المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

موقف الاتحاد الأوروبي من خطة الضم الإسرائيلية

موقف متقدم بحاجة لإعتراف رسمي بدولة فلسطين

بقلم: د. زياد حسن مدوخ*

في ظل الاوضاع الصعبة والمعقدة التي تشهدها القضية الفلسطينية والتي كان أخرها توقيع دولتين عربيتين على تطبيع علاقاتها الديبلوماسية مع دولة الإحتلال بضغوط أمريكية دون علم السلطة الفلسطينية , هناك ضرورة ملحة لوجود تحرك فلسطيني قوي وتفعيل هذا الدور دوليا بهدف تطبيق قرارات الشرعية الدولية لأنه من المهم من القيادة الفلسطينية التصدي بقوة وبدبلوماسية ذكية لكل مؤامرات التصفية للقضية الفلسطينية وللمشروع الوطني في ظل تزايد الضغوط الدولية وهرولة العديد من الدول العربية للتطبيع المجاني مع كيان الاحتلال.

هذا التحرك الدولي يجب أن يعتمد على دعم ومساندة دول ومنظمات دولية فاعلة على الساحة الدولية بهدف مواجهة الضغوط الامريكية والسياسة الإسرائيلية الاستيطانية وتراجع مواقف بعض الانظمة العربية.

هذه الأوضاع تتصاعدأ وتنعكس سلبيا على القضية الفلسطينية خصوصا في السنوات الثلاث الماضية منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الامريكية عام 2017 الذي أصدر العديد من القرارات المنحازة لدولة الإحتلال وأهمها الإعتراف بالقدس عاصمة لها و نقل السفارة الامريكية إلى القدس و إعلان صفقة القرن التي تتبنى الرواية الإسرائيلية في تكريس الإحتلال ومواصلة الإستيطان , وإستمرار السياسة الإسرائيلية العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة و أهمها خطة الضم الإسرائيلي وأخيرا تطبيع بعض الدول العربية مع دولة الإحتلال. ضغوط أمريكية مما ساهم في عزل الفلسطينيين الذين مازالوا منقسمون ويحاولون الخروج من مختلف الازمات التي خلفها الإحتلال والإنقسام. والتخاذل العربي والضغط الامريكي.

لذا على القيادة الفلسطينية ولمواجهة هذا الوضع المعقد الذي أدى إلى تراجع القضية الفلسطينية إحداث تغيير جذري في إستراتيجينها وتبني خطط ديبلوماسية جديدة وفعالة مبنية على الاعتماد على دعم ومساندة دول ومنظمات دولية مؤثرة عالميا والتركيز على تحالفات جديدة خصوصا بعد قرار جامعة الدول العربية عدم إدانة دولة الإمارات في 9 سبتمبر 2020 بعد إعلانها الرسمي للتطبيع العلني , وتوقيع الإمارات والبحرين لإتفاقيات التطبيع مع الإحتلال بالبيت الأبيض في 15 سبتمبر 2020 و قرار دولة فلسطين بعدم ترؤس دورة جامعة الدول العربية في 22 سبتمبر 2020, والتي خلقت شرخ كبير في علاقات السلطة الفلسطينية ببعض الأنظمة العربية.

يبقى الإتحاد الأوروبي الذي تأسس عام 1951 ويضم 27 دولة أوروبية وفيها دول لها وزن دولي كبير سياسيا وإقتصاديا مثل فرنسا وألمانيا محورا دوليا هاما يمكن أن يعتمد عليه الفلسطينيون خصوصا أن موقفه من الصراع العربي الإسرائيلي متقدم جدا إذ ينتقد الإتحاد الاوروبي علنا الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ويروج لحق الفلسطينيين في تقرير المصير, وساهم الإتحاد الأوروبي بدور مهم في مفاوضات السلام والتي أفضت إلى إتفاقات أوسلو , وأصبح أحد أكبر المانحين للسلطة الوطنية الفلسطينية , وأصبح عضوا فعالا في اللجنة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط والتي وضعت “خارطة الطريق” والتي كان الهدف منها تسوية شاملة ونهائية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كما أن الإتحاد الاوروبي ساهم في إنشاء الشراكة الاورومتوسطية منذ مؤتمر برشلونة عام 1995 وهي إطار إقتصادي بالإضافة لدعمه المالي الكبير للسلطة الفلسطينية يصدر بيانات سياسية مهمة في صالح القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين بالتحكم في مقدراتهم الطبيعية والاقتصادية.

