المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

نيويورك تايمز: الاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة والسعودية تشير إلى تراجع جديد في العلاقة بين الشريكين

تناول الكاتب بن هبارد في صحيفة “نيويورك تايمز” الاتهامات المتبادلة بين السعودية والولايات المتحدة بشأن تخفيض الرياض مستويات إنتاج النفط. وقالت المملكة إنها رفضت طلبا من إدارة بايدن لتأخير قرار “أوبك+” خفض الإنتاج لشهر واحد، بشكل يمنع من ارتفاع أسعار النفط قبل الانتخابات النصفية للكونغرس الشهر المقبل.

وقال الكاتب إن البلدين تبادلا اتهامات نادرة يوم الخميس، بشأن قرار منتجي النفط الأسبوع الماضي رغم اعتراض الولايات المتحدة، مما يشير إلى تدهور جديد في العلاقات وكيفية رد الولايات المتحدة على الغزو الروسي لأوكرانيا.

وردّ وزير النفط السعودي على تعهد الرئيس الأمريكي بإعادة مراجعة العلاقات الأمريكية مع الرياض، بأنه شوّه الحقائق وقال إن واشنطن طلبت تأخيرا لمدة شهر قبل تنفيذ القرار. وهو ما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية كانت مدفوعة بنوع من الاعتبارات السياسية قصيرة الأمد، وليس حرمان الرئيس فلاديمير بوتين من عائدات النفط التي تساعده على تمويل آلة الحرب في أوكرانيا.

وتأخير لشهر واحد، كان كفيلا بمساعدة الديمقراطيين أثناء الانتخابات النصفية. وقال السعوديون إنهم لم يوافقوا على الطلب الأمريكي؛ لأن التأخير “سيترك آثارا اقتصادية سلبية” بدون شرح طبيعة التأثيرات. وردّ البيت الأبيض لاحقا يوم الخميس باتهامات جديدة.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: “تحاول وزارة الخارجية السعودية التلاعب أو محاولة حرف النظر، ولكن الحقائق بسيطة وواضحة”، وأكد على الموقف في واشنطن أن السعوديين يضعفون الجهود لعزل روسيا والتي تنتفع أيضا من ارتفاع أسعار النفط. وأضاف: “نقوم بإعادة تقييم للعلاقات مع السعودية في ضوء هذه التحركات، وسنواصل النظر للإشارات وأين تقف فيما يتعلق بمواجهة العدوان الروسي”، وفق قوله.

وكشف تبادل الاتهامات بشكل واضح عن التوتر بين الرياض وواشنطن بشأن النفط وأوكرانيا. وتشهد العلاقات بين البلدين توترا حول ملف حقوق الإنسان في السعودية، وقلق المملكة بشأن التزام واشنطن بأمنها، والمخاوف من التوصل لاتفاق نووي مع إيران، عدو السعودية.

وتم تصوير التحرك السعودي في الولايات المتحدة كخيانة وضربة مقصودة من حليف قديم للجهود الأمريكية من أجل حرمان بوتين من المصادر المالية. ودافع السعوديون عن قرارهم، قائلين إنه قام على اعتبارات اقتصادية وليست سياسية، وأن قرارات “أوبك+” تم التوصل إليها بموافقة جميع أعضائها وليس السعودية وحدها.

وهاجم المعلقون السعوديون الموقف الأمريكي، وما يرونه إملاءات أمريكية على سياسة النفط. ويرى جيم كرين، خبير الطاقة بمعهد بيكر في جامعة رايس، أن السعوديين لا يريدون مساعدة بوتين، ولكن مصالحهم تقاطعت مع مصالحه عندما تعلق الأمر بالنفط.

وأعلن ولي العهد محمد بن سلمان، والحاكم الفعلي للمملكة عن سلسلة مشاريع كبرى وبناء مدينة مستقبلية، وهو بحاجة إلى رأسمال كبير وأسعار نفط مرتفعة. وقال كرين إن أوبك أعطت قبل فترة أولوية للاستقرار والحفاظ على الطلب طويل الأمد للنفط. وبدا في السنوات الماضية، وكأن الكارتيل مرتاح بسعر 60 و80 دولارا للبرميل.

وفي الأسبوع الماضي، عندما بدا أن سعر البرميل يقترب من 100 دولار، قامت أوبك بخفض معدلات إنتاجه بدلا من الزيادة لدفع الأسعار إلى الارتفاع.

