المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

“تضامن” العنف… تشديد “حراسة” أوروبا من اللاجئين

كتب: ناصر السهلي

أعادت الأزمة الأخيرة للاجئين على الحدود البولندية – البيلاروسية التذكير بتغيّر سياسات اللجوء وحقوق المهاجرين في القارة الأوروبية، واستبدالها بعمليات الصدّ والإبعاد عن الحدود.
الأخبار المتزامنة عن زيادة ارتفاع الجدران والأسلاك الحدودية وتنفيذ بريطانيا وفرنسا عمليات مشتركة في بحر المانش، وكذلك اليونان في البحر المتوسط وعلى الحدود البرية للاتحاد الأوروبي، ومشاركة الأوروبيين في مختلف إجراءات حراسة الحدود، تثبت أن التغير الحاصل هو الأكبر منذ عقود.
يهتم الأوروبيون حالياً بتشكيل ما يشبه جبهة تشارك فيها دول مختلفة، بينها الدنمارك، لمطاردة مهربي البشر، مع استكمال تعزيزات مراقبة بحر المانش بطائرات بلا طيار وتوسيع نشاط حراسة الحدود. كذلك ظهرت مؤشرات لتدابير “حراسة ذاتية” يقوم بها مدنيون في بولندا وكرواتيا وسلوفينيا لمنع اختراق دولهم.

الدنمارك “تقلل الجاذبية”
ويظهر جلياً تحلل الأوروبيين عبر هذه الممارسات، التي تصاعدت وتيرتها في الأعوام التي تلت موجة لجوء عام 2015 التي اعتبرت الأضخم منذ الحرب العالمية الثانية في اتجاه القارة العجوز، من اتفاق جنيف الدولي للاجئين، الذي يقرّ بحق الأشخاص الذين يعبرون حدوداً معترفاً بها دولياً في تقديم طلبات لجوء والحصول على حماية، والتزام الدول معالجة وضعهم.
وكانت كوبنهاغن أثارت جدلاً في شأن صرامة القوانين الطارئة التي أصدرتها لمواجهة موجات اللجوء، بعدما تعمدت جعل الدانمارك “أقل جاذبية” لطالبي الحماية، من خلال مصادرة الحلي الذي يملكونه لتغطية مصاريف فترة انتظارهم للبت في طلباتهم، وتقييد لمّ شمل الأزواج والأطفال، وتجميد استقبال لاجئي حصة “الكوتا” التي تحددها منظمة الأمم المتحدة. ثم اعتبرت في 2020 منطقتي العاصمة السورية دمشق وريفها “آمنتين”، ما يسمح بمراجعة لجوء مئات القادمين منهما.
ولم توقف الاحتجاجات الحقوقية التي نظمت عام 2016 سير الدنمارك نحو مزيد من التشدد، ثم انضم إليها الأوروبيون من خلال ممارسات مؤلمة عدة، بينها منع قوات حرس السواحل الإيطالية، في عامي 2017 و2018، سفناً تابعة لمنظمات إغاثة من إنقاذ لاجئين ونقلهم إلى موانئ الشاطئ الشمالي للمتوسط. وأخيراً، تسببت الممارسات غير الإنسانية في حوادث غرق مهاجرين ببحر المانش، وانقطاع سبل مئات في غابات بولندا المحاذية للحدود مع بيلاروسيا.
وتستند الدنمارك إلى نصوص تبرر تجميد الإقامات الممنوحة لحوالى 200 سوري من ريف دمشق، في وقت تراجع طلبات أكثر من 4 آلاف طلب لجوء لسوريين. وتعتبر هذه النصوص أن اللاجئين حصلوا على حماية مؤقتة على خلفية الوضع الأمني العام في بلدهم الأصلي، وليس استناداً إلى مبدأ معالجة اللجوء الفردي لكل طالب حماية. وتتذرع حكومتها و”مجلس اللجوء”، الذي شكلته من قضاة اختارتهم لبت قضايا الحماية، بأن غالبية الحالات التي جرى تجميد إقامتها لم تتقدم بلجوء بناءً على قضايا اضطهاد شخصي، لكن بسبب الطبيعة الأمنية للحرب، وتعتبر بالتالي أن “تحسن الوضع في ريف دمشق، استناداً إلى تقريرين قدمهما وفدان رسميان سبق أن زارا سورية ولبنان، يسقط الحماية المؤقتة”.