هذا الموقف الأوروبي الرسمي عبر عنه يوم 30 سبتمبر الحالي الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والامن جوزيب بوريل خلال إتصاله مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس حيث أكد على مواقف الإتحاد الاوروبي الثابتة لدعم حل الدولتين على اساس القانون الدولي ورفض خطة الضم الإسرائيلية. ومواصلة الدعم الاقتصادي وبناء المؤسسات.

ويعتبر الإتحاد الاوروبي حاليا أكثر المنظمات الدولية دعما ماليا للسلطة الفلسطينية ولمؤسسات المجتمع المدني خصوصا بعد تراجع الدعم العربي والامريكي , في 25 سبتمبر الحالي قدمت فرنسا دعم مالي بقيمة 46 مليون دولار لدعم مشاريع المياه في قطاع غزة كما قدمت ألمانيا مبلغ 37 مليون دولار لدعم مشاريع بيئية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

حيث أن المواقف المتقدمة للإتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية هي مواقف شجاعة خصوصا من الإستيطان والضم كان أخرها البيان المشترك غقب إجتماع عقد في العاصمة الأردنية عمان يوم 24 سبتمبر 2020 ضم الأردن, مصر , فرنسا وألمانيا وممثل الإتحاد الأوروبي من أجل السلام في الشرق الاوسط والذي طالب بخلق الظروف المواتية لسلام حقيقي في المنطقة قائم على حقوق الشعب القلسطيني وإقامة دولة فلسطينية وفق القانون الدولي وأهم شيئ وقف الإستيطان ووقف خطة الضم الإسرائيلية لتنافيهم مع قرارات الشرعية الدولية.

وفي تصريح شجاع جدا أكد جوزيب بوريل الممثل الاعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي عقب إجتماع وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي بتاريخ 15 مايو 2020 بان محاولة الكيان الإسرائيلي لضم أراضي من الضفة الغربية هو قرار أحادي الجانب يخالف القانون الدولي.

تصريحات مندوب الاتحاد الاوروبي الذي دعا فيها دولة الإحتلال إلى التوقف نهائيا عن تنفيذ خطة ضم أراضي الاغوار وبعض أجزاء من الضفة الغربية لتؤكد على الموقف الأوروربي الواضح من هذه الخطة الإستيطانية لدولة الإحتلال.

وحسب بيان الإتحاد الاوروبي أكد أن ضم أي أراضي فلسطينية يعد أمرا مخالفا للقانون الدولي ويهدد حل الدولتين وتحقيق سلام دائم وعادل في منطقة الشرق الأوسط.

وأضاف بأن الإتحاد الاوروبي بإمكانها إتخاذ إجراءات غير مسبوقة في حال تنفيذ حكومة تنياهو لخطة الضم. وأن ضم دولة الإحتلال أراضي فلسطينية لا يمكن أن يمر دون عواقب , وأضاف بأن بروكسل تدرس ردا وتحركا إذا مضت إسرائيل قدما في عملية الضم قد يشمل عقوبات إقتصادية رسمية..

وكانت دول الإتحاد الاوروبي أعلنت منذ إعلان حكومة الإحتلال مشروعها لضم عدة أجزاء من الضفة الغربية رفضها التام لهذه الخطة التي تهدد حل الدولتين وتنسف جهود التسوية.

وكانت بروكسل حذرت إسرائيل في أواخر يونيو من هذا الإجراء الذي “سيؤثر” على علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.

وخلال أعمال الدورة الرابعة لإجتماع كبار الموظفين بين الإتحاد الاوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي في 15 يوليو 2020 عبر تقنية الإتصال المرئي حيث تم تبادل وجهات النظر حول عدد من المسائل الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وتناول المجتمعون الوضع السائد في منطقة الشرق الاوسط وخاصة مخاطر خطة الضم الإسرائيلية على مستقبل السلام في الشرق الأوسط وعلى حل الدولتين.

