المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

دعوة لتخصص جامعي بالقضية الفلسطينية

بقلم: باسم برهوم

قبل سنوات طرحت على صديق، دكتور يحاضر بجامعة بيرزيت، فكرة ان يكون هناك تخصص في الجامعات الفلسطينية بالقضية الفلسطينية، ويحصل دارسه على شهادة بكالوريوس ومن ثم شهادة ماجستير وحتى دكتوراة. السبب وراء هذا الطرح هو غياب المعرفة المتينة والعميقة بالقضية الفلسطينية من كل جوانبها، وكذلك بهدف الحرص على الرواية وصياغة وتمتين الهوية والذاكرة الوطنية الفلسطينية، التي تتعرض بشكل متواصل للاستهداف والتشويه وحتى للاستبدال بهويات اخرى.
القضية الفلسطينية قضية معقدة متشعبة وطويلة، وهي مرشحة ان تطول اكثر. ويمكن ان نشير هنا ان جذور هذه القضية نشأت في اوروبا حيث ظهرت ونشأت وتأسست الحركة الصهيونية، وبالتالي على دارس القضية الفلسطينية ان يكون عارفا بتاريخ اوروبا ما بعد الثورة الصناعية وظهور الرأسمالية والحداثة وما رافقها من ظهور تيارات فكرية وفلسفية، من اليسار واليمين، وما صاحب ذلك من تطورات وإضرابات سياسية واقتصادية واجتماعية.
وعلى الدارس ان يكون ملما بالحركة الصهيونية ،طبيعة هذة الحركة وما انتجته من فكر. وكيف تطورت بالمراحل المختلفة وحتى يومنا هذا، وان يكون ملما أيضا بالشأن الاسرائيلي، وبتاريخ فلسطين والمنطقة العربية، وخصوصا في القرنين الثامن والتاسع عشر ومطلع القرن العشرين، والتطورات التي جرت لاحقا في فلسطين في القرن العشرين، خصوصا بعد وعد بلفور والانتداب البريطاني لفلسطين وحتى يومنا هذا.
وعليه ان يكون ملما بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في فلسطين، وملما بحركتها الوطنية ومقاومة الشعب الفلسطيني للمشروع الصهيوني الاستعماري. وعلى الدارس ان يكون مطلعا على ماهية الاستعمار والفكر الذي كان يحركه، بالاضافة الى انعكاساته على فلسطين والمنطقة العربية، والتي كانت سببا لكل ما جرى للشعب الفلسطيني والأمة العربية.
باختصار شديد هناك عناوين تعد بالعشرات تصلح ان تكون مساقات في هذا التخصص الضروري جدا. وأذكر هنا ان صناعة وصياغة رواية أمة أو شعب، وصياغة الهوية الوطنية والقومية، وخاصة لواقع مثل واقع الشعب الفلسطيني. يجب ألا تترك للتطور العفوي والتلقائي، لأن ترك الرواية دون صياغة متينة يسهل على كل عابر طريق التدخل بالشأن الفلسطيني وتمزيقه، وحرف نضاله عن مساره، ودون تعميق هذه المعرفة لا يمكن صناعة وعي وطني متراكم بشكل صحيح.
قد يطرح سؤال: ما هي مجالات العمل لاصحاب هذا التخصص، وبأي سوق عمل يمكن تسويقهم؟
فالى جانب ان هذا التخصص هو حاجة وطنية ضرورية، فان الخريج يمكن ان يعمل في سلك التدريس، خصوصا إذا اصبح هناك مادة في المناهج الفلسطينية اسمها القضية الفلسطينية، بالاضافة الى مراكز الأبحاث الفلسطينية والعربية، وفي السفارات الفلسطينية والمؤسسات العربية والاقليمية، وفي الاعلام الفلسطيني والعربي، وحتى مؤسسات دولية.
ان خريج هذا التخصص هو خبير استثنائي، لنا مصلحة، كشعب فلسطيني بوجوده أينما يكون. انه حاجة وطنية وقومية ودولية، كما انه قد يعود للتدريس في الجامعات الفلسطينية والعربية وحتى الدولية.
لعل السؤال الأهم: لماذا بقينا دون وجود هذا التخصص حتى الآن، وخصوصا منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية العام 1995؟ لقد تأخرنا كثيرا، خصوصا اذا علمنا ان أول ما قامت به الحركة الصهيونية في فلسطين هو بناء الجامعة العبرية في القدس، وكان الهدف انشاء قسم تاريخ مهمته صياغة الرواية الصهيونية. وفي هذا المعمل تم تحويل الأساطير الى شعب وهوية قومية.

Exit mobile version