المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

القطاع الزراعي الفلسطيني… بين الدعم والتخطيط

بقلم: عقل أبو قرع

ما زالت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تتدحرج في بقاع العالم، وفي مسارات مختلفة، سواء على صعيد التغيرات الدولية العميقة التي أفرزتها وبدء انتهاء حقبة القطب الواحد المتحكم في العالم على مدار السنوات الماضية، وعلى صعيد الأمن الاقتصادي العالمي وبالتحديد الأوروبي، وما له علاقة بالنفط والغاز، وعلى صعيد الأزمات الإنسانية التي تتعلق بملايين اللاجئين الذين تدفقوا الى دول مختلفة، أو على صعيد الأمن الغذائي في العالم، حيث أن هناك جزءاً أساسياً من صادرات السلع الأساسية للعالم مثل الحبوب والزيوت يأتي من روسيا وأوكرانيا.
وبالتالي من المتوقع أن تشهد دول عديدة في العالم أزمات قادمة لها علاقة بالأمن الغذائي، من حيث عدم توفر الطعام الكافي أو ارتفاع حاد في الأسعار أو تدني جودة ما هو موجود من سلع، وبالطبع فنحن في فلسطين لن نكون بعيدين عن ذلك، وربما بدأنا نلمس ذلك خلال الشهر الماضي من حيث ارتفاع الأسعار وتدني العرض لسلع أساسية وتوقع الأسوأ في المستقبل القريب، وهذا يدعونا بالضبط الى الالتفات الى إنتاجنا والى منتجنا الوطني أو المحلي، وبالتحديد الى القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، كقطاع منتج مستدام يتطلب الدعم والتخطيط والاستثمار والاهتمام في مختلف الجوانب.
فالدول تعتبر تنوع مصادر الإنتاج من الاستراتيجيات المستدامة للنمو وللحفاظ على الاقتصاد والمجتمع متماسكين، والزراعة كأحد القطاعات الإنتاجية مرتبطة بالأمن الغذائي وتوفر الطعام بالكمية والجودة اللازمتين وفي كل الأوقات وتحت ظروف مختلفة، وبالأخص هذه الأيام حيث نشهد دولاً كانت تنتج وبل تصدر الغذاء ومن أهمها القمح، ثم اصبحت تعتمد على الاستيراد، أصبحت تطوف دول العالم لاستيراد القمح، تلك السلعة الاساسية لبني البشر وبأسعار تدفعها من العملة الصعبة.
وفي بلادنا، يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الإنتاجية التي نستطيع الحفاظ عليها ودعمها والتخطيط لها وبالأخص هذه الفترة مع تركيز الحكومة الحالية أكثر على الاعتماد على الذات، ومع التوجه أكثر نحو الانفكاك تباعا عن الجانب الإسرائيلي في مختلف المجالات، ومع أهمية الاستثمار في قطاعات إنتاجية مستدامة تدر الدخل وتشغل الايادي العاملة وتحقق الأمن الغذائي وتزيد التصدير الى الخارج، وفي خضم ذلك من المفترض أن يحتل القطاع الزراعي الفلسطيني الاولوية لمشاريع وخطط الحكومة، سواء أكانت قصيرة أو بعيدة المدى.
ومن المعروف ان القطاع الزراعي في بلادنا كان له دور هام، وساهم بنسبة هامة في الناتج المحلي الاجمالي، ولكن حسب تقارير حديثة، فإن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي قد تقلصت الى اكثر من النصف، اي من حوالي 9% في عام 1999 الى 4% او اقل من ذلك خلال السنوات القليلة الماضية، ومن الأسباب لذلك هو القيود للوصول الى الأرض والمياه، خاصة في المنطقة المصنفة «ج»، ولكن هناك أسباباً أخرى، يمكننا التحكم بها، ومن خلالها يمكن إيلاء الاهتمام المطلوب لهذا القطاع الإنتاجي الهام، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك في تحقيق الأمن الغذائي من حيث توفير المنتج الوطني، والحد من الارتفاع المتواصل في الأسعار وتشغيل المزيد من الأيدي العاملة.
