المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

تقاطع مصالح أم غرق في الفئوية

بقلم: مهند عبد الحميد

هل بقي في جعبة نتنياهو ما لم يقله أو ما لم يفعله في دعايته الانتخابية، قال، انه سيضم المستوطنات الصغيرة والكبيرة ولن يُجلي مستوطنا واحدا. وكان خلف “مكرمة” ترامب بمنح الجولان لإسرائيل، وقبلها أهدي القدس، وشطب مع سيده ترامب “الأونروا” واللاجئين. واتبع أسلوب القرصنة في التعامل مع أموال الضرائب الفلسطينية في محاولته تحطيم رمزية الشهداء والأسرى للشعب الفلسطيني. وأبرم صفقة غامضة مع روسيا تقضي بإعادة رفات جندي إسرائيلي بعد 37 سنة من مقتله، ووعد باستعادة رفات الجاسوس الإسرائيلي كوهين من دمشق، واستضاف رئيس البرازيل، وزار عُمان علنا، وزار وزراؤه أبو ظبي والدوحة، وأعلن تحالفه مع الدول العربية في مواجهة الخطر الإيراني. وشدد على بقاء السيادة الإسرائيلية الكاملة غرب نهر الأردن، وانه سيمنع عودة السلطة الى قطاع غزة، وان إسرائيل عملت وتعمل على فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وتكريس الانقسام الفلسطيني. وقال، ان الهدنة التي أبرمها مع حركة حماس تأتي في هذا السياق.
كان حصاد نتنياهو وفيرا، خلا من أي رتوش دبلوماسية، وأي أقنعة سبق وان استخدمها في دعاياته الانتخابية السابقة، انكشاف نتنياهو بهذا المستوى يعكس عداء مطلقا للشعب الفلسطيني وإمعانا في تصفية قضيته الوطنية والإنسانية، ولم يتورع عن كشف الغطاء عن مواقف أطراف عربية ضالعة في مشروع فصل قطاع غزة عن الضفة. ولم يقم اي اعتبار للنظام والمجتمع الدوليين ولا للقانون الدولي. حصاد نتنياهو الانتخابي يعكس مستوى التطرف والعنصرية المنتشرين داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية وقطاعات واسعة داخل المجتمع الإسرائيلي. مواقف نتنياهو أثارت حفيظة “مصادر أمنية إسرائيلية حين أبدت انزعاجها الشديد من تصريحاته حول قراره منع عودة عباس وسلطته الى غزة تحت أي من الظروف. وقالت المصادر، إن نتنياهو يكشف عن رؤية الدولة وأجهزتها الأمنية لأهداف انتخابية وان ذلك من شأنه ان يثير غضب الوسطاء العرب “مصر وقطر” والذين وضعهم نتنياهو في خانة الشك والعمل ضد السلطة الفلسطينية عبر تثبيت حكم “حماس” في قطاع غزة. وأضافت المصادر الأمنية، ان الاستثمار الإسرائيلي في ترسيخ فصل غزة عن الضفة كبير وان الحديث عن تفصيلاته يضر بالمصالح الأمنية للدولة العبرية محذرة من تبعات إثارة القضية مرة أخرى”. (مصدر الخبر وكالة سما الإخبارية بعنوان “استثمرنا كثيرا في الانقسام وتصريحات نتنياهو تضر بنا”).
مواقف وسياسات نتنياهو أكثر من واضحة وغنية عن التعريف. ما يهم هنا التوقف عند ما يقال عن قبول حركة حماس بتسوية حول قطاع غزة، التي يجوز الاعتقاد بأنها من تجليات صفقة ترامب ان لم تكن جزءا منها. يقول كوبي ميخائيل الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، في مقال نشر في الموقع الإلكتروني للمعهد، “حماس ستبقى الجهة التي تتولى الحكم في قطاع غزة وأنه لا توجد نية لدى إسرائيل للعمل على تفكيكها واستبدالها بقيادة أخرى أو السيطرة على القطاع، لذا ينبغي دراسة إمكانية الموافقة على وجود كيان معاد آخر عند حدود إسرائيل وبلورة إستراتيجية