المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الخروج من المتاهه 2 – نحو تنظيم تمثيل سياسي اجتماعي جديد للأقلية الفلسطينية في إسرائيل

مقال بصفحة 82
الكاتب والمحلل والمفكر السياسي رائف حسين

الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل التي جرت في بداية اذار من العام الجاري أظهرت جلياً المأزق السياسي المتفاقم للاقلية الفلسطينيه في الداخل وهذا رغم النجاح العددي الكبير الذي حققته القائمة المشتركة بحولها على 15 مقعدا في الكنيست.
البرنامج الانتخابي للقائمة المشتركه تمحور على نقطتين اساسيتين: الاولى اسقاط نتانياهو وفتح باب السجن له والثانية اسقاط اليمين ومنعه من تشكيل حكومه في اسرائيل.
بعد كل ما جرى من انقسامات واصطفافات داخل المعسكر الصهيوني بعد الانتخابات وتشكيل حكومة يشارك بها طيف من الحركات والاحزاب والشخصيات الصهيونيه التي تتوحد على ايدلوجية جديدة, بدأ نتانياهو منذ سنة 2006 على بلورتها وتطويرها واسميها النتانياهويه او الصهيونيه الثانيه ومن اعمدتها المركزية:

  1. يهودية الدولة ومكانة مميزة للاكثرية اليهودية… اي عنصرية مؤسساساتيه مدعومة بقوانين. وولاء “العرب في اسرائيل” هو شرط مشاركتهم “بالديمقراطيه”
  2. لا لدولة فلسطينية كاملة السيادة بين الاردن واسرائيل… هذا يعني ضم اراضي فلسطينية وتهجير أهلها
  3. التطبيع هو مفتاح لشرق اوسط جديد وليس حل القضية الفلسطينيه
  4. “العرب في أسرائيل” هم خطر ديمغرافي وسياسي

نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة والاجماع الصهيوني الجديد وضع العمل السياسي الفلسطيني داخل اسرائيل وفي الاراضي المحتلة عام 1967 في مأزق كبير جدا واظهر عورة العمل السياسي الفلسطيني الذي تنقصه استراتيجية واضحه حول مستقبل الاقلية الفلسطينية في اسرائيل ودورها في النظام السياسي هناك.
ما زال هناك وجهتا نظر داخل النخبة السياسية الفلسطينية بخصوص الدور الذي عليهم لعبه ضمن “الديمقراطيه ألاسرائيليه” ومستقبل العلاقة مع الدولة:
الرأي الاول يتبناه الحزب الشيوعي الاسرائيلي والذي لم يتغير منذ عشرات السنين والمبني على ما يسمى “النضال العربي اليهودي المشترك” من اجل المساواه.
والرأي الثاني الذي يتبناه التجمع الديمقراطي وحركات صغيره اخرى والذي يرى الخلاص بالاعتراف بالفسطينيين كاقليه قوميه وبناء علاقة جديدة داخل الدولة.
في كلا الحالتين وبعيدا الان عن تقييمهن, يتطلب الامر بداية تنظيم داخلي جديد للاقلية الفلسطينيه لتستطيع مواجهة النتانياهوية بواقعيه ووحدة الصف بعيدا عن العمل الزبائني الضيق. هذا يتطلب اولا بناء قاعده متينة مبنية على التشابك بعيدا عن الاشتباك وتعتمد الديمقراطيه اساسا لبناء المؤسسات وليس المحاصصة.
اعرض في الصفحات القادمة اقتراح متكامل للنهوض بلجنة المتابعه واعادة بناءها على اسس جديدة. هذا الاقتراح قدمته وتم نشر يغته الاولى في مايو 2019.

النظام السياسي للأقلية الفلسطينية في الداخل يرتكز على ثلاثة أعمدة أساسية :

  1. أعضاء الكنيست عن الأحزاب والحركات الفلسطينيه
  2. رؤساء البلديات والمجالس المحلية الفلسطينية
  3. لجنة المتابعة العليا

