المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

كيف شرعنت حماس مفاوضاتها مع إسرائيل؟ من النفي حتى الاعتراف

كيف بررت حماس لنفسها المفاوضات مع إسرائيل وحرمتها على غيرها؟

“بعد أن حرّموها على السلطة الفلسطينية، مسؤولو حماس، وإعلامها، وكتابها، ومناصروها، يشرعنون المفاوضات مع إسرائيل، ويشددون على وجوب الخوض فيها، بعضهم يهاجمون من ينتقد المحادثات، والبعض الآخر يمنح حماس شرعية دينية حصرية، تخولها إجراء محادثات مع العدو”، هذا ما ذكره الباحث الأمريكي “إس شنايدمان”، في دراسته المنشورة في “معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط” الأمريكي.

من الواضح أن هناك تغييرًا كبيرًا في خطاب حماس في الآونة الأخيرة، فقد بدأت الحركة بشرعنة الاتصال والتواصل مع إسرائيل. جميعنا نعرف أن حماس اعتادت على مهاجمة السلطة الفلسطينية وفتح إزاء أي مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، لكن مسؤولي حماس، الآن، يؤكدون على “ضرورة” إجراء مفاوضات مع الاحتلال ووقف إطلاق النار. لقد ظهر هذا التغيير للمرة الأولى في أواخر يونيو/حزيران 2018 على مواقع التواصل الاجتماعي، عندما بدأ الصحفيون والنشطاء الموالون لحماس في غزة بنشر رسائل لصالح الاتفاق مع إسرائيل، والترويج لضرورة إجراء مفاوضات معها.

يبدو أن حماس سعت في بادئ الأمر إلى تهيئة المزاج العام قبل تغيير موقفها بشكل رسمي. فعلى سبيل المثال، كتب الصحفي الموالي لحماس، إبراهيم المدهون، على صفحته على فيس بوك، بتاريخ 21 حزيران/يونيو: “أعتقد أن حماس لن تعارض أي اتفاق يجري بموجبه تحرير غزة ورفع الحصار عنها”. وفي اليوم ذاته، كتب الناشط في حماس، المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية في غزة، إسلام شهوان، منشورًا يدعو فيه إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وقال: “ماذا سيحدث لو دعا صناع القرار في غزة قادة الاحتلال إلى الاجتماع في معبر بيت حانون على الحدود، لمناقشة الوضع المأساوي في غزة، ولإيجاد حل مباشر مرضٍ للطرفين؟”. بينما كتب الصحفي المعروف بموالاته لحماس، أحمد منصور، منشورًا مشابهًا قال فيه: “أدعو الصليب الأحمر إلى بدء حوار مباشر بين إسرائيل وحماس، بدون وسطاء، وجهًا لوجه، بغرض تعزيز اتفاقية تمنع الطرفين من الانزلاق في الهاوية، وأيضًا من أجل محاولة خلق واقع مختلف”.

وبعد هذه التصريحات بفترة وجيزة، بدأ مسؤولو حماس أنفسهم بالحديث حول “الحاجة إلى إجراء مفاوضات مع إسرائيل”، من خلال بيانات الحركة ومواقعها الإلكترونية. وقد اعترف قادة حماس والناطقون باسمها أن هناك جهودًا جارية للتوصل إلى ترتيب طويل المدى في غزة، وبرروا تغيير موقفهم إزاء المفاوضات مع إسرائيل بشعار “إنهاء الحصار وتخفيف الأزمة الإنسانية”. كما أن صحيفتي “الرسالة” و”فلسطين” التابعتين لحماس نشرتا مقالات مطولة تدافع عن المفاوضات مع إسرائيل تحت مبرر “تحقيق أهداف مؤقتة” مثل “رفع الحصار” و”الوقاية من الحرب”.

التقارير حول الاتصالات بين حماس وإسرائيل أغضبت الكثير من الفلسطينيين إزاء انزلاق حماس نحو المبادرة الأمريكية المعروفة باسم “صفقة القرن”، حتى أن البعض اتهمها بـ”الخيانة” و”بيع المبادئ الوطنية الفلسطينية مقابل الإغاثة الاقتصادية” و”العمل على جعل غزة دولة منفصلة”.

وتجدر الإشارة إلى أن حماس، برغم تحريمها للمفاوضات بين السلطة وإسرائيل، سبق أن أجرت مفاوضات غير مباشرة مع الإسرائيليين عام 2015، تحت ذريعة “إنهاء الحصار وتخفيف معاناة سكان غزة”. لكن الفارق اليوم أن هناك أصواتًا في حماس خرجت لتدعو إلى “تقييد العمل المسلح”.

التدرّج من النفي حتى الاعتراف – مبررات وذرائع لشرعنة المفاوضات

من الجدير ذكره أن حماس نفت قبولها المفاوضات مع إسرائيل في بادئ الأمر، لكنها تدرجت في تهيئة الظروف أمام مناصريها باستخدام تبريرات عدة.