لتسوية العلاقات معه، بما في ذلك من خلال تفاهمات أمنية وحتى قدر من التنسيق الأمني المحدود، بحيث ينشأ احتمال لهدنة مستمرة من العنف وهدوء على طول الحدود ومحيطها”. وتابع، إنه “بمقدور إسرائيل، بمساعدة مصر وتدخل المجتمع الدولي، أن تطور أجهزة تسوية وتعامل مقابل (حماس)، حتى بدون اعتراف متبادل ومن دون علاقة مباشرة. ويفترض بأجهزة التسوية هذه أن توفر ردا ناجعا وسريعا من تلك الموجودة اليوم بما يتعلق بالضائقة الإنسانية في أراضي القطاع، ولجم محاولات (حماس) للمس بإسرائيل، وحتى تحسين قدرتها على الحكم المدني في قطاع غزة” وأنه لا يوجد بالضرورة تناقض في هذه المعادلة. ودعا ميخائيل إلى قبول إسرائيل “لحقيقة وجود كيانين فلسطينيين منفصلين، وإلى منع المصالحة الفلسطينية، وخلص الى أن “الإستراتيجية المقترحة هي السعي إلى تسوية مع “حماس”، من خلال تقويتها وإمكانية أن يسبب ذلك إضعافا لمكانة السلطة الفلسطينية.
كم كبير من المعلومات الإسرائيلية تتحدث عن مشروع تسوية إسرائيلي مع “حماس” في قطاع غزة، ومن الطبيعي عدم الأخذ بالمعلومات الإسرائيلية كمصدر وحيد، او كمصدر موثوق، فقط يمكن اعتمادها كمؤشر بالقدر الذي تتقاطع فيه مع ما يجري في الواقع، ومع ما يعرض من تفاهمات واتفاقات في إطار القوى السياسية او بعض منها. ان مجرد البحث عن تسوية مع نتنياهو او إدارة ترامب ليس من المتعذر معرفة سقفها ومآلاتها. لقد كان نموذج اتفاق أوسلو كافيا للاتعاظ وعدم التكرار او تقديم ما هو أسوأ منه. ما يهم دولة الاحتلال الحيلولة دون حدوث انفجار غزة في وجهها، وضمان الهدوء والأمن الإسرائيلي وإزالة التهديد الأمني القائم والمحتمل، وفصل الضفة عن القطاع، وفصل القطاع عن مهمات الخلاص من الاحتلال واللاجئين والقدس. مقابل ماذا؟ مقابل مسكنات وتحسينات معيشية واقتصادية للسكان بأموال قطرية وعربية، ووعود ببنية تحتية لن تكون أفضل من الوعود السابقة، وسلامة قيادة “حماس” وكادرها السياسي والعسكري من خطر الاستهداف، والاعتراف غير المباشر بسلطة “حماس” في قطاع غزة كبديل للسلطة الرسمية وهو بيت القصيد، والقبول الإسرائيلي بوجود كيانين “معاديين” سلطتين كما كان عليه الحال منذ العام 2007 وحتى الآن.
قد تقول “حماس”، ان ما حدث ويحدث مجرد هدنة، نقايض فيها وقف المقاومة “مؤقتا” بفك الحصار والخروج من حالة الاختناق، ولا يوجد فيها اعتراف بإسرائيل ولا تنازل عن الحقوق التاريخية ولا عن أي شيء، بما في ذلك لا تنازل عن سلاح المقاومة، ونستطيع قلب الطاولة في أي وقت. من قال ان نتنياهو وحلفه الحاكم يريدون اعترافا من قبل فلسطينيين سواء كانوا سلطة “فتح” او سلطة “حماس” لا يعترفون بوجود وحقوق شعبهم اصلا. ومن قال انهم يريدون تجريد المقاومة من سلاحها، يريدون فقط تغيير استخدام السلاح. ومن قال انهم سيخلصون الشعب من محنته، وهم الذين صنعوا المحنة وجاء دور توظيفها بابتزاز الحركة السياسية لتخفيفها.
الخلاف ليس على وقف العدوان الإسرائيلي، فلا مصلحة للشعب في استمرار العدوان او التهديد به، الخلاف وبعيدا عن تقاطع المصالح والغرق في الفئوية ينحصر في ضرورة البحث عن حل فلسطيني – فلسطيني أولا، كونه ضمانة للصمود وللشرعية في مواجهة تحدي ترامب – نتنياهو.

Exit mobile version