المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

حسن البطل.. نموذج الالتزام والإبداع

بقلم: باسم برهوم

كان السؤال الذي يدور بيننا باستمرار عن حسن البطل كيف يمكنه أن يكتب عمودا يوميا ولا يهبط مستواه، بل يبقى القراء ينتظرون كل صباح هذا العمود بشغف؟
لا أنسى المرة الأولى التي التقيت فيها بحسن عندما دخلت مقر مجلة وجريدة “فلسطين الثورة” في بيروت قادما من بغداد، ثم سرعان ما اكتشفت أن لغة التواصل معه هي لغة الشفاه، لأنه كان قد فقد حاسة السمع بالتدريج إثر حمى قوية أصابته وهو طفل في طيرة حيفا قبل الهجرة. ومنذ ذلك التاريخ تواصلت حياتنا معا يوما بعد يوم في بيروت، ومن ثم في العاصمة القبرصية نيقوسيا، وعدنا في اليوم ذاته إلى الوطن في نهاية عام 1994.
ولن أنسى أن حسن هو معلمي، هو من علمني أصول المهنة من كتابة الخبر، وكتابة التقرير، والتحقيق، وحتى المقال، والتعليق الصحفي، والأهم أنه ساهم في صياغة وعيي ووعي آخرين ممن زاملوه المسيرة في إعلام الثورة الفلسطينية، إعلام منظمة التحرير الفلسطينية الموحد، وعلمني وعلم غيري الدقة في الكتابة والدقة في اختيار المعلومة وكيفية استخدامها، وطريقة التفكير الصحفي الصحيحة الأكثر منطقية ومصداقية.
أما عن أخلاقيات المهنة، فقد كان حسن البطل نموذج الصحفي المتسلح لأبعد الحدود بمهنته، كان دؤوبا لم يتوقف يوما عن العمل، والأهم كان نموذجا للالتزام الوطني، فقد كان هو بوصلتنا لقياس مدى التزامنا نحن وكم هو التزام حقيقي ونافع ومنتج، ومن النادر جدا في هذا الزمان أن يجمع صحفي بين الإبداع الدائم المتطور، باستمرار مع الالتزام الوطني الكامل والدائم، فهو هذا الوطني النقي النخاع بفلسطينيته، وربما كان هذا سر إبداعه وعطائه منقطع النظير.
في المرات العديدة التي تشاركنا فيها رحلات في البراري في لبنان وقبرص، كان حسن يغيب لساعات بين الصخور يجمع بعض النباتات ليقارنها مع مثيلاتها في فلسطين، كان حبه للطبيعة مرتبطا بحبه لطبيعة فلسطين، فهي بالنسبة له نموذج التنوع والجمال. وفي مرات عديدة كان حسن يهرب فيها من السياسة المعاندة والصعبة كان يكتب عن الزعتر والميرمية وشقائق النعمان.
وأنت مع حسن، ومع مرور الوقت، تنسى أنه فاقد لحاسة السمع، لأنه كان يتمتع بحس مرهف يتحدث عن الأصوات عن الموسيقى بطريقة تجعلك تعيد معها تدريب نفسك على فن السمع. أذكر مرة كنت في مطار هيثرو في لندن، ومن السوق الحرة أردت أن اشتري لحسن هدية رمزية بسيطة، اخترت دون وعي مني قرصا مدمجا “CD” يحتوي على السمفونية الخامسة لبيتهوفن، اشتريت القرص ومشيت وبعد عدة خطوات توقفت وقلت لنفسي، ولكن حسن لا يسمع… وفي تلك اللحظة أدركت أن بصيرة هذا الإنسان هي أقوى من كل حواس البشر.
في عام 2015 عندما كنت أعمل في قناة “عودة” قررت أنا وصديقي محمود أبو الهيجاء أن نخصص حلقة من برنامجه “فرسان الملحمة” عن حسن البطل، في العادة هذا البرنامج يتحدث عن أبطال الملحمة الفلسطينية الذين رحلوا عنا، ولكن كان لدينا إصرار أن نتحدث عن هذا البطل الملحمي قبل رحيله لأنه يستحق.
حسن البطل أرجو أن تسامحني إن لم أستطع رؤيتك في زمان مرضك فأنا لم أجرؤ على ذلك، وسامحني لأنني لم أشارك في وداعك الأخير لأني أريد الاحتفاظ بك حيا، ما دمت أنا على قيد الحياة.
وداعا أيها الصديق.. أيها المعلم.. أيها الفلسطيني المخلص لفلسطين حتى النخاع.

Exit mobile version