المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

كيف تريد أميركا تكريس الأحادية القطبية من خلال حرب أوكرانيا؟

بقلم: محمد ياغي

لا يوجد منطق في تشجيع دولة على مواجهة دولة عظمى وتدمير نفسها، بالتالي عندما تكون هنالك خيارات بديلة ومعقولة يمكن اللجوء لها كبديل للحرب.
بداية يجب الادراك أن الدول العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين لا تدخل في حروب لا يمكنها كسبها على المدى القصير، لأن الخسارة تعني نهايتها كقوى عظمى، وهذه الدول بالتالي تلجأ عند الشعور بأنها بدأت في الخسارة أو الاستنزاف بسبب المقاومة الشديدة الى استخدام كامل قدراتها العسكرية، وهو ما يؤدي الى دمار شامل دون اللجوء الى استخدام الأسلحة النووية.
شاهدنا ذلك في الفلوجة في العراق أثناء مواجهة الاحتلال الأميركي.. وفي صربيا عندما تعرضت لقصف الناتو.. وفي غروزني وحلب عندما تعرضتا للقصف الروسي. هذا لا يعني بأن الدول العظمى لا تُهزم، ولكنها تُهزم على المدى البعيد من خلال الاستنزاف المتواصل.. لكنها دائما تربح الحرب في بداياتها.
أوكرانيا بالتالي لن تكون الاستثناء، وروسيا ستهزمها او ستدمرها.. ستهزمها إذا وافق قادتها على الشروط الروسية لمنع الدمار الكامل لأوكرانيا.. او بعد أن يتم تدميرها وتعيين حكومة أوكرانية بديلة تقبل بالشروط الروسية. هذا يعني انه كلما طالت الحرب بسبب إمدادات الغرب لأوكرانيا بالسلاح والدعم السياسي، اقتربت أوكرانيا من الدمار الكامل وليس من الانتصار كما يشيع الاعلام الغربي أو المرتبط به.
هذه الحرب لم تكن ضرورية لو أن القيادة الأوكرانية وافقت على سياسة الحياد، واحترمت الحقوق الثقافية للأوكرانيين الروس في منطقة الدونباس، وطورت علاقاتها مع روسيا بدلاً من معاداتها. كان هذا سيجعل روسيا أكثر اطمئناناً لجارتها أوكرانيا، وكان سيعطي الأخيرة هامشاً أكبر لتطوير علاقاتها أيضا مع الدول الغربية دون أن تكون هذه العلاقات على حساب أمن روسيا.
لكن القيادة الأوكرانية إما أنها تصرفت بغباء سياسي شديد وإما أنها تصرفت عن قصد وخدمة للأجندة الأميركية التي تعتبر الصين وروسيا خصوماً لها يجب اضعافهم، حتى تتمكن من التفرد بالعالم خلال المئة عام القادمة.
لكن كيف تخدم هذه الحرب هدف أميركا بجعل العالم أحادي القطب أو بجعل القرن الحالي قرناً أميركياً كما يقول ويريد بعض منظريها. يمكن على الأقل ملاحظة التالي دون الكثير من عناء البحث:
أولاً، محاولة استنزاف روسيا عبر إطالة أمد الحرب من خلال الدعم اللوجستي للقوات الأوكرانية، والعقوبات الاقتصادية على روسيا، وتحريض القيادة الأوكرانية على رفض الشروط الروسية لإنهاء الحرب.
استنزاف الاقتصاد الروسي مصحوبا بخسائر بشرية في ميدان المعركة يهدف الى زعزعة الاستقرار الداخلي في روسيا نفسها. إن تحقق ذلك، فإن روسيا ستعود للانكفاء على نفسها مثلما حدث معها قبل ثلاثة عقود عندما انهار الاتحاد السوفيتي وهذا يحقق جزءاً من الأهداف الاميركية.
هذا احتمال قائم لكنه صعب المنال لأن روسيا لن تسمح لهذه الحرب أن تطول وستعمل على حسمها، حتى لو تم تدمير أوكرانيا بالكامل.
ثانياً، التلويح المستمر للصين بأن العقوبات الاقتصادية لن تكون فقط ضد روسيا، بل أيضا لمن يساندها ويدعمها عسكريا. روسيا بالتأكيد لا تحتاج للصين لدعمها عسكرياً لكن الادعاء بأن الصين تقوم بذلك لأن مخزون الأسلحة الروسية بدأ ينضب، يهدف الى إيجاد ذريعة لتوسيع العقوبات الاقتصادية على الصين.
السياسة الاميركية هنا تهدف لمنع الصين من الاستمرار في تطوير علاقاتها مع روسيا بهدف الاستفراد في الأخيرة (سياسة فرق تسد)، وهي تمهد في نفس الوقت للعقوبات الاقتصادية على خصمها الثاني والأهم وهو الصين.
أيضا هنالك احتمال قائم لنجاح هذه الاستراتيجية، ولكنه احتمال ضعيف لأن الصين ليس من مصلحتها إضعاف روسيا، ووجود روسيا قوية يخدم أجندتها حالياً في مواجهة أميركا وتشتيت الانتباه بعيداً عنها.
الصين بشكل عام تعودت أن تخرج رابحة من كل أخطاء أميركا الكارثية دون أن تستخدم جيشها الى الآن في أية عمليات عسكرية. الصين على سبيل المثال لا تصرف دولاراً واحداً على أمن منطقة الخليج رغم انها الدولة المستوردة الأكبر في العالم لنفط تلك المنطقة.
ثالثاً، عزل أوروبا عن جيرانها (الروس في هذا الحالة) وربط أوروبا أكثر بها. الولايات المتحدة بلا شك لا تريد أوروبا مستقلة عنها وهي تريد إبقاءها تحت سلطة قرارها السياسي والاقتصادي والعسكري لأنها بدون ذلك لا تستطيع أن تهمين لوحدها على العالم.
لاحظوا الأزمة التي خلقتها أميركا لأوروبا وما يطلب من الأخيرة القيام به:
حرب على حدود أوروبا يمكنها أن تتوسع لتشمل أوروبا كلها عند أي خطأ يرتكبه أحد الطرفين، وهذا يخيفها ويجعلها أسيرة للولايات المتحدة على الأقل من جهة الاعتماد عليها عسكرياً.
إضعاف للاقتصاد الأوروبي من خلال فرض عقوبات على روسيا تؤثر سلباً على أوروبا نفسها. بل إن سياسة اضعاف أوروبا وصلت الى حد مطالبتها بقطع امداداتها من الغاز والنفط الروسي الذي يعتمد عليه اقتصادها ويعتمد عليه الكثيرون في أوروبا للحصول على الدفء في الشتاء.
لاحقاً سيتم مطالبة أوروبا بمحاصرة الصين علما بأن الأخيرة هي الشريك التجاري الأول لها.
عندما تقوم أوروبا بكل ما تريده أميركا ستصبح الدول الأوروبية معتمدة في كل شيء تقريبا على أميركا، وهذا سيجعل الأخيرة تتربع على قمة العالم دون منازع.
الى الآن هنالك مقاومة لكنها خجولة الى حد ما من بعض دول أوروبا الأكثر أهمية مثل المانيا وفرنسا للضغوط الأميركية، لكن من الواضح أن دول أوروبا الشرقية تسير في الفلك الأميركي كلياً وأن قيادات هذه البلدان مستعدة لأن «تؤذي» حتى شعوبها بهدف إرضاء أميركا.
الخطة الأميركية للهيمنة عالمياً واضحة ولا يراها إلا من هو أعمى البصيرة أو من هو فعلياً جزء ومشارك في هذه الخطة.

Exit mobile version