حجة “اللعبة البيلاروسية”
من جهتهم، يبرر البولنديون والأوروبيون عمليات صدّ آلاف طالبي اللجوء على الحدود البيلاروسية بـ”استخدامهم في لعبة ضغط سياسي تنفذه مينسك على أوروبا”. ويصرّ الأوروبيون على أن “النقل المنظم لأشخاص من مطارات دول يعني أنهم استطاعوا مغادرة بلادهم من دون التعرض لاضطهاد من السلطات الأمنية”. ويشيرون إلى أن “خلفيات موجات المهاجرين الأخيرة متعددة الجنسيات عبر بيلاروسيا اقتصادية تعكس أمل الناس في تحسين أوضاعهم المعيشية. وهذه ليست هجرة سرّية تستدعي منح لجوء سياسي. كما أنها ترتبط بعمليات تهريب بشر”.
لكن الخبير في حقوق الإنسان أستاذ قسم القانون في جامعة آرهوس الدنماركية، ينس هانسن، يؤكد أن عمليات الصدّ على الحدود البولندية تنتهك القواعد الأساسية للاتحاد الأوروبي والاتفاق الأوروبي لحقوق الإنسان، “لأنها تحرم طالبي اللجوء من تقديم طلباتهم ودرسها”.
واللافت أن حكومات أوروبية تتسلح بحكم أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حق إسبانيا في فبراير/ شباط 2020، ورفضت فيه لجوء شخصين من أفريقيا وصلا إليها من معبر غير رسمي مع المغرب، بحجة أن “العبور غير الرسمي لا يمنح تلقائياً حق اللجوء في أوروبا”.

توسع “النهج الأورباني”
ولا بدّ من الإشارة إلى أن الأوروبيين انتقدوا في عام 2015 بناء رئيس الوزراء المجري القومي المحافظ فيكتور أوربان جداراً على حدود بلاده الجنوبية، وتعمده وصف القادمين عبر حدود رسمية أو غير رسمية بأنهم “غير جديرين بالعبور أو درس طلباتهم”، وصولاً إلى تشجيع مواطنيه على القيام بعمليات لصد “الهجرة الغزو”، وإصداره قانوناً يعاقب أي مواطن يساعد لاجئاً. لكن هذا الانتقاد تلاشى سريعاً، وبات “النهج الأورباني”، نسبة إلى أوربان، يمارس على كل حدود أوروبا. وتحدثت تقارير سابقة عن انتشار ظاهرة الصدّ بالقوة في إيطاليا وسلوفينيا وكرواتيا، وتنفيذ صربيا غير المنضمة إلى الكتلة الأوروبية عمليات مطاردة واعتداءات جسدية على المهاجرين العابرين إلى حدود الاتحاد الأوروبي.
وانتقدت منظمة العفو الدولية مرات انتشار ظاهرة مشاركة مواطنين مقنعين في عمليات صدّ طالبي اللجوء وترهيبهم. وتلفت إلى “أنهم في حال يأس على حدود دول القارة، حيث يوجد بعضهم منذ أشهر وحتى سنوات في معسكرات مزرية، وهو ما يستغله المهربون لتفريغ جيوبهم”.

واعتبرت المنظمة أن “انتشار حوالى 15 ألف جندي على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا أخيراً، وتسييج هذه الحدود بأسلاك شائكة، وإعادة عابرين بالقوة إلى الغابات، تؤكد تمسك أوروبا بنهج الصدّ بدلاً من استقبال طالبي اللجوء ومعالجة طلباتهم فردياً”.
وخلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي الذي شهد اشتباكات ومحاولات لاختراق الأسلاك الشائكة في بولندا، شهدت مناطق حدودية أخرى في أوروبا عنفاً متزايداً ضد طالبي اللجوء أو الساعين إلى الهجرة. وكشفت تقارير، نشرتها صحيفة “دير شبيغل” وتلفزيون “آر دي” في ألمانيا، وجود تنسيق بين مواطنين من اليونان ورومانيا وكرواتيا وبلغاريا لتنفيذ مهام حراسة الحدود. وتحدثت عن ارتداء هؤلاء المدنيين أقنعة وزياً شبه موحد، واعتدائهم على المهاجرين لإعادتهم من حيث أتوا.

نهج جديد
ولفتت “دير شبيغل” إلى أن عمليات إطلاق نار حصلت لتخويف أشخاص حاولوا عبور الحدود مع تركيا، وأن بعض المعتدين انتقلوا إلى جزر قريبة من مسار عبور قوارب من تركيا، وتصدوا بعنف لأشخاص على متنها، وهو ما اعتادت عليه قوات خفر السواحل اليوناني وعناصر من نظيرتها الأوروبية “فرونتيكس”، ما عرّض هذه القوات لانتقادات أوروبية، خفّت لاحقاً، قبل أن تغيب بالكامل منذ مايو/ أيار الماضي، حين “تضامن” الأوروبيون مع حوادث الحدود البولندية.
ويورد تقرير حديث أصدرته مفوضية اللاجئين ومركز الهجرة المختلطة في مجلس اللاجئين الدنماركي أن “دول الاتحاد الأوروبي أنشأت أخيراً بنية تحتية جديدة، بينها شوارع وخطوط نقل لتوسيع وتسهيل عمليات طرد ومطاردة العابرين غير القانونية أوروبياً ودولياً”. ويشير إلى أن “هذه العمليات، التي ساعد فيها مدنيون سلطات بلادهم ووكالة فرونتيكس، ساهمت في طرد أكثر من 40 ألف طالب لجوء من أراضي الاتحاد الأوروبي، لكن حوالى ألفي شخص فقدوا حياتهم فيها أيضاً”.

