المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

إسرائيل اختارت “الأبارتهايد”

بقلم: د. رمزي عودة

لن أناقش في هذه المقالة الجدل النظري المفضي إلى التمييز بين دولة الاحتلال “إسرائيل” كنظام استعماري إحلالي وبين إسرائيل كدولة فصل عنصري، فمن الواضح أن إسرائيل تشتمل في سماتها على المفهومين، اللذين يجعلانها نظاما سياسيا فريدا ومارقا مقارنة بأنظمة العالم المختلفة. ولكنني أود في هذه المقالة أن أطرح مفهوم الفصل العنصري “الأبارتهايد” كسياسة تسوية تنتهجها إسرائيل أكثر من كونها فقط سمة من سمات نظامها السياسي.

وبكلمات أخرى، فإنني أجادل بأن إسرائيل التي ترفض المفاوضات مع الفلسطينيين، وترفض حقوقهم السياسية المشروعة كحق إقامة دولتهم المستقلة وحق العودة، تطرح في هذه الأثناء بديلا آخر للتسوية السياسية مع الشعب الفلسطيني؛ ألا وهو نظام الفصل العنصري.

في منتصف شهر فبراير من العام 2012، اعتبرت 100 شخصية إسرائيلية سياسية وأمنية ما تقوم به حكومة نتنياهو بأنه سيفضي الى دولة ثنائية القومية، وهو الأمر الذي لا يتناسب بتاتا مع فكرة الدولة اليهودية خالصة القومية التي تسعى الحركة الصهيونية لإقامتها. وطالبت هذه الشخصيات بضرورة انتهاج سياسات أحادية بديلة عن المفاوضات ولا تؤثر على الحل النهائي، بل على العكس تصب في صالحه. وأمام تعنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، مضت هذه الحكومة في سياسات القمع تجاه الفلسطينيين والتهجير القسري لهم وبناء المستوطنات، بحيث أصبح حل الدولتين يمثل إشكالية حقيقية في إمكانية التطبيق، وهذا بالضبط ما أشار إلية تقرير معهد “كارنيجي” في نيسان الماضي والموسوم بـ”كسر الأمر الواقع بين إسرائيل والفلسطينيين”.

وبغض النظر عن مدى موافقتنا مع محتويات هذا التقرير الذي يعتمد على تحديد أولوية حماية الحقوق في التسوية السلمية، إلا أن اللافت في هذا التقرير مطالبته الإدارة الأميركية بعدم قبول نظام الأبارتهايد الذي يتكرس عبر الأمر الواقع في سياسات إسرائيل الاستيطانية والتهويدية للمناطق الفلسطينية.

من جانبه، أشار تقرير معهد الأمن القومي الإسرائيلي مؤخرا الى خطورة نتائج التقارير الدولية والإسرائيلية على الأمن القومي الإسرائيلي، التي تضفي مشروعية أكبر على طلب الفلسطينيين بحقوق المواطنة الكاملة في حال استحالة تطبيق حل الدولتين، حيث تضمن كل من تقرير منظمة “أمنستي” الدولية عام 2022، وتقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” الدولية عام 2021، وتقارير المنظمات الحقوقية الإسرائيلية مثل “بتسيلم” و”ييش دين” إدانات واسعة لإسرائيل بوصفها تمارس نظام أبارتهايد. وبالنتيجة، يبدو أن لا خلاف دوليا على اعتبار اسرائيل نظام أبارتهايد، وبات عليها أن تواجه المخاطر المتأتية من هذه الحقيقة سواء على الصعيد القانوني الدولي أو على صعيد سمعتها الدولية أو على صعيد الانسياق وراء الدولة الواحدة ثنائية القومية.

وفي تقرير بارز لـ”لواشنطن بوست” صدر في 7 يناير الماضي، طولبت إسرائيل بالاختيار بين الانسحاب من الأراضي المحتلة أو منح الفلسطينيين حقوق مواطنة. إلا أن إسرائيل يبدو أنها اختارت طريقا ثالثة للتسوية على خلاف نصيحة الواشنطن بوست، وهو دولة الأبارتهايد. حيث إن إمعان الحكومات الاسرائيلية بالمضي قدما في الاستيطان بالضفة الغربية في ظل رفض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة يشير بشكل واضح إلى أن هذه الحكومات تسعى الى فرض نظام فصل عنصري كإطار للحل النهائي. ومن خلال هذا الحل المتصور لن يصبح بإمكان الفلسطينيين المطالبة واقعيا بدولة، كما أن إسرائيل لن تكون مطالبة بالتحول إلى نظام ثنائي القومية يعطي المواطنة الكاملة للفلسطينيين. وفي أقصى الحلول تطرفا بالنسبة لاسرائيل يمكن لها أن تقبل في ظل سياسة الأمر الواقع هذه بحقوق اقتصادية للفلسطينيين وليست سياسية.

من هنا، أوصي بضرورة تطوير الخطاب السياسي النضالي الفلسطيني ليشمل ضرورة التخلص من واقع الاحتلال ومن واقع الأبارتهايد معا. وفي هذا الإطار، فإن التركيز على الحقوق المدنية التي تنتهك يوميا من قبل قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين تصبح ضرورة ملحة تماما مثل المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.

Exit mobile version