المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

بوليتيكو:على بايدن تهديد إيران بالقوة والانسحاب من فيينا

دعا الباحث في مجلس العلاقات الخارجية راي تقيه الإدارة الأمريكية إلى إدراك أن الظروف والحسابات الإيرانية تغيرت عما كانت عليه عند التوقيع على الاتفاق النووي سنة 2015 والفترة التي سبقته.

كتب تقيه في مجلة “بوليتيكو” أنه إذا كانت الإشاعات الصادرة من فيينا صحيحة فإن إدارة بايدن قريبة من اتفاق مع إيران يحمل الكثير من العيوب التي حملها الاتفاق الأساسي. لا يعكس هذا المأزق فقط صراعات ديبلوماسية قصيرة المدى بل أيضاً واقعاً أكثر عمقاً: إن حقبة الديبلوماسية النووية مع إيران انتهت.

إعجاب أقل بالمقايضة
أوضح النظام الإيراني أنه لن يقبل بأي اتفاق غير متساهل لا يسمح له بمواصلة نشاطاته النووية الأساسية. حققت إيران تطورات مهمة في برنامجها النووي، خصوصاً في بناء أجهزة الطرد المركزي وقطاع الأبحاث والتطوير، وهي غير مستعدة للتخلي عنها. في مشهد مناقض للفترة التي سبقت الاتفاق النووي سنة 2015، بات برنامج إيران النووي أكثر تطوراً وأولويات القيادة الإيرانية مختلفة. بينما اعتقد الرئيس السابق حسن روحاني بأن الاتفاق النووي سيعبد الطريق أمام اندماج إيران في الاقتصاد العالمي، يبدي النظام حالياً إعجاباً أقل بالحوافز المالية والاقتصادية. بالتالي، إن المعادلة الأساسية للمفاوضات مع إيران أي الإغاثة المالية مقابل التنازلات النووية انتهت صلاحيتها. حان الوقت كي تقبل أمريكا بنهاية الاتفاق النووي.

سجل إيران… الخوف من أمريكا
أضاف تقيه أنه بالرغم من عدم قدرتها على التفاوض بشأن القيود على برنامج إيران النووي، يمكن أن تظل واشنطن قادرة على فرضها. يجب أن تعترف الولايات المتحدة بوجود شكل مختلف وأكثر فاعلية من النفوذ: لدى إيران سجل من الخوف واحترام القوة العسكرية الأمريكية. على إدارة بايدن الانسحاب من المحادثات وإعداد تحرك عسكري ضد إيران إذا انتهك برنامجها بعض الخطوط الحمراء.

حسابات اليوم
إيران اليوم مختلفة عما كانت عليه سنة 2015. يواصل فريق بايدن الاعتقاد بأن المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس ابراهيم رئيسي يعتمدان التقييم نفسه بشأن الأكلاف والمنافع بما يجعل خوفهما من الركود الاقتصادي دافعاً كي يتنازلا في المسألة النووية. يريد قادة إيران رفع العقوبات، لكنهم غير راغبين بالتنازل عن الكثير من برنامجهم النووي مقابل تخفيفها. إن الأسلحة النووية أساسية لمهمة النظام الإمبريالية بما أنها ستسمح لإيران بفرض الهيمنة على الشرق الأوسط بكلفة زهيدة.

الصدمة الأولى
ما يميز خامنئي عن مستبدين شرق أوسطيين آخرين مثل صدام حسين ومعمر القذافي هو تقديره للقوة الأمريكية الصلبة. إنه الحاكم الأكثر ديمومة في منصبه ضمن المنطقة وقد حقق ذلك جزئياً عبر تحاشي الصدام العسكري مع واشنطن. يظهر التاريخ أن إيران تنسحب حين تهددها الولايات المتحدة بطريقة جدية. في 2003، دخلت أمريكا منتصرة إلى العراق بعد فترة قصيرة على إعلان الرئيس الأسبق جورج بوش الابن أن العراق وإيران ينتميان إلى محور الشر. أصيبت المؤسسة الإيرانية بالصدمة من جراء سرعة إلحاق أمريكا الهزيمة بالجيش العراقي ووافقت على إغلاق برنامجها النووي. الدرس هو أن النظام ينسحب فعلاً لكن فقط حين يخشى نزاعاً مسلحاً مع أمريكا.

