المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

العيد في البلاد غير

في مخيم البقعة، وعلى مقربة من شارع النادي المكتظ عن آخره بالصبية والنساء والأطفال والباعة المتجولين، وبسطات الخضار، يقف الحاج أبو صبحي الذي لوحت الشمس جبينه، المهجر من قرية الفالوجة قضاء الخليل، بانتظار جاره أبو محمد من قرية “دير آبان” إحدى قرى القدس، الذين ترافقا في رحلة الشتات، حيث كانا يقطنان مخيم عين السطان بالضفة الغربية ليهنئه بالعيد، وليتذكرا سويا السنوات القلائل التي عاشاها في قريتيهما المنكوبتين، وليعيدا أمنياتهما التي تتكرر سنويا بحقهم في العودة.

تجاور الاثنان لأكثر من أربعين عاما، ولم يتركا مخيم البقعة، أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني، “والذي ضم في أزقته وحواريه فسيفساء فلسطين من بحرها إلى نهرها، فكان المخيم المكان الذي اجتمع فيه أهل عكا بأهل السبع، وأبناء الفالوجة مع أبناء دير آبان، وضم قادمين من يافا وعكا وصفد.

ومخيم البقعة هو أحد ستة مخيمات أقيمت في المملكة الأردنية الهاشية سنة 1968م لاستيعاب اللاجئين والنازحين الفلسطينيين الذين أُجبروا على مغادرة الضفة الغربية وقطاع غزة جرّاء حرب 1967م، ونتيجة القصف الإسرائيلي لمخيمات اللاجئين في غور الأردن بعد فترة وجيزة من الحرب. وهكذا، فإنه كان، منذ تأسيسه، مخيم “لاجئي اللاجئين”، أي أن سكانه الحاليين لجأوا إليه بعد لجوئهم أول مرة إلى مخيمات الضفة في سنة 1948م. وتشير الإحصائيات بأن عدد سكانه يتجاوز الـ (120) ألف نسمة.

يقول سليم ابو فارس المكنى ب”أبو صبحي” وهو على أعتاب الثمانين، “العيد في تجمعات اللاجئين يختلف عن غيرها من المجتمعات الأخرى، فلمجتمعات اللاجئين الفلسطينيين خصوصيتها، التي فرضتها ظروف ما تعرض له أبناؤها من جيل النكبة والأجيال التي تلته، إذ غالباً ما يمثل العيد مناسبة لاستذكار ذلك العيد الذي كان في البلاد”.

و”البلاد” هو المصطلح الذي يطلقه اللاجئون الفلسطينيون على قراهم ومدنهم التي هجروا منها على يد العصابات الصهيونية عام 1948.

“نعم كان للعيد في البلاد هيبته وجماله الخاص، أما في الشتات فيبقى العيد بالنسبة لي ناقصا ولا طعم له، وهو مجرد واجب اجتماعي”، يتابع أبو صبحي.

ويقول: “لا زلت أذكر تكبيرات العيد التي كانت تصدح من جامع القرية، وكيف كانت الألفة والمحبة بين الناس، التي يعبر عنها من خلال الزيارة العائلية وزيارة والجيران، والتهادي، نعم كان العيد في البلاد أحلى بكل المقاييس”.

من جانبه، قال ابو محمد وهو من عائلة جعارة الذي تجاوز الثمانين كذلك، إن “للعيد في البلاد طعم آخر، لا يشعر به إلا من ذاق عذاب الترحال ولوعة الغربة، أتذكر الماضي بكل تفاصيله، مرّها قبل حلوها”، مؤكدا أن “إرث الماضي الذي حافظ عليه الأجداد والآباء، وما تناقلوه من قصص وروايات وشعر شعبي وأغاني تراثية، تحكي تاريخهم لا بد من الحفاظ عليه وتوريثه جيلًا بعد جيل، حتى نحميه من الاندثار والنسيان ليظل حاضرًا في الأذهان”.

وأضاف: “صحيح ان العادات الاجتماعية هنا لا تختلف عن البلاد، لكن يبقى للعيد هناك طعم آخر، فما زالت رائحة المسخن والمفتول، وهي من الأطباق التقليدية التي تقدم في المناسبات الخاصة والاعياد، ورائحة الكعك والمعمول التي تنشر في أجواء القرية في ذاكرتي ولم تغيب”.

وقال “هذا الجيل الذي تراكمت عليه الأحداث، صارت العودة بنسبة له حديثا يوميا مقترنا بأمنية ووعد، ينقلها إلى أبنائه، مع كل حدث يجري على ارض فلسطين”.

ويتابع أبو صبحي ان “التجمعات الفلسطينية في الشتات لها خصوصية، فقد فرضت عليها الظروف التي رافقت النكبة نسقا معينا من الحياة الاجتماعية تميز بالصلابة والقدرة على تخطي المصاعب، وبات العيد موسما لإعادة التأكيد على ان حق العودة لا يسقط بالتقادم، ولا يموت، بل ينتقل من جيل إلى جيل”.

وأضاف “حلم العودة إلى الوطن الآن هو كل ما آمل به، فكم أتمنى أن أعود اليوم قبل الغد إلى بيتي، ويلتئم شملنا من جديد، ويعود الياسمين يزهر ويفوح عطره في أرجاء المكان، وأتنفس هواء بلادي”.

وفا- محمد محيسن

Exit mobile version