المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

في يوم الصحة العالمي، الأوضاع الصحية والبيئية في قطاع غزة تزداد تدهوراً والمرضى هم الضحايا

يصادف اليوم السابع من نيسان يوم الصحة العالمي، وقد أطلقت منظمة الصحة العالمية هذا العام شعار” كوكبنا، صحتنا”، لتركيز اهتمام العالم على الإجراءات العاجلة اللازم اتخاذها لصون صحّة البشر والكوكب وتعزيز العمل من أجل إقامة مجتمعات تركّز على الرفاه. ووفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية “تنجم سنوياً أكثر من 13 مليون وفاة في جميع أنحاء العالم عن أسباب بيئية يمكن تجنبها، وهي تشمل أزمة المناخ التي تشكل التهديد الصحّي الأكبر الذي تواجهه البشرية، ناهيك عن كونها أزمة صحّية أيضاً”.

على الصعيد الفلسطيني، تعاني الحالة البيئية في الضفة الغربية وقطاع غزة من إهدار المصادر الطبيعية، والتلوث البيئي بكافة أشكاله، وتدني مستوى جودة المياه، والإهمال والتجاهل المستمر لقضايا البيئة، نتيجة سياسات الاحتلال الإسرائيلي الذي يعدُّ السبب الرئيس في مشكلات البيئة في فلسطين.

ففي الضفة الغربية المحتلة تعاني مناطق واسعة من الملوثات الناتجة عن قيام المستوطنات وبشكل شبه يومي بضخ كميات كبيرة من المياه العادمة غير المعالجة تجاه الأودية وسهول البلدات الفلسطينية القريبة من المستوطنات، وهو ما يهدد صحة الإنسان والبيئة. كما تعاني مدن الضفة الغربية من التلوث البيئي الناجم عن أنشطة المناطق الصناعية الإسرائيلية، ومكبات النفايات الخطرة الصلبة والسائلة، حيث تتخلص المصانع الإسرائيلية من نحو 50٪ من نفاياتها في أراضي الضفة الغربية المحتلة، وتقدر حجم النفايات بنحو 200 ألف طن سنوياً بحسب تقارير أُممية، تصنف غالبيتها على أنها من النوع السام والخطير.

وفي قطاع غزة، قامت قوات الاحتلال خلال العدوان الحربي في مايو الماضي، باستهداف منشآت البنية التحتية، ومنها منشآت المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي وشبكات الكهرباء، ونجم عن ذلك تداعيات خطيرة على الواقع البيئي والصحي، حيث تسربت مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية وأدى ذلك إلى تلوث مصادر المياه. كما أدى استهداف محطات معالجة مياه الصرف الصحي، وقصف شبكة الكهرباء العامة إلى ضخ المياه العادمة إلى البحر دون معالجة، وهو ما تسبب في مكرهة صحية. وتعتبر هذه العوامل من ضمن محفزات انتشار الأمراض والأوبئة بين سكان قطاع غزة الذي يفتقد لمنظومة صحية مؤهلة للتعامل مع الأمراض الخطيرة.

وعلى مدار عامين، عملت المستشفيات الفلسطينية بطاقة تفوق قدراتها، ضمن ظروف قاسية لم يتوفر فيها ما يكفي من إمكانيات أو طواقم طبية لمواجهة جائحة كوفيد-19، وهو ما أضاف ضغوطاً كبيرةً على المنظومة الصحية الهشة، وتتطلب من الطواقم الطبية جهودًا إضافية في سبيل تقديم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين. ويعتمد أكثر من مليونيّ مواطن في قطاع غزة على المرافق الصحية الحكومية لتلقي العلاج، وتعاني هذه المرافق من تدهورٍ خطيرٍ ناجمٍ عن سياسة الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلية على القطاع منذ 15 عاماً، بالإضافة إلى تداعيات الانقسام الفلسطيني الداخلي والمناكفات السياسية، وقد نجم عن ذلك هشاشة النظام الصحي في قطاع غزة.

وتتواصل أزمة نقص الأدوية في المستودعات المركزية بوزارة الصحة الفلسطينية، فقد بلغ عدد الأصناف الصفرية من الأدوية الأساسية 256 صنفاً دوائياً من أصل 516 صنفاً، بنسبة عجز تصل إلى 49.6%، في حين بلغ عدد الأصناف التي يكفي رصيدها لأقل من ثلاثة أشهر 74 صنفاً دوائياً بنسبة عجز 14.3%. وبلغ عدد الأصناف الصفرية في المستلزمات الطبية 285 صنفاً من أصل 853 صنفاً أساسياً، لتصبح نسبة العجز 33% من أصنافها، بالإضافة إلى 60 صنفاً يكفي رصيدها لأقل من ثلاثة أشهر، بنسبة عجز 10.2%، بحسب إحصائيات وزارة الصحة في قطاع غزة. ويؤثر النقص المستمر في الأدوية الأسـاسـية والمستلزمات الطبية سلباً على الخدمات الصحية وجودتها، وهو ما يهدد حياة المرضى ويزيد من الأعباء المالية على الفقراء منهم، خاصة عندما يضطرون لشراء الأدوية واللوازم الطبية من القطاع الخاص.