وقال الكاتب إن “الاستقرار عاد للمقعد الخلفي أمام المصالح السياسية والاقتصادية الخاصة”. وبدأ الخلاف عندما أعلنت “أوبك+” التي تضم روسيا في 5 تشرين الأول/ أكتوبر عن خفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل في اليوم. وجاء القرار رغم محاولات مسؤولي البيت الأبيض إقناع السعودية باستخدام نفوذها في المنظمة والحفاظ على مستويات عالية للإنتاج.

وأُعلن عن القرار قبل يوم من تبني الاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات التي كانت تهدف إلى تحديد سقف لسعر النفط الروسي للتصدير. ونُظر إلى القرار على أنه تحرك لإضعاف برنامج العقوبات الأمريكي والغربي ضد روسيا.

وقال بايدن إن السعودية ستواجه “تداعيات” لم يوضحها، وأنه يخطط لإعادة تقييم العلاقة مع المملكة. وذهب أعضاء في الكونغرس الأمريكي أبعد من ذلك، واتهموا السعودية بالوقوف إلى جانب بوتين، الذي ينتفع من أسعار النفط العالية. وناقشوا تشريعا للحد من تسليح السعودية، أو يسمح بمعاقبة أعضاء “أوبك+” المتهمة بفرض تسعيرة للنفط. ورفض البيان السعودي يوم الخميس “بشكل مطلق” فكرة أن تخفيض مستويات الإنتاج مدفوعة سياسيا. وجاء فيه أن “أي محاولة لتشويه الحقائق حول موقف المملكة فيما يتعلق بالأزمة في أوكرانيا، مؤسفة”، في إشارة واضحة للاتهامات أنها تقف مع روسيا، وقرار الرياض التصويت في الأمم المتحدة فيما يتعلق بالحرب.

وصوتت السعودية ودول الخليج مع قرار في مجلس الأمن يوم الأربعاء يشجب ضم روسيا أربعة أقاليم في أوكرانيا، ودعا إلى تراجع موسكو عن قرارها.

وقالت منظمة الطاقة الدولية يوم الخميس، إن خفض الإنتاج سيئ للمستهلكين؛ بسبب زيادة أسعار النفط والطلب طويل الأمد عليه. وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم وسعر الفائدة في عدد من الدول، قالت الوكالة: “ربما ثبت أن أسعارا مرتفعة للنفط، هي نقطة تحول في الاقتصاد العالمي الذي يقف على حافة الركود”.

وتواصل دول الخليج الأخرى التعامل مع روسيا رغم محاولات واشنطن عزلها. والتقى رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد مع بوتين يوم الثلاثاء في سانت بطرسبرغ. والتقى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع بوتين في مؤتمر إقليمي بكازاخستان يوم الخميس.

وقاومت هذه الدول التي تقيم علاقات مع الولايات المتحدة، الجهودَ لمقاطعة روسيا، نظرا للمصالح الاقتصادية المشتركة، أو لأنها تعتقد بالقدرة على لعب دور الوسيط بين روسيا والدول الأخرى، بشكل يزيد من موقفها الدولي.

وساهمت الإمارات بعملية تبادل لـ15 مقاتلا أوكرانياً مقابل 215 روسياً و54 أسير حرب آخرين. وقال شخص على إطلاع بالمحادثات بين الشيخ تميم وبوتين يوم الخميس، إن قطر بحاجة للحفاظ على علاقات ودية مع الروس لمواصلة الجهود الدبلوماسية، بما في ذلك التعاون في روسيا، والتوسط مع إيران بشأن المفاوضات النووية.

لكن نقد السعودية ضد الولايات المتحدة يشير إلى مرحلة جديدة من المسار المستقل الذي اتخذته المملكة في ظل محمد بن سلمان. ولم يعد رأي الولايات المتحدة مهما في القرار السعودي كما يقول محللون في المنطقة.

ويقول جيرارد فيرستين، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط: “أثر القرار السعودي على المصالح القومية الأمريكية، سيكون واحدا من العوامل التي ستنظر فيها القيادة السعودية قبل التوصل لنتيجة ولن تكون محددة”. ويبدو أن الأمير محمد لم يفكر بأن قرار خفض إنتاج النفط سيكون مساعدا لروسيا أو أوكرانيا، وربما رأى فيه “عاملا إيجابيا أو لفتة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.

“القدس العربي”

Exit mobile version