المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

إسرائيل تفرض على الفلسطينيين نظاماً أسوأ من “الأبرتهايد”

بقلم: ليف غرينبرغ

فاتت تقرير منظمة “أمنستي انترناشيونال” كلمة واحدة هي كلمة “ابرتهايد”. الأشخاص الذين لم يقرؤوا التقرير يقومون بإدانته معتبرينه “لاسامياً” في أسوأ الحالات، أو على الأقل ليس له أي أساس مقابل جنوب افريقيا. وحتى من يؤيدون إدانة إسرائيل ويعتبرونها دولة فصل عنصري لا يجب عليهم قراءة التقرير؛ فكل ما كتب فيه تقريباً معروف ومعلوم بالنسبة لنا.
المشكلة في مفهوم “ابرتهايد” ليست في أنه يمنع تقريباً وبشكل مؤكد قراءة هذا التقرير المهم والمفصل، بل يغلق النقاش حول النظام في دولة إسرائيل المليء بالتمييزات. إذا اردنا معرفة ما يحدث هنا فنحتاج الى تمييز دقيق، وليس الى وضع شيء واحد عنوانه التمييز ضد الفلسطينيين. لأن النجاح في سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين يقوم على عمليات الفصل المادية وعدد من أنظمة الفصل والقمع. صحيح أن الخط الأخضر غير موجود من ناحية اليهود، لكن ذلك ليس من ناحية الفلسطينيين. الفلسطينيون في الضفة الغربية كانوا يريدون أن يستفيدوا من حقوق المواطن والحقوق السياسية مثل الذين يسمون “عرب إسرائيل”، رغم نظام الفصل والتمييز الهيكلي في الدولة اليهودية. لا يوجد أي فلسطيني من مواطني إسرائيل على استعداد لنقل قريته الى الضفة، التي تقع تحت نظام عسكري يشبه ما كان عندما كانوا يعيشون هنا في 1948 وحتى 1967.
هاكم سر نجاح نظام التمييز في إسرائيل. “ابرتهايد” متطور، اذا شئتم، لكنه ليس نظاماً موحداً. لا أعارض استخدام مفهوم “ابرتهايد” من أجل إظهار قوة القمع وعدم القانونية الدولية للنظام في إسرائيل، بل أعتقد أنه يخطئ في تحقيق الهدف السياسي الرئيسي، وهو فهم الواقع الذي هو الشرط الأول لاصلاحه. النظام في إسرائيل ينجح في فصل الفلسطينيين والسيطرة عليهم بشكل ناجع جداً أكثر من نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا في حينه. إذا كان الفصل العنصري هناك خلق وحدة للسود ومطالبة سياسية بالمساواة، “صوت واحد لكل شخص”، فإن نظام التفوق اليهودي والتمييز المتدرج يقسم الفلسطينيين الى درجة أنه لا يمكنهم تشكيل مؤتمر وطني يجمع الفلسطينيين المتواجدين داخل إسرائيل وشرقي القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان. ما الذي كانوا سيفعلونه بأيمن عودة أو منصور عباس اذا شارك أي منهما في مؤتمر وطني كهذا؟
لكن من ينكرون مظاهر “الابرتهايد” المتطور يقولون، إنه لا يوجد هنا تمييز عنصري، بل “نزاع قومي”. اذا كان النزاع قومياً فلماذا لا يمكن للفلسطينيين المتواجدين تحت أنظمة سيطرة مختلفة عن بعضها تشكيل مؤتمر وطني؟ صحيح أن الامر لا يتعلق بتمييز على أساس عرقي، لكن الحديث لا يدور ايضا عن مجرد نزاع قومي. على أي حال، يدور الحديث عن صراع بين مستوطنين وسكان أصليين، وهدف المستوطنين هو محو الوجود المادي والهوية الجماعية للسكان الأصليين من أجل السيطرة أكثر فأكثر على الأرض. “شعب بدون أرض لأرض بدون شعب”، أطلقوا على ذلك، وهو شعار عبر عن الطبيعة التي حاولت فيها الصهيونية القيام بعمليتين في الوقت ذاته: تشكيل اليهود على اعتبار أنهم شعب – قومية، وتجريد السكان الأصليين من هويتهم المشتركة.
خلافاً لجنوب افريقيا، التي أرادوا فيها الحفاظ على السود من اجل أن يتم استخدامهم عمالاً رخيصين ومحرومين من الحقوق، فإن المشروع الصهيوني هو مشروع استيطاني وكولونيالي، مثل استيطان الانجليز في اميركا الشمالية وفي استراليا. حتى العام 1967 لم يرغبوا في قوة عمل السكان الاصليين، بل في أراضيهم. ولكن حتى العام 1948 تمكنت الهوية الوطنية الفلسطينية من التبلور في أعقاب معارضتهم لجهود طردهم الى الخارج. منذ الطرد والهروب أثناء الحرب فإن النظام الإسرائيلي ينشغل بالفصل الجسدي بين اليهود والعرب و”فرق تسد” بين العرب من اجل تعزيز السيطرة والحفاظ على نظام فيه حقوق زائدة لليهود.
