المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

هل تردع العقوبات روسيا عن غزو أوكرانيا؟

أشار الكاتب السياسي في صحيفة “نيويورك تايمز” بيتر كوي، إلى وجود حجتين متصادمتين في ما يخص قدرة العقوبات الاقتصادية حالياً على ردع روسيا عن اجتياح أوكرانيا.

تقول الأولى إن العقوبات على روسيا سنة 2014 لم تدخل أي تحسن على السلوك الروسي، كما عجزت العقوبات أيضاً عن تحسين سلوك كل من كوبا وإيران والعراق وكوريا الشمالية وفنزويلا. لذلك من غير الواقعي ترقب أن تكون عقوبات أكثر صرامة فعالة اليوم ضد روسيا.
بالمقابل، تقول وجهة النظر المناقضة إن العقوبات ستكون فعالة لأنها ستنزل ألماً اقتصادياً حقيقياً. بشكل مستغرب، كان الروس أنفسهم قد عبروا عن هذا الرأي بشكل بارز. في 2014، قال وزير المالية السابق المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين ألكسي كودرين إن فصل روسيا عن نظام سويفت للتراسل المالي يمكن أن يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بـ5%. وفي 2019، نقلت شبكة آر تي الرسمية عن رئيس الوزراء السابق دميتري مدفيديف قوله إن منع روسيا من الوصول إلى نظام سويفت سيُنظر إليه على أنه إعلان افتراضي للحرب.

بين المبالغة والواقع
بعد دراسة للموضوع، خلص كوي إلى أن التوقعات بحصول ضرر لروسيا عبر فصلها عن نظام سويفت مبالغ بها، لكن العقوبات قادرة على أن تكون فعالة إلى حد ما على الأقل. وبالرغم من أن العقوبات بعيدة من أن تشكل حلاً مثالياً، تبقى البديل الوحيد للنزاع المسلح أو للرضوخ أمام العدوان الروسي. أضاف الكاتب أن أكاديميي العلاقات الدولية يدعمون إلى حد بعيد العقوبات بصرف النظر عن سجلها الملتبس لغاية اليوم.
أيد قرابة 90% من 362 أكاديمياً في جامعات أمريكية تم استطلاع آرائهم بين ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني) العقوبات الاقتصادية في حال شنت روسيا غزواً ضد أوكرانيا، وفقاً لباحثين في جامعة وليام وماري وجامعة دنفر.

الخيار النووي
إحدى الأمور الغريبة في هذا النقاش هي أن عملية فصل روسيا عن سويفت، وهي خطوة توصف أحياناً بالخيار النووي، ستكون أقل تدميراً مما يعتقده العديد من الغربيين والروس. يربط سويفت أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية حول العالم. هو لا ينقل المال لكنه يسرع المعاملات عبر رسائل تؤكد هوية المرسِلين والمتلقين ويتعقب تحرك الأموال نحو الهدف المنشود. إن محاولة القيام بأعمال مصرفية دولية من دون المرور بسويفت هي عملية مرهقة ومكلفة لكنها ليست مستحيلة بحسب كوي. بإمكان البنوك الروسية أن تقوم بعملياتها ولو بصعوبة، عبر الرسائل الإلكترونية والفاكس أو حتى التيليكس، وهو النظام الذي سبق سويفت والذي لا يزال موجوداً بشكل نادر.

مصدر الخطر الأكبر
سيأتي الخطر الأكبر على روسيا من بعض الإجراءات الأخرى التي تُناقش. الأبرز هو إمكانية أن تعمد إدارة بايدن ببساطة إلى منع البنوك الأمريكية من التعامل مع البنوك الروسية بما يجعل سويفت أقل أهمية إلى حد كبير. من المرجح أن تحذو غالبية بنوك العالم حذو البنوك الأمريكية خوفاً من أن يؤدي أي تعامل لها مع روسيا إلى تفاعل غير مقصود مع بنك أمريكي. يمكن فرض عزل روسيا عن سويفت في وقت لاحق للتخلص من بعض التعاملات المصرفية التي قد تكون متواصلة برغم الحظر المفروض من قبل الحلفاء.
تحدث كوي إلى الأكاديمي غير المقيم في أتلانتيك كاونسيل وكبير المستشارين السابقين لمدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة براين أوتول لمعرفة كيفية سيرورة الأمور. أعطى أوتول مثلاً عن عمليات تحويل الروبل الروسي إلى اليورو. يستخدم تجار الصرف الأجنبي الدولار كعملة وسيطة، فيستبدلون أولاً الروبل بالدولار ثم يحولون الدولار إلى اليورو. إن الجزء الذي يشمل الدولارات من العملية ينتهك العقوبات الأمريكية.
أضاف أوتول أن خطوط سكك الحديد والمعادن والتعدين والتأمين والماس وقطاعات أخرى هي ما قد يستهدفه الأمريكيون وحلفاؤهم بالعقوبات. يمكن منع الشركات في الولايات المتحدة ودول أخرى من بيع مكونات أساسية كرقائق الكمبيوتر إلى روسيا.

عن العقوبة المثالية… والاستعداد الغربي
إن العقوبة المثالية ستطال بوتين والمحسوبين عليه من دون أن تؤذي المواطنين الروس أو الولايات المتحدة وحلفاءها. تتأسف مديرة برنامج الأمن والاقتصاد والطاقة في مركز الأمن الأمريكي الجديد إميلي كيلكريز لعدم وجود عقوبة كهذه. وتقول لكوي: “نحتاج إلى أن نكون على استعداد لتحمل بعض من ذلك الألم أيضاً. لقد سبق لنا أن استخدمنا العقوبات التي لا تتسبب لنا بالكثير من الألم” مثل منع حلفاء بوتين من السفر وحظر توفير التكنولوجيا والقروض لقطاع النفط والغاز في روسيا. إن عقوبات جديدة ستؤذي الشركات التي تتعامل مع روسيا وقد تؤدي إلى رد انتقامي. ترى كيلكريز أن على البنوك الغربية الاستعداد للهجمات السيبيرانية قائلة إنه “بوضوح ثمة سيناريو هنا حيث يبرز تصعيد إضافي”.

استراتيجية الوضوح والغموض
لقد استعدت روسيا للعقوبات عبر بناء مخزونها من احتياطات العملات الأجنبية. واستعد الغرب للرد الروسي عبر جملة أمور من بينها الطلب إلى منتجي النفط والغاز زيادة إنتاجهم لتعويض نقص الوقود من روسيا.
ترى كيلكريز أن استراتيجية الغرب يجب أن تكون مزيجاً من الوضوح والغموض. ما يجب أن يكون الغرب واضحاً بشأنه هو نطاق الخيارات المدروسة. من جهة أخرى، يجب عليه ألا يعطي بوتين دليل اللعبة بالكامل، لأنه سيقول عندها: ‘حسناً، نستطيع التعايش مع ذلك‘.
وتنبه كيلكريز إلى ضرورة ترك هامش للتصعيد إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

موقع 24 الاماراتي

Exit mobile version