المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

أبو الغيط وضع إصبعه على الجرح العربي.. ولكن؟

بقلم: باسم برهوم

من دون شك أن أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط قد فجر كلاما مهما عندما حذر العرب قبل أيام قائلا: “إذا انهار النظام السياسي العربي المتمثل بالجامعة العربية، فإن إسرائيل وتركيا وايران وإثيوبيا سيشكلون نظاما إقليميا بديلا يلبي مصالح هذه الدول التي تتمدد جميعها وتتوسع على حساب الجغرافيا العربية وثروات العرب”. أبو الغيط وبالرغم من أنه أمين عام للجامعة العربية، إلا أنه يفكر بمنطق السياسيين المصريين المحترفين، وهو فكر ينبع بحكم مكانة مصر الجيوسياسية والتاريخية الراسخة، فهي الأكثر استشعارا بمخاطر ذاك الرباعي الخطير، والذي يمتلك كل طرف فيه مشروعه التوسعي الخاص على حساب العرب. وفي الوقت نفسه فإن مصر الدولة العربية المؤهلة أكثر من غيرها للتصدي لأطماع هؤلاء، خصوصا إذا كان إلى جانبها، وبإخلاص دول عربية أخرى.
من الزاوية التاريخية فإن إيران وتركيا وحتى إثيوبيا كانت امبراطوريات تتوسع على حساب العرب، وتتصارع فوق الجغرافيا العربية. وقبل أكثر من سبعين عاما أقام الاستعمار العالمي إسرائيل، وزرعها قي قلب الوطن العربي، لا لتمنع وحدته وتطوره فقط،، بل لتكون أيضا مشروع تهويد مستمر، توسعي هو الأخطر على الإطلاق.
واليوم، ولمن يراقب التطورات في المنطقة في العقدين الأخيرين يلاحظ ببساطة توسع النفوذين الإيراني والتركي في المنطقة، فإيران تكاد تسيطر هنا وهناك في المنطقة العربية، وهي موجودة وفاعلة في معظم أزمات المنطقة، وبالمقابل تركيا أصبحت لاعبا رئيسيا في أكثر من بلد عربي، كما دخلت إثيوبيا في السنوات الأخيرة على خط التغول على حساب العرب، وهي اليوم تمسك بعصب الحياة في بلدين عربيين هما مصر والسودان من خلال سد النهضة ومياه نهر النيل.
أسوأ ما في المشهد المتدهور للأمة العربية أن يتحالف بعض العرب مع أحد الطامعين الأربعة ضد بعض دولنا العربية. ولعل الأكثر سوءا هو أن يتحالف بعض العرب مع أحد هؤلاء الأربعة لمحاربة الآخر منهم.
تحذير أبو الغيط ربما جاء متأخرا، فواقع الأمة العربية لا يسر أحدا، والإنقاذ يبدو صعبا للغاية في هذه المرحلة، خصوصا بعد تفكك دول عربية وتحول أخرى إلى دول فاشلة، غارقة في الأزمات. والمشكلة في كل هذا الخراب أن جزءا كبيرا منه هو من فعل أيدينا العربية، عندما استسلمنا لمنطق التجزئة التي وضعنا بها الاستعمار وإخفاقنا في بناء تضامن عربي حقيقي، أما الأكثر فداحة هو بدل أن ننفق أموالنا على التنمية والتطوير والتحديث على نطاق الأمة، أنفقناها في التآمر على بعضنا البعض، أو في خدمة أجندات الدول الكبرى لنشر الفوضى الخلاقة.
في اعتقادي يمكن أن تمثل تصريحات أبو الغيط نوعا من الصحوة، فالبرغم من أن عملية الإنقاذ صعبة، كما ذكرت، ولكن ليست مستحيلة، بشرط أن يشعر الجميع أولا بجدية الخطر الرباعي، الذي أشار إليه أبو الغيط، ثم أن نبدأ بالعمل معا.
صحيح أن الأربعة ليسوا على قدم المساواة في الخطر، فإسرائيل هي أحد أهم الأسباب التي أدى وجودها إلى تدهور أمورنا بهذا الشكل الذي نحن عليه الآن. كما لا يعني إعادة ترميم التضامن العربي أن نحول الأمة عدوا للدول الإقليمية مثل تركيا وإيران وإثيوبيا، ولكن أن تصاغ العلاقات معها على قدم المساواة بعيدا عن مشاريع النفوذ والتوسع بل على أساس توازن المصالح.
لقد حذر أمين عام الجامعة العربية من مستقبل قاتم، يأخذ فيه الآخرون زمام المبادرة على حساب العرب، وتأسيس نظام إقليمي لا تأثير ولا فعل لنا فيه. لدينا وقت قصير جدا ومهمة صعبة للغاية من أجل استنهاض أمتنا العربية، لا تزال هناك فرصة فلنبدأ ونأخذ تحذير أمين عام الجامعة على محمل الجد.

Exit mobile version