أعضاء الكنيست يتم انتخابهم وفق لوائح داخلية تضعها الأحزاب والحركات السياسية كما هو معهود في كل بلد فيه تعددية حزبيه. تركيبة اللوائح واختيار المرشحين يقوم به أعضاء الحزب أو الحركة السياسية… وهؤلاء، أي المنتمون رسمياً للأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية في الداخل نسبة ضئيلة جداً من المليون ونصف فلسطيني بالداخل .
العمل التنظيمي السياسي في الداخل الفلسطيني ما زال بأغلبيته وبجوانبه المتعددة يعتمد على الشخصنه والانتماء العائلي القبلي في اكثر الأحيان… الأحزاب والحركات السياسية تطل على الجماهير وتتواصل معها موسميا او قبل الانتخابات وما عدا ذلك، تكاد العلاقه بين المواطن الفلسطيني العادي والنخب السياسية ان تكون شبه معدومه.
النخبة السياسية لم تستطع ان تقنع فلول الجماهير بانها تحمل هم المواطن العادي يوميا وتعمل على الدفاع عن مصالحه في برلمان الدولة الذي تتجه معظم الأحزاب اليهودية الممثلة به نحو اليمين والتطرف وإقصاء الاقليه الفلسطينيه بقوانين عنصريه تجعل المواطن الفلسطيني صاحب البلد الأصلي ضيف غير مرغوب به في بلده … المشاركة والعمل البرلماني لممثلي الاقليه الفلسطينيه ما زال، ورغم إنجازات عديده في مجال الخدمات والبنية التحتية، بعيون الاكثريه، كما أظهرت نتائج الانتخابات الاخيرة، عمل غير مجدي والمشاركة بالانتخابات والكنيست، هكذا تراها شريكه واسعة من ابناء الاقليه الفلسطينيه، ما هي الا ورقة توت لإخفاء عورة الديمقراطية الصهيونيه المزعومه. هذا الانطباع الاحباطي التقوقعي، إلى جانب أسباب عديده أخرى، دفع حوالي 65% من اصحاب حق الاقتراع الى التصويت للأحزاب الصهيونيه او مقاطعة الانتخابات كلياً. اضافة لهذه الحقيقة أتى رفع نسبة الحسم لدخول الكنيست إلى إقصاء حركات سياسيه صغيره وحصر التمثيل بالكنيست بالأحزاب والحركات الكبيرة وزادت بهذا هيمنتها على النظام السياسي لفلسطينيي الداخل في وقت هم، فلسطينيو الداخل، بحاجة ماسة إلى تكاتف ورص الصفوف للوقوف أمام الهجمة العنصرية الاقصائية لهم من قبل المؤسسة الصهيونية.
الازمة السياسية للاقليه الفلسطينيه بالداخل هي ليست فقط أزمة بنيويه تنظيميه وقيادية للأحزاب والحركات السياسية، بل هي أيضاً أزمة انعدام تقديم برنامج نضالي واستراتيجية صمود وتحدي…وهي دون ادنى شك ازمة هوية وطنيه أيضاً.
النخبة السياسية لفلسطيني الداخل ممثلة بأحزابها وحركاتها السياسية، خصوصاً الأربعه الممثلون بالكنيست، وصلت باستراتيجيتها التي تصبوا للحصول بها على مساواة كاملة ضمن الدولة ومؤسساتها المختلفة والحصول بهذا على مواطنة شاملة، بعد عقود من النضال إلى طريق مسدود… في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ظهر الإفلاس السياسي علناً عندما استمرت هذه الحركات بنفس الاستراتيجية الفاشلة ورفعت شعارات أربكت الجماهير وزادت من قلة ثقتها بها وببرامجها السياسية .
الأزمة الاجتماعية والسياسية لفلسطيني الداخل تظهر أيضاً في انتخابات المجالس المحلية والبلديات… اذ ان هذه ما زالت مستنده بالدرجة الأولى إلى العائلية والتعصب الحمائلي ولم تستطع الأحزاب والحركات السياسية بمختلف ألوانها وأيديولوجياتها ان تقدم نفسها بديلاً عن الوضع القائم. وما زال الصراع فقط على الرئاسة بالدرجة الأولى كون رئيس المجلس أو البلدية هو ” الحاكم بأمر الله” في البلد وذلك من اصغر المشاريع إلى اكبرها… وما زال العمل بهذه الهيئات انفرادي تقريباً، كل بلد لوحده، رغم القرب الجغرافي للبلدات الفلسطينية ورغم همومهم وأزماتهم المشتركة من خدمات وبنية تحتيه وطموحات جماهيريه.
محاولة القيادات السياسية والاجتماعية لفلسطيني الداخل بتوحيد صفوفهم بهيئة عليا تمثلهم أمام المؤسسة الصهيونية الحاكمة تكلل بتأسيس “لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل”. هذه اللجنة هي كيان سياسي لا حزبي أقيم عام 1982 بهدف شمل وتركيز العمل السياسي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل والتنسيق بين مؤسساته. يشارك في لجنة المتابعة رؤساء السطات المحلية الفلسطينيه وأعضاء الكنيست الفلسطينيون من الأحزاب التي تمثل القضايا الفلسطينيه وممثلين عن أحزاب سياسية وتنظيمات فلسطينية غير برلمانية. لجنة المتابعة هي هيئة معينة وفق اجندة غامضه لا يستطيع المواطن العادي ان يتتبعها ويفهم أهميتها لذا بقيت هذه اللجنة رمزية وغير مترسخة في عقول الجماهير وفي وعيهم السياسي اليومي وهمومهم الحياتية.
هذه اللجنة بقيت باد اكثر من ثلاثة عقود من تأسيسها ” نمر بدون انياب” ولم يتم الاعتراف بها رسمياً من قبل المؤسسة الصهيونية كون القوى المهيمنة على هذه اللجنة لم تقدم على المطالبة الجادة بالاعتراف بالأقلية الفلسطينية كأقلية وطنيه كما تراه قرارات الأمم المتحدة من العام 1992 وأبقت خطابها وجوهره الأساسي على استراتيجية الاندماج بالمجتمع الاسرائيلي للحصول على مساواة كاملة مع تقديم مشاريع قانونية خجولة أمام الكنيست للاعتراف بهم كأقلية قوميه عربية، وبقيت هذه القوى تتخبط وتتأرجح بين الهوية القومية والهوية الوطنية مربكة نفسها ومربكة الجماهير أيضاً .
آسرائيل، مجتمعاً يهودياً ودولة بمؤسساتها والدولة العميقة، تحولت وتغيرت من إسرائيل الأولى إلى إسرائيل الثانية وثم إلى اسرائيل الثالثة التي هندسها وبناها نتانياهو منذ العام 2006 وحتى الان… اسرائيل الثالثة برهنت عنصريتها واستراتيجيتها المبنية على إقصائها لأهل البلد الأصليين، الاقليه الفلسطينيه، بقانون القومية وسلسلة قوانين عنصرية أخرى لم تنتهي بعد…