في أواخر مايو/أيار 2018، اعترفت حماس بتلقيها مقترحات حول اتفاقية لوقف إطلاق نار طويل المدى، لكنها مسؤوليها نفوا وجود أي مفاوضات مع إسرائيل، حتى لو كانت غير مباشرة. فعلى سبيل المثال، أكد عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق، في 30 مايو/أيار، أن حماس تلقت مقترحات شفهية بشأن المساعدات إلى غزة، لكنه نفى التفاوض حول وقف إطلاق النار. وبالمثل، اعترف مسؤولون آخرون في حماس بتلقيهم مقترحات، ونفوا إمكانية قبول المفاوضات مع إسرائيل حتى لو كانت على حلول مؤقتة أو جزئية.

وبعد هذا التمهيد، خرج إسماعيل هنية في 6 يونيو/حزيران ليعطي مبررًا رسميًا لموقف الحركة الجديد، بالقول إن “الشعب الفلسطيني وفئاته المختلفة مستعدون للنظر في أي مبادرة حقيقية تضع حدًا كاملًا للحصار”. كذلك تناول عضو المكتب السياسي للحركة، خليل الحية، هذا الموضوع، وقال: “عند النظر في اتفاقية لوقف إطلاق النار، لن نتنازل عن حق العودة”.

لكن الإثارة ارتفعت عندما كشف المبعوث القطري محمد العمادي في أوائل تموز/يوليو أن هناك مفاوضات غير مباشرة جارية بين إسرائيل وحماس، ما أثار حفيظة واحتجاجات الفلسطينيين، فسارع مسؤولو حماس إلى إنكار وجود مثل هذه المفاوضات؛ فعلى سبيل المثال، نفى المسؤول في حماس، غازي حمد، على قناة الميادين الفضائية، وجود هكذا محادثات، وادعى أن “حماس سترحب فقط بمقترحات المشاريع الإنسانية”. وعلى المنوال ذاته، شدد مسؤول حماس إسماعيل رضوان على “عدم وجود مفاوضات مع الاحتلال، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة”، لكنه أضاف أن الحركة لن تعارض أي “مقترحات دولية تقيد هجمات الاحتلال”، كنوع من التبرير في حال جرى الكشف عن وجود مفاوضات في الأيام التالية.

ولكن، مع تضاعف التقارير حول وجود المفاوضات، ومع ظهور تفاصيل دقيقة حولها، اضطر مسؤولو حماس إلى الاعتراف بوجود مفاوضات جارية، وبدأوا يتحدثون بحرية أكثر عنها. وللتخفيف من وطأة هذا الخبر، استخدمت حماس مجموعة من المبررات، اشتملت على “عدم التعاون مع صفقة القرن”، و”عدم قبول فصل غزة عن الضفة”، و”عدم التخلي عن مبادئ الحركة”. لكن اللافت للانتباه أن بعضهم منح حماس “شرعية دينية” لإجراء مفاوضات، تحت ذريعة أن “النبي تفاوض مع أعدائه”.

وبعد ذلك، انطلق المتحدثون باسم حماس للحديث عن المفاوضات علانية، لكن باستخدام شعارات للتخفيف من حدة ردود الفعل الفلسطينية الغاضبة؛ ففي 4 تموز/يوليو، أكد القيادي في حماس أسامة حمدان أن “الحوار بالوساطة بين حماس وإسرائيل يهدف إلى تحسين أوضاع غزة المعيشية”، بينما قال خليل الحية في اليوم ذاته إن “مقاومتنا ستستمر حتى تحرير كامل تراب فلسطين”.

وحتى محمود الزهار، فبعد أن عارض حدوث أي شكل من أشكال المفاوضات مع إسرائيل خلال حديثه مع قناة الجزيرة، يوم 11 يونيو/حزيران، اضطر -بعد شهر واحد- إلى تبرير وجود تفاوض حول اتفاقية، بالقول إن “وقف إطلاق النار في صالحنا، هو مجرد إجراء إنساني لصالح أبناء غزة”، بل وذهب إلى التأكيد على وجود مسارين للمفاوضات “أحدهما حول ملف تبادل الأسرى، والآخر حول اتفاقية وقف إطلاق النار بعيد المدى”. أما إسماعيل هنية، فاعترف رسميًا بوجود مفاوضات في 21 آب/أغسطس، مبررًا ذلك بـ”التفاوض من موقف قوة وقدرة، دون التخلي عن تضحيات شعبنا”.