وتشهد مستشفيات قطاع غزة، نقصاً حاداً في الكوادر الطبية المتخصصة ذات الكفاءة العالية، ويؤثر ذلك بشكل سلبي على بعض التخصصات الطبية والجراحية، أهمها أمراض الأورام، وطب الأسرة، وطب الكلى، وطب العيون، وجراحة القلب، والطب النفسي، وطب الطوارئ، والأشعة، وطب الروماتيزم، والباثولوجيا، وطب الأعصاب.

وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال هذا العام بمنع توريد أجهزة جديدة لخدمات الأشعة الطبية إلى مستشفيات قطاع غزة. ووفقاً لمتابعات المركز فقد رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلية عدة طلبات رسمية بإدخال 8 أجهزة أشعة طبية ثابتة و6 أجهزة أشعة متحركة إلى القطاع، بالإضافة إلى عدد من الأجهزة اللازمة لخدمة المرضى في المستشفيات. ويؤثر عدم توفر هذه الأجهزة على الخدمة الصحية المقدمة لمرضى العناية المركزة في المستشفيات، ومرضى كوفيد-19. وأكدت مصادر طبية على الاحتياج الكبير لتلك الأجهزة في مراكز الفرز التنفسي، وأقسام مبيت المرضى في المستشفيات كافة، وأصبحت الحاجة لتلك الأجهزة مُلحّة وخاصة في ظل خروج عدد من الأجهزة الطبية الحالية التي تعطلت نتيجة الاستخدام المفرط لها[1].

وبسبب نقص الأجهزة الطبية المهمة وخاصة أجهزة العلاج الإشعاعي والمسح النووي الطبي، زاد الاعتماد على تحويل المرضى للعلاج خارج قطاع غزة، وهو ما يعني دخول المرضى في عملية تحويل طويلة تتطلب مجموعة من الإجراءات المعقدة، ومنها حجز موعد في المستشفى المحول إليها، والحصول على تصريح صادر عن الاحتلال الإسرائيلي لاجتياز معبر بيت حانون “ايرز”، وقد يستغرق ذلك عدة أسابيع، وفي أحيان كثيرة يتم تأخير فحص الطلب من دون مبرر، أو رفض طلبات المرضى من دون أسباب، أو لأسباب واهية وغير منطقية ولا تتناسب مع خطورة وضع المريض الصحي.

واستمرت هذا العام القيود الإسرائيلية على سفر المرضى المحولين للعلاج بالخارج، حيث عرقلت سلطات الاحتلال خلال العام الماضي سفر 7514 مريضاً من المحولين للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس المحتلة أو المستشفيات الإسرائيلية، وذلك من أصل 21532 طلب تصريح للعلاج، أي ما نسبته 34.8% من إجمالي الطلبات المقدمة.

وقد ظهر خلال هذا العام خلل في آليات نظام تحويل المرضى للعلاج بالخارج الذي تتبعه وزارة الصحة الفلسطينية، ونجم عن ذلك تفاقم معاناة عدد كبير من المرضى المحولين للعلاج في الخارج وتعريض حياتهم للخطر. وقد وثق المركز ثلاث حالات وفاة لمرضى منذ بداية العام الجاري[2]، نتيجة عدم استقبالهم في المستشفيات الفلسطينية المحولين لها، أو مطالبتهم بالخروج منها قبل إستكمال علاجهم رغم تدهور أوضاعهم الصحية. وقد ظهر هذا الخلل نتيجة الأزمة الناشئة عن تراكم المستحقات المالية على وزارة الصحة وعدم تسديدها للمستشفيات مقدمة الخدمة.

في ضوء ما سبق، فإن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:

———————————————-

[1] بيان إسرائيل تمنع دخول أجهزة طبية إلى مستشفيات قطاع غزة، 30/1/2022، أنظر البيان على الموقع الإلكتروني للمركز على الرابط هنا

[2] بيان حتى لا تتكرر مأساة الطفل النواتي … المركز يطالب وزارة الصحة بمراجعة آليات تحويل مرضى قطاع غزة للعلاج في الخارج،17/1/2022، الرابط هنا

Exit mobile version