسي يعيشيون في إسرائيل، ويعتبرون روسيا وطنهم الأول أو الثاني على الأقل. ولهذا، فهمت إيران اللعبة فلا تدخل في صدام مع روسيا… ولكن تتفهم طبيعة العلاقات الروسية-الأمريكية، وكذلك الروسية-الإسرائيلية الجديدة”.

كيو بوست

Exit mobile version