منح الشرعية الدينية لإجراء المفاوضات

اضطر بعض مسؤولي حماس إلى إعطاء المفاوضات صبغة دينية، من أجل تبرير موقف حماس إزاء تحريم مفاوضات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل. وعلى سبيل المثال، بعد شهر كامل من إنكاره وجود مفاوضات، شدد غازي حمد على أن “المفاوضات مشروعة من وجهة نظر إسلامية”، لأن “النبي وغيره من القادة المسلمين القدماء تفاوضوا مع أعدائهم”.

وأضاف: “على الفلسطينيين تأمين مصالحهم وفقًا للظروف المتغيرة، والمفاوضات هي أفضل طريقة لتحقيق ذلك”. لكن الغريب في الأمر أن حمد كان صريحًا في تحليل المفاوضات على حماس وتحريمها على السلطة، إذ قال صراحةً إن “مفاوضات منظمة التحرير بلا أسنان، ولا تحظى بإجماع فلسطيني، ومبنية على قرارات حصرية من فتح”، لكنه تناسى أن مفاوضات حماس هي كذلك استندت إلى قرارات حصرية من الحركة ولا تحظى بإجماع فلسطيني. علاوة على ذلك، كان حمد قد أكد في مناسبة أخرى أن “المفاوضات مع إسرائيل تجري حول وقف مؤقت لإطلاق النار”، وتناسى موقف الحركة المعلن سابقًا إزاء رفض “الحلول المؤقتة والجزئية”.

صحف ومجلات حمساوية: المفاوضات شكل من أشكال المقاومة

على غرار خطاب مسؤولي حماس، شدد إعلام الحركة في الآونة الأخيرة على “شرعية المفاوضات” باستخدام ذريعة “الحاجة” إلى وقف إطلاق النار؛ فقد كتب الصحفي التابع لحماس، وسام أبو شمالة، في جريدة الرسالة، أن “مفاوضات حماس مشروعة لأنها تخدم مصالح مؤقتة، ولا ينبغي مقارنتها بمفاوضات منظمة التحرير”، وأضاف: “ليس هناك ما يمنع من التفاوض مع إسرائيل”. لكن اللافت أكثر، هو قوله إن “المفاوضات بين حماس وإسرائيل شكل من أشكال المقاومة”.

أما كاتب العمود في جريدة الرسالة، عماد عفانة، فأشار إلى ضرورة وجود حماس كطرف مفاوض بزعم أن “حماس أصبحت اللاعب الرئيس على الساحة الفلسطينية، وبالتالي وجوب الاشتراك في المحادثات السياسية”. وذهب عفانة إلى حد الادعاء بأن “صناع السياسة في المنطقة يدركون أن حماس هي أهم لاعب على الساحة الفلسطينية، وبالتالي عليها استغلال شعبيتها لتحقيق إنجاز سياسي من خلال المفاوضات”. لكن الغريب هو أن عفانة اعتبر أن “ثمار مسيرات العودة التي نظمتها حماس تجلت في الحوار السياسي مع العدو”. من جانبه، اعتبر كاتب العمود في صحيفة “فلسطين” الحمساوية، فايز أبو شمالة، أن “التفاوض على وقف إطلاق النار مع إسرائيل هي مصلحة سياسية إقليمية”.

وهاجم الصحفي الحمساوي عصام يوسف “أولئك الذين يعارضون ترتيب الأوضاع مع إسرائيل”، واتهمهم بـ”تفضيل الاعتبارات السياسية وتجاهل احتياجات غزة”، كما شدد على أن “التسوية مع إسرائيل ضرورة ملحة في المرحلة الحالية”. ومن أجل تبرير موقفه، ردد المبررات المذكورة سابقًا ذاتها.

كما عبّر الصحفي المناصر لحماس، حسام الدجاني، في صحيفة “فلسطين”، عن دعمه لإجراء مفاوضات مع إسرائيل، والتوصل إلى اتفاقية “من أجل الوقاية من الحرب على غزة”. ومن اللافت للانتباه أن الدجاني كان صريحًا بما يكفي للقول: “إن أفضل سيناريو هو اتفاقية تحصل فيها تنازلات من كلا الطرفين من أجل تأخير الجولة القادمة من القتال”، وأضاف أن “الاتفاقية بين حماس وإسرائيل هي السيناريو الأقل كلفة للطرفين، لكنها بحاجة إلى تنازلات مؤلمة من كل طرف”. وأنهى مقالته بالقول: “على الفلسطينيين والمجتمع الدولي أن يبذلوا جهودهم لتعزيز سيناريو الاتفاق”.

وأخيرًا، برر الصحفي الموالي لحماس، إياد القرا، المفاوضات بالقول: “على جميع الأطراف أن تتحمل مسؤولياتها وأن تمنع الحرب بين إسرائيل وحماس، من خلال التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، من أجل تجنب المواجهة المقبلة”.

المصدر: “معهد بحوث وإعلام الشرق الأوسط” الأمريكي

ترجمة كيو بوست

Exit mobile version