صحيح أنه رغم الفصل والقمع والتمييز إلا أن وضع المواطنين العرب في إسرائيل هو افضل من وضع السود في نظام “الابرتهايد”. ولكن وضع الفلسطينيين في الضفة وفي غزة هو اسوأ مما كان في “الابرتهايد”. واقع الفلسطينيين في القطاع هو واقع سجن كبير، والحق الذي تأخذه إسرائيل لنفسها، القصف من الجو وقتل المدنيين، لم يأخذه البيض في جنوب افريقيا من اجل قمع السود الذين يعارضون “الابرتهايد”. في “الابرتهايد” المتطور يوجد فصل بين انواع الفلسطينيين: احدى المجموعات في وضع افضل نسبيا، والمجموعات الاخرى تعيش تحت انظمة قمع في كل انواع الدرجات، أسوأ مما استخدم ضد السود في نظام “الابرتهايد”.
هذه هي المشكلة في استخدام مفهوم “ابرتهايد”. فهو يطمس الفروق ويبهت نجاح إسرائيل في أن تفرق وتسود أكثر. هذه الإدانة هي الإدانة المتاحة الأشد، لكنها لا تمكن من فهم لماذا ينجح هذا القمع بشكل كبير. حسب تحليلي فإن النظام الحالي أسوأ من “الابرتهايد”، لأنه لا يمكّن الفلسطينيين من النضال معاً من اجل هدف مشترك. خمس مجموعات منفصلة من الفلسطينيين تخضع لأنظمة تمييز مختلفة عن بعضها، ويوجد لها أهداف سياسية مختلفة. فداخل حدود ما قبل 1967 الطلب هو المساواة، وفي الضفة الغربية الطلب هو دولة مستقلة، وفي قطاع غزة الطلب هو رفع الحصار. اللاجئون يطلبون حق العودة. والفلسطينيون في شرقي القدس مشوشون، فلديهم حرية حركة وحقوق اجتماعية مثل مواطني إسرائيل الآخرين، لكنهم محرومون من الجنسية مثل الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومثلهم يتعرضون لتهديد الطرد من بيوتهم وهجمات المستوطنين والقتل التعسفي. هم لا يتجرؤون على التصويت للبلدية، وفي المقابل هم يتجرؤون على مهاجمة الجنود وتعريض حياتهم لخطر الموت في طرفة عين دون أي دفاع أو محاكمة.
إذا كان الأمر هكذا فما هو المشترك بينهم؟ ماذا يمكن أن نسمي هذا النظام الذي نجح في فعل ما لم ينجح فيه البيض في جنوب افريقيا؟ المشترك هو أنه في كل مكان بين النهر والبحر وخارج حدود البلاد أيضا توجد لليهود حقوق اكثر مما يوجد للسكان الأصليين. النظام هو نظام تفوق يهودي. ولكن الفجوة ليست واحدة. فالحقوق الزائدة لليهود في الضفة هي اكثر من حقوق اليهود داخل إسرائيل؛ يوجد لليهود في غزة، بوساطة الجيش، سيطرة كاملة على ما ومن يدخل وما ومن يخرج. وخارج حدود إسرائيل نظام التفوق بارز أكثر: من المحظور على أحفاد الفلسطينيين الذين عاشوا هنا مئات السنين العودة الى البلاد أو الحصول على تعويضات عن أملاكهم، في حين أنه لكل يهودي ليست له علاقة فعلية مع البلاد، باستثناء الصلاة والأعياد في افضل الحالات، الحق الكامل في الحصول فوراً على الجنسية الإسرائيلية والدعم الاقتصادي من الحكومة.
هذا هو، إذاً، النظام الفريد الذي قام في البلاد في أعقاب تطور تاريخي خاص يختلف عما كان في اماكن اخرى. ويختلف أيضا عن حلم المؤسسين في اقامة مجتمع يهودي اخلاقي يكون نموذجاً للاغيار. هذا النظام هو ظلامي ويخلق التمييز والكراهية حتى بين اليهود، نظام لا حدود له، وليس لديه القدرة على وقف الدافع القومي المتطرف – العنصري عن مواصلة طرد الشعب الأصلي الى الخارج. مفهوم “الابرتهايد” يدفعنا الى إجراء نقاش دلالي لا فائدة منه، ويحرف الانتباه عن نظام التفوق اليهودي، الذي يستحق كل إدانة، وهو بحاجة إلى تغيير راديكالي. الحل لـ”الابرتهايد” في جنوب إفريقيا كان بسيطاً وهو المساواة في الحقوق لجميع المواطنين. لا ينفع حل مشابه هنا؛ لأنه بعيد عن أن يتعامل مع تعقيدات نظام التفوق اليهودي.

عن “هآرتس”

Exit mobile version