النخبة السياسية لفلسطيني الداخل تعيش داخل هذا التغيير بالدولة والمجتمع وتراقبه وتكتوي بناره يوماً بعد يوم لكنها لا تملك الجرأة لتغيير استراتيجيتها … النخبة السياسية ممثلة بالأربع احزاب والحركات التي وصلت إلى الكنيست لا تؤمن بان الحقوق تنتزع ولا تعطى وان الاعتراف بفلسطينيي الداخل كأقلية وطنية لا يبدأ بسن قانون بالكنيست الصهيوني بل يبدأ بتجسيد الهوية الوطنية الفلسطينيه بمؤسسات تمثيلية منتخبة من قبل الجماهير .
النخبة السياسية لفلسطيني الداخل لم تجب، رغم التغيرات الدراماتيكية التي مرت بها الدولة الاسرائيلية ونظامها السياسي، على سؤالين أساسيين :

الإجابة على هذين السؤالين هي القاعدة الأساسية لاتباع استراتيجية جديدة وتوجه سياسي اجتماعي بعيد الأمد يصلح بهما اخطاء الماضي ويصوب المسار السياسي الوطني لفلسطيني الداخل ويعيد ثقة الجماهير بجدوى العمل السياسي والنضال السياسي والاجتماعي والمؤسساتي لتثبيت مكانتهم على ارض اجدادهم في وطنهم.
الإجابة على هذين السؤالين يبدأ أولاً بتصحيح التعريف بهوية الاقليه … الهوية الوطنية الفلسطينية هي الهوية التي كانت مستهدفة منذ اليوم الأول لصياغة المشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين وبداية تنفيذه بمساعده بريطانيا… الهوية القومية ألعربيه لم تكن يوم بخطر. اسرائيل الأولى ادركت هذا الأمر وسمحت بممارسة الهوية العربية بطولها وعرضها وحاربت كل توجه لإظهار الهوية الوطنية الفلسطينيه بكل ما تملك من قوة أمنية وتشريعية قانونيه.
الثغرة الإيجابية التي فتحتها اتفاقية أوسلو بالسماح لفلسطينيي الداخل بالاجهار بهويتهم الوطنية وإعادة اكتشافها من قبل الشباب وشرائح واسعة من الاقليه الفلسطينيه ومحاولة ترسيخها بوسائل وفعاليات مختلفة ومتنوعة لم يتم حتى الان استغلالها من قبل النخبة السياسية وبقيت هذه متأخرة بطرحها وتصويب استراتيجيتها في الوقت الذي قطعت الجماهير شوط كبير في هذا المجال مما زاد من الهوة بين الجماهير والقوى السياسية.