وكان موقع “كرواتيا آخر دقيقة” وصحيفة “ذي غارديان” البريطانية تحدثا، في مايو/ أيار الماضي، عن أن عمليات الصدّ الأوروبية في البحر الأبيض المتوسط أدت إلى صد أكثر من 16 ألف شخص أعيدوا إلى سواحل ليبيا. وأفادت تقارير أخرى بأن “سياسة عدم إنقاذ القوارب، التي اتبعتها إيطاليا ودول أخرى على شاطئ شمالي المتوسط، تسبب في غرق مئات من المهاجرين بعد تحطم قواربهم”، ما دفع منظمات حقوقية، بينها العفو الدولية، إلى انتقاد سياسة “غض الطرف عن المآسي في البحر الأبيض المتوسط، ونهج دفع اللاجئين إلى ليبيا”.

وفعلياً، لم توقف الانتقادات الواسعة التي وجهت إلى وكالة “فرونتيكس” ورفع دعاوى ضدها هذا العام أمام محكمة العدل في لوكسمبورغ شملت خمس حالات لخطف مهاجرين، بينهم نساء وأطفال، نفذتها قوات حرس الحدود لإعادتهم إلى الشواطئ التركية، الممارسات غير الإنسانية. ورصد “مركز لسبوس للحقوق” زيادة عمليات الصدّ، فيما لم يتردد الضابط في “فرونتيكس” نفسها المتخصص في مراقبة التزام معايير حقوق الإنسان، يوناس غريميدين، في إبلاغ موقع “يورو أوبسرفر”، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أنه “يمكن اعتبار فرونتيكس متورطة في انتهاكات للحقوق الأساسية في بعض الدول، والمعلومات المحددة التي نملكها تقلقني جداً”.

اعتداءات “مشكورة”
وفيما تنتشر عمليات الاعتداء الجسدي بالضرب المبرح على المهاجرين على نطاق واسع، تزداد قناعة البعض بأنها تستند إلى سياسة منسقة وغير اعتباطية بين كل الدول الأوروبية. ويرى محللون أن أفضل تعبير عن هذا التنسيق هو تأكيد عدد من السياسيين والوزراء تضامنهم مع أستونيا وبولندا، ومدّهم بأسلاك شائكة وأدوات لمراقبة الحدود. كما دافع وزير الهجرة الدنماركي ماتياس تيسفايا، بشراسة، عن تصرفات اليونان التي اعتبر أنها “مشكورة وتستحق الثناء لأنها جعلت معدلات اللجوء منخفضة للغاية”.

وكان مترجم يعمل في “فرونتيكس” ويقيم في إيطاليا قال لصحيفة “نيويورك تايمز الأميركية” إن “حرس الحدود اليونانيين احتجزوه على متن زورق مع 100 شخص آخرين، بينهم أطفال ونساء. وحين حاول توضيح أنه مترجم، استهزأ العناصر به وضربوه مع بقية المحتجزين، وأجبروهم على ركوب زوارق لعبور نهر إيفروس إلى تركيا من دون فحص هوياتهم وطلباتهم”.
وبعدما أصبح مسار البلقان، الذي سلكه أكثر من مليون مهاجر في صيف 2015، نقطة تركيز الأوروبيين، يبدي صناع القرار الأوروبي رضاهم عن إجراءات الصدّ المتخذة في دول مثل البوسنة وكرواتيا وصربيا والمجر وسلوفينيا، وذلك بالتفاهم مع إيطاليا، رغم أن العابرين يتعرضون لعنف وإذلال وحشي وسرقة، خصوصاً على الحدود الكرواتية وبمشاركة مدنيين مسلحين تغض الجهات الرسمية النظر عنهم.

وتؤكد تقارير لـ”مجلس اللاجئين الدنماركي” أن حوالى 925 شخصاً تعرضوا لسلب وضرب مبرح وإذلال على الحدود بين كرواتيا والبوسنة هذا العام. كما جرى صدّ حوالى 9 آلاف شخص بين فرنسا وإيطاليا.
وبحسب أرقام للأمم المتحدة ومنظمات معنية بشؤون الهجرة، غرق حوالى 1500 شخص في البحر الأبيض المتوسط هذا العام. وتعتبر منظمات حقوقية أن سياسة عدم الاستجابة لنداءات الاستغاثة من سواحل شمال المتوسط تعمّق حوادث الغرق.

Exit mobile version