هذه المواقف المتقدمة أكدته القمة العربية الاوروبية الأولى التي إنعقدت بشرم الشيخ بمصر في فبراير 2019 وأكدت على المواقف المشتركة من عملية السلام القائمة على حل الدولتين ووضع القدس وفق قرارات الشرعية الدولية وعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

وفي هذا السياق، أدان الاتحاد الأوروبي مشروع قانون الدولة القومية الذي أقرّته إسرائيل في تموز/يوليو 2018، والذي يسعى إلى تعريف إسرائيل بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي، معلنًا دعمه لحل الدولتين.

كما أدان البرلمان الأوروبي مشروع الضم الإسرائيلي في جلساته في شهر يوليو الماضي .

الموقف الأوروبي من خطة الضم وإن كان شجاعا مازال منحصرا في التصريحات والتلويح بعقوبات فقط هو موقف متقدم إذا ما تم مقارنته بالمواقف السابقة خصوصا من صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الامريكي دونالد ترمب عام 2019 أو الإعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة لدولة الإحتلال عام 2018 , حيث كانت دول الاتحاد الاوروربي تكتفي بالإدانة والشجب والاستنكار ولم تصل ردود الفعل لحد التهديد بفرض عقوبات أو رد قاسي وغير مسبوق. وهذا يدل على أن أوروربا تريد أن يكون لها موقف مخالف للموقف الامريكي المؤيد للخطوات أحادية الجانب المتبعة من طرف حكومة الإحتلال.

كما أن أوروبا تريد لعب دور سياسي أكبر في منطقة الشرق الاوسط من خلال مواقف متقدمة في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يبعدها عن دورها السابق القريب للجانب الإسرائيلي.

خصوصا أن دول الإتحاد الاوروبي تعرضت لإنتقادات شديدة من الداخل والخارج بسبب مواقفها التي كانت قريبة من التأييد للسياسة الإسرائيلية من خلال الأحداث المتتالية في الأراضي الفلسطينية مثل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014 و القمع الإسرائيلي لمسيرات العودة على حدود قطاع غزة عام 2018.

كانت أغلب المواقف الأوروبية السابقة كانت تندد بالإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ولم تصل لحد التلويح بعقوبات ضد دولة الإحتلال وهذا يدل على خطورة قرار الضم الإسرائيلي وتبعاته على المنطقة كلها وتهديده لحل الدولتين التي تتبناه معظم دول أوروبا.

تحاول دول الإتحاد الاوروبي الضغط على الجانب الإسرائيلي وبشكل قوي بهدف الحصول على ضمانات من أجل إلغاء مشروع الضم من ناحية ومن أجل إحياء عملية السلام المتوقفة والحصول على دور أوروبي سياسي وليس فقط اقتصادي كمت هو الحال حاليا حيث تعتبر أوروبا ا أكثر منظمة دولية داعمة لميزانية السلطة الفلسطينية. بالإضافة للمساعدات الإقتصادية والإنسانية لمؤسسات المجتمع المدني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

على الفلسطينيين استثمار هذه المواقف المتقدمة سياسيا وإقتصادي للإتحاد الاوروبي للحصول على إعتراف أوروبي رسمي بدولة فلسطين ومواجهة السياسة الامريكية التي تقف دائما إلى جانب دولة الإحتلال وتتنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

هذه المواقف الأوروبية الرسمية والشعبية متقدمة ولكن ننتظر قرار رسمي من جميع دول الإتحاد الأوروبي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وليس فقط من السويد الدولة الاوروبية الوحيدة التي إعترقت بدولة فلسطين. هذ الإعتراف المنتظر سوف يفتح الباب لإعتراف دول أخرى في العالم بالدولة الفلسطينية مما يعزز الموقف الفلسطيني دوليا ويشكل عامل ضغط جديد على الجانب الإسرائيلي للإعتراف بالحقوق الفلسطينية المشروعة.

* أكاديمي-كاتب وشاعر – متخصص في الشؤون الفرنسية
من غزة-فلسطين

 

Exit mobile version