المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

“محميّات” برسم التهجير..

الحارث الحصني

تشي رزمة من العبارات مكتوبة باللغات الثلاثة (العربية والانجليزية والعبرية)، على لوحة ارشادية عند مدخل إحدى الطرق الترابية في منطقة “وادي الفيران”، بالأغوار، بأن أرض المكان للتنزه.. وكيف لا !؟

هذه اللوحة واحدة من عشر لوحات وضعتها سلطات الاحتلال في الأغوار الشمالية، تحمل معظمها اسم محمية “أم زقة”، أو كما يسميها الفلسطينيون “مزوقح”، وهي تجمّع فلسطيني كان يضج بالحياة في القرن الماضي، لكن الاحتلال طرد سكانها الأصليين منها.

هذه المحمية تحوي عشرات آلاف الدونمات من مناطق “السويدة”، و”سمرة”، و”مزوقح”، الرعوية المتعرجة بين الجبال المنتشرة على طول الشريط الحدودي بين الضفتين.

ويلاحظ بالعين المجردة أن هذه المنطقة واحدة من المناطق الرعوية الغنية، التي تحاول سلطات الاحتلال الاستيلاء عليها، وتسهيل وصول المستوطنين إليها.

هذه التعليمات واحدة من مجموعة سياسات استيلاء على المناطق الرعوية، كما يصفها حقوقيون بأنها ملموسة على أرض الواقع.. فكانت واحدة من ضمن التعليمات أنه ممنوع الرعي في هذه المنطقة، بذريعة أنها محمية طبيعية، وهذا يعني أنه ممنوع على أحد جلب مواشيه والرعي في سهولها.

ولعل تواجد أحد المستوطنين، لوحظ وهو يقود عشرات الأبقار على مسافة قريبة من تلك اللوحة فنّد ما كتب عليها.

يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة: “الاحتلال يغلق المراعي أمام الفلسطينيين؛ بحجة أنها محمية طبيعية، لكنه لا يطبق ذلك على المستوطنين.. إنها محميات برسم التهجير !!”

قبل ثلاث سنوات تقريبا، وضع أحد المستوطنين خيمة على قمة جبل في منطقة “السويدة”، وأحضر أبقاره، ومستلزماتها، وبدأ يجوب تلك المناطق.

“عبر ومن خلال هذه اللوحات يستولي الاحتلال وكافة مؤسساته على أراضي الفلسطينيين هنا”. قال دراغمة.

يقول برهان بشارات، وهو أحد سكان خربة “مكحول” التي تلتقي جغرافيا مع خرب “السويدة”، و”مزوقح” وغيرهما: “اليوم لا نستطيع الرعي في هذه المراعي؛ بحجة أنها محمية طبيعية”.

ويضيف: “ما تسمى بسلطة الطبيعة، تلاحقنا إذا اقتربنا من هذه المراعي(..)، أما في المقابل، فإن المستوطن الموجود منذ سنوات قليلة ماضية، يرعى بأبقاره براحته وبحماية قوات الاحتلال اليومية له”.

وبدأت سياسة المطاردة ومنع الفلسطينيين من الرعي، بشكل شبه يومي بعد القدوم الصامت لذلك المستوطن في المنطقة، كما قال دراغمة.

قديما كان الفلسطينيون يرعون بأغنامهم في تلك الخِرب، التي ظلت الحياة فيها لسنوات متأخرة من القرن الماضي، لكن مع تقادم السنوات، بدأ السكان بالرحيل عنها لمناطق ثانية مجبَرين ومكرهين.

يقول مواطنون سكنوا تلك المنطقة، إنها كانت واحدة من أوسع المناطق الرعوية في الأغوار الشمالية.

وخلال الفترة الماضية تكررت حالات احتجاز لعدد من الرعاة الفلسطينيين لساعات طويلة في معسكرات احتلالية في المنطقة.. ومساء اليوم أيضا لاحق المستوطنون رعاة الأغنام الفلسطينيين وطردوهم من المناطق الرعوية، بحماية قوات الاحتلال التي حضرت إلى المكان.

يقول دراغمة، وهو ناشط حقوقي يوثق الانتهاكات اليومية في الأغوار الشمالية: “هذه اللوحات المزيفة، التي وضعها الاحتلال في ثمانينات القرن الماضي، تغلق ما يقارب 35 ألف دونم من المراعي”.

وفي هذه الأيام التي لبست فيها الأغوار حِلتها الخضراء، بعد بداية موسم مطري قوية، يعتمد رعاة الأغنام على المراعي بشكل كبير، لكن الاحتلال يمنعهم من الرعي فيها، بحجة أنها محمية طبيعية.

“شبه يوميا تطاردنا سلطة “الطبيعة”، بحجة أننا في مناطق محمية طبيعية”. قال بشارات، فيما أضاف دراغمة: “في الوقت الذي تمنع فيه سلطات الاحتلال الفلسطينيين من رعي دوابهم في هذه المنطقة، يلاحظ عشرات الأبقار للمستوطنين فيها”.

وبحسب ما نشر على الموقع الالكتروني لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”: “فإن الاحتلال يستغل معظم أراضي منطقة الأغوار، وشمال البحر الميت لاحتياجاته، ويمنع الفلسطينيين من استخدام نحو 85% من المساحة، كالمكوث فيها، ومن البناء، ومن وضع بُنى تحتيّة، ومن رعي الأغنام، ومن فلاحة الأراضي الزراعية”.

Exit mobile version