وتكمن قوة او استدامة النمو الاقتصادي لأي بلد، او ثبات وتواصل النمو في الناتج القومي الإجمالي السنوي، أو اداء الاقتصاد الكلي بمدى تنوعه، اي بمدى تنوع القطاعات التي يعتمد عليها، من خدمات ومن سياحة وصناعة وزراعة ومن غيرهما، وهذا ربما يفسر سر نمو وتنامي قوة أداء اقتصاديات بعض الدول، وبل صعودها المتواصل الى احتلال مواقع متقدمة ضمن أقوى اقتصاديات العالم، وهذا يعني الاستثمار في قطاعات مختلفة، وبالأخص قطاعات إنتاجية، تنتج للاستهلاك المحلي وكذلك للتصدير وتشغل الأيدي العاملة، وتحافظ على الأمن الغذائي، وتساهم في الناتج القومي الإجمالي، ومنها قطاع الزراعة، وهذا ينطبق على قطاع الزراعة في بلادنا، سواء اكان في المجال النباتي اي فواكه وخضار، او في المجال الحيواني.
وبالإضافة الى التسهيلات الضريبية والمالية للعاملين او المستثمرين في الزراعة، فإن دعم القطاع الزراعي يمكن ان يشمل القيام بتوفير المواد التي تتطلبها الزراعة الحديثة من بلاستيك وأسمدة ومبيدات بأسعار مناسبة، والمزيد من الإرشاد الزراعي وبأنواعه والذي لا يكفي الموجود منه حالياً، الإرشاد فيما يتعلق باختيار المحصول والأرض، والإرشاد حول استعمال الكيماويات في الزراعة، والإرشاد فيما يتعلق بالقطف والتسويق، والدعم يشمل المزيد من التخطيط الزراعي والنظرة الوطنية لذلك من حيث استخدام المياه والارض، ومن حيث الاستهلاك المحلي او التصدير.
والدعم للقطاع الزراعي يمكن ان يشمل التنسيق لحماية المزارع والمنتج الوطني، سواء من خلال العطاءات او اصدار المواصفات او الفحوصات المخبرية، والدعم يشمل التوجه نحو الابحاث العلمية التطبيقية، التي تعمل على تلبية حاجات هذا القطاع وحل مشاكله المحددة، والعمل على ايلاء التدريب الزراعي الاهمية بدءاً من المدارس وحتى الكليات المتخصصة، والعمل على تقديم الحوافز والضمانات للقطاع الخاص للتوجه وللاستثمار في الزراعة، وكذلك العمل على ازالة تلك النظرة الى القطاع الزراعي بأنة ليس اولوية وليس مربحا وليس بالخيار الأول للعمل او الاستثمار فيه.
وتوفير الدعم والتخطيط المدروس في القطاع الزراعي يعني الحفاظ على الاستقرار، ومن ضمن ذلك استقرار الأسعار، لأنة حين تتناقص السلع او يقل عرضها، تبدأ أسعارها بالارتفاع، ومن ضمنها السلع الزراعية من خضار وفواكه ولحوم وألبان ودجاج وما له علاقة بالإنتاج الزراعي، النباتي والحيواني وهذا ما شهدناه خلال شهر رمضان، وحين ترتفع أسعار المنتجات الزراعية، فإن أسعار العديد من المنتجات التي تتداخل بشكل او بآخر مع المنتجات الزراعية ترتفع كذلك، ومن يدفع ثمن هذا الارتفاع في المحصلة هو المستهلك أو المواطن أو المجتمع.
وفي ظل الازمات الحادة التي افرزتها وما زالت تفرزها الحرب في أوكرانيا وبالأخص على صعيد الأمن الغذائي، فإن التخطيط العلمي ودعم القطاع الزراعي يعني الدعم لمنطقة الأغوار، السلة الغذائية لفلسطين، التي هي في معظمها يتم تصنيفها مناطق ج، حيث يمكن ان تدر للاقتصاد الفلسطيني وحسب دراسات دولية حوالى مليار دولار سنوياً، اذا تم استغلالها بالكامل، وهذا يدعونا الى التفكير والتخطيط الاستراتيجي، والى إيلاء قطاع الزراعة وبالتحديد الزراعة في الأراضي الخصبة التي تحوي المياه الجوفية في منطقة الأغوار الأهمية في اي خطط تنموية استراتيجية، لأن هذا النوع من التخطيط كفيل بتوفير المزيد من الفرص للعمل، والحفاظ على الأسعار، وتوفير المنتج الوطني وبالتالي حماية الأمن الغذائي من تداعيات وأحداث خارجية مثل ما يحدث هذه الأيام بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

Exit mobile version