الانتخابات البرلمانية الأخيرة، رغم التخبط الذي حصل بقرار فك القائمة المشتركة وخسارة النخبة السياسية لثقة الجماهير بها وبقدراتها والنتائج المتواضعة التي حصلت عليها القائمتين الفلسطينيتين اللتا خاضتا الانتخابات، الا انها أظهرت أيضاً أمراً إيجابياً يمكن البناء عليه لرسم استراتيجية وطنية جديدة للأقلية الفلسطينية بإسرائيل … الجماهير، أفراداً ومؤسسات مجتمع مدني، أصبحت تطالب بدمقرطة النظام السياسي للأقلية الوطنية الفلسطينيه، ديمقراطية تشارك بها اكبر كمية من القوى السياسية والاجتماعية بالتكافئ وانتخابات المؤسسات بعيدة عن هيمنة الأحزاب والحركات التقليدية التي افلست سياسياً وعوقبت من قبل الجماهير بالانتخابات الأخيرة.
رغم المطالبة المحقة من قبل العديد من المثقفين والناشطين السياسيين من مختلف الاتجاهات والتي تشير مبدئيا إلى الاتجاه الصحيح بإجراء انتخابات للجنة المتابعة العليا، الا ان انتخابات لهذه المؤسسة المهمة، بأجندتها المؤسساتية الحالية وبعلاقتها بمكونات النظام السياسي للاقليه الفلسطينية المعمول بها منذ تأسيسها لن يغير الكثير ولن يمكن هذه المؤسسة ان تقوم بدورها كممثل اول للأقلية الفلسطينيه وتدويل قضيتهم وطرحها بالمحافل الدولية بمساعدة أعضاء الكنيست الفلسطينيون كما وان هذا الأمر لن يزيد من ثقة الجماهير بالعمل السياسي بدرجة ملحوظه.
استغل هذه المقالة لأقدم بنهايتها استراتيجية اولية لإعادة بناء ” لجنة المتابعة” على أسس ديمقراطية متينة تجعلها المؤسسة التمثيلية الأولى والأساسية لنضال الأقلية الفلسطينيه لانتزاع حقوقهم كأقلية وطنيه وفق القوانين والأعراف الدولية المتعارف عليها والنضال من اجل استقلال ثقافي ذاتي داخل الدولة.
بداية وحتى يكون اسم الهيئة الجديدة ملائم لمهامها المستقبلية ومكانتها السياسية المستقبيلية اقترح اسم جديد: ” المجلس الأعلى للأقلية الفلسطينيه في اسرائيل” .
استراتيجيتي للمجلس الأعلى التي عنونتها بمفتاح الخروج من المتاهه ترى الخطوات التالية:
(بعض الخطوات ممكن دمجها أو تغيير ترتيبها حسب الحاجة الزمنية التي يفرضها العمل بالحقل)

  1. لجنة مركزيه تضم كل رؤساء القوائم الممثلة بالمجلس اضافة الى أعضاء الكنيست عن الأحزاب والحركات الفلسطينيه
  2. لجنة تنفيذيه؛ يقوم المجلس بانتخاب لجنة تنفيذيه لا تتعدى الخمسة عشر عضو من بين أعضاءه يرأسها رئيس اللجنة التنفيذيه الذي يتم انتخابه من بين أعضاء اللجنة وتحدد الرئاسة فقط لفترتين انتخابيتين باقصى حد. أعضاء اللجنة التنفيذيه يتسلمون حقائب حسب توزيع مهام المجلس ويكون مسؤول كل حقيبة هو أيضاً رئيس اللجنة المختصة من أعضاء المجلس.
  3. الهيئة العامة للمجلس: تتكون من كل أعضاء المجلس المنتخب. ويتم توزيع الأعضاء، كل حسب اهتماماته وتخصصه، على اللجان التي يرأسها أعضاء اللجنة التنفيذية.

هذه الخطة بامكانها، ان تم الأخذ بها، ان تلبي طلب الأكثرية الساحقة للاقلية الفلسطينيه بإسرائيل بدمقرطة النظام السياسي الفلسطيني وتساعد النخب السياسية على ايجاد اجوبة على السؤالين المركزيين التان تم طرحهما أعلاه وكما انه الأخذ بهذه الخطة سوف يعيد الثقة للجماهير الفلسطينية بجدوى العمل السياسي المؤسساتي وثقتهم بالحركات والأحزاب السياسية وابتعاد الأكثرية عن الامبالاه بالشأن السياسي ومستقبلهم في وطنهم

هانوفر 24/4/2019

Exit mobile version