حين اعترف الحرس الثوري بالخوف
بطريقتها الخاصة، أظهرت إدارة ترامب تأثير القوة العسكرية على إيران. حين أمر ترامب باغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني، كان الانتقام الإيراني محدوداً: الرد الوحيد كان مهاجمة قاعدة عسكرية أمريكية عبر إخطار مسبق وبأسلوب لا يتسبب بسقوط ضحايا. وقال الجنرال في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده رداً على السؤال بشأن الرد الخجول متسائلاً: “هل (ستكون الحرب مع الولايات المتحدة) منطقية؟” ملاحظاً في الوقت عينه أن هذه النتيجة ستعني “انتكاسة بـ10 أو 20 عاماً” لإيران. صحيح أن وكلاء إيران استأنفوا الهجمات المتقطعة على قواعد أمريكية، لكن الملالي لم يصلوا إلى درجة إسقاط قتلى أمريكيين وهي خطوة ستستدعي بالتأكيد المزيد من الانتقام.

مشكلة الاستراتيجية الأمريكية
في الواقع، تابع تقيه، تواجه الولايات المتحدة عدواً ضعيفاً ذا تاريخ بالتنازل أمام أمريكا عندما تهدد. المشكلة في الاستراتيجية الأمريكية هي أنها بالغت في التشديد على ضعف إيران المالي عوضاً عن ضعفها الديبلوماسي والعسكري. بالرغم من الضربة المعنوية التي تلقتها مع الانسحاب من أفغانستان، لا تزال القوة العسكرية الأمريكية تقزّم قوة جميع منافسيها. لو طبقت أمريكا تلك القوة بتصميم وانضباط، فسيكون بإمكانها فرض إرادتها على الأعداء الضعفاء مثل إيران. لذلك، لا تكمن المهمة الحالية في اختراع ترتيب مؤقت ومعيوب آخر يمكّن إيران من الحصول على ضخ كبير من الأصول. على الولايات المتحدة ببساطة رسم خطوطها الحمراء والإصرار على أن أي خرق لها سيستدعي رداً عسكرياً.

الحظر الأهم
يؤكد تقيه وجوب ألا تكون الخطوط الحمراء فضفاضة كي تكون ذات صدقية. إن أهم حظر يجب أن يكون وقف إنتاج وتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة. على ما يبدو، من غير المرجح أن يضم أي اتفاق جديد بنداً كهذا وستكون إيران حرة بالمضي قدماً عبر بناء أجهزة طرد كلما اقترب حلول بنود الغروب المنصوص عنها في خطة العمل الشاملة المشتركة والتي كانت دوماً عبارة عن اتفاق مؤقت. ستحتاج إيران فقط لعدد صغير من هذه الآلات كي تخصب اليورانيوم لغايات تسليحية وبالتالي سيكون بإمكان النظام إخفاؤها في مستودعات صغيرة قادرة على الإفلات حتى من أقسى نظام تفتيش.

خطان أحمران آخران
يجب أن يشدد الخط الأحمر التالي على شحن اليورانيوم الموجود لديها، حتى المخصب بنسب متدنية، إلى الخارج، وعلى الأرجح إلى روسيا. أخيراً، يجب عدم السماح للنظام بتطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. تحتاج الولايات المتحدة إلى إعلان أنها ستستخدم القوة العسكرية ضد إيران لو كشفت أجهزتها الاستخبارية حدوث هذه الأمور. بالتالي، لن يكون هنالك حاجة إلى شراء هذه القيود من خلال تخفيف العقوبات ولن تنتهي صلاحية تلك القيود بمرور الوقت.

أقل كلفة من تحولها قوة نووية
أشار تقيه إلى ضرورة عدم رسم الخطوط الحمراء بشكل عرضي. تحتاج الإدارة إلى إلزام نفسها بتنفيذها في حال تعرضت للانتهاك. وعلى الولايات المتحدة تقدير أنه حتى لو لم تكن إيران تريد نزاعاً مع قوة عظمى، تبقى الحرب الواسعة محتملة. بإمكان النظام استخدام شبكاته من الوكلاء والإرهابيين لاستهداف أصول أمريكية. قد يكون ميزان القوة لصالح الولايات المتحدة لكن يجب عدم إسقاط أكلاف هذا النزاع من الحسابات. في نهاية المطاف، وعلى الرغم من هذه المخاطر، ثمة رغبة أقل بهيمنة إيران مسلحة نووياً على الشرق الأوسط بالمقارنة مع الغارات الأمريكية على منشآتها النووية.

تحذير من الوهم
إذا كانت الطبقة السياسية الأمريكية لا تتمنى هكذا مخاطرة فعليها الاستغناء عن الادعاء علناً بأن الولايات المتحدة ملتزمة بمنع إيران من الحصول على قنبلة. إن ديبلوماسية إدارة بايدن لن تمنع إيران من الوصول إلى الأسلحة النووية لكنها تقدم الوهم بوجود فترة راحة مؤقتة على الأقل. غير أن ذلك الوهم سيكون عبارة عن خداع للذات وفقاً لتحليل تقيه.

24 الاماراتي

Exit mobile version