المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الـــرأي الاستشــاري لمحكمــة العــدل الدوليــة وأهميـــة استغلالـــه

بقلم: فواز عطية

تعتبر محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، إذ تتولى الفصل في المنازعات القانونية التي تنشأ بين الدول وأشخاص القانون الدولي طبقا لأحكام القانون الدولي، بتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، من أجل تحقيق الأمن والسِّلم الدوليين.
ولما نجحت الدبلوماسية الفلسطينية بالوصول إلى الهدف المنشود، لأعلى سلطة قضائية تتبع الأمم المتحدة، ورغم حجم الضغوطات التي مورست عليها سواء أكانت بالترغيب أو الترهيب لثنيها عن التوجه إلى تلك المنصة القضائية الدولية، فإنها نتيجة طبيعة – وإن كانت متأخرة- في ظل تعنت الجانب الإسرائيلي – ومؤيدوه من الغرب – بالتسليم بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتنكره لباقي الحقوق المقررة في الشرعنة الدولية على مدار عقود طويلة، وفي ظل تنامي العداء له في الآونة الأخير التي تنبئ عن عدد البيوت التي هُدمت وعدد الشهداء ، فضلا عن التوسع الاستيطاني نتيجة مصادرة الأراضي دون وجه حق هنا وهناك، ومع بروز نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي عكست الوجه الحقيقي لأكثرية الناخبين من الجمهور الإسرائيلي، أقل ما يمكن وصفهم به بالتطرف والتشدد، فقد حان قطاف ثمرات الصبر على مدار عقود وعقود…
نعم يوم 12/11/2022 يوم إضافي للشعب الفلسطيني، إذ تمكن من خلال اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بإنهاء الاستعمار، باستصدار مشروع قرار بغالبية 98 دولة يطلب من محكمة العدل الدولية إصدار رأي قانوني، بشأن ما إذا كان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يشكل ضما بحكم الأمر الواقع.
وبما أن الرأي الاستشاري، سيحدد التبعات القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، واحتلالها الطويل الأمد واستيطانها وضمها للأراضي الفلسطينية دون وجه حق، وحجزها لأموال الشعب الفلسطيني منذ سنتين ويزيد، واعتمادها على تشريعات وإجراءات تمييزية لتزيد من معاناة الشعب الفلسطيني، بحيث سيكون لهذا الرأي أثر قانوني كبير على أهل القدس خاصة وعموم أهل فلسطين عامة.
إذ تكمن أهمية الرأي الاستشاري الذي سيصدرعن محكمة العدل الدولية، بوضع إسرائيلي ومؤيدوها في خانة مغلقة، لا يمكن بعدها التلاعب مع العالم الحر، لاسيما وأن واقع التصعيد والانتهاكات الدموية الفاضحة في حق المدنيين الفلسطينيين وعدد الأسرى والبيوت التي هدمت والأراضي التي تم مصادرتها منذ عام 1967، جميعها تشكل أعمالا عدائية ضد شعب أعزل، تلك الأعمال التراكمية والمتتالية ستصنف ضمن نطاق الجرائم المستمرة، التي لا يسري عليها نظام التقادم، مما يعني أن المحاسبة حتمية امام مؤسسات أخرى تتبع الأمم المتحدة.
بناء على ذلك، لا يمكن لأي حكومة أن تفكر في عملية الضم والتوسع المستقبلي على حساب الحق الفلسطيني، لأن تبعاته من الناحية القانونية ستؤدي إلى المزيد من اللجوء إلى مؤسسات الأمم المتحدة، ومنها على سبيل المثال المحكمة الجنائية الدولية.
ومن هذا المنطلق، يجب الوقوف على حقيقة قائمة من باب ما فُرض بالأمر الواقع ضمن مساحة جغرافية لا تتجاوز 28 ألف كيلو متر مربع، مقام عليها 3 كيانات، كيان عربي فلسطيني، وكياني إسرائيلي في مناطق داخل الخط الأخضر، وكيان إسرائيلي ثان في مناطق الضفة الغربية.
ولابد من الإشارة إليه في هذا المقام، أن ذلك الواقع غير شرعي، لأن إسرائيل تحاول بسياسة الضم تطبيق القانون الإسرائيلي على جميع الكيان اليهودي القائم في مناطق الضفة الغربية، بصورة تخالف قرارات الأمم المتحدة، بعد أن اعترف دونالد ترامب أثناء ترأسه للولايات المتحدة بحق إسرائيل في ضم الجولان السوري وضم القدس الشرقية لإسرائيل، في إطار مبادرته المثيرة للجدل الأخلاقي والقانوني “صفقة القرن”.
بات من المؤكد، أن السكوت عن أفعال إسرائيل لا مكان له بعد اليوم، لأن سياستها على الأرض الفلسطينية بممارسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، بمختلف المجالات ومن ضمنها فرض نوعين من القوانين الأول: قوانين الدولة التي تطبق على المستوطنين اليهود المقيمين في الأراضي الفلسطينية، والثاني: قوانين عسكرية جائرة تطبق على الفلسطينيين الخاضعين تحت سلطة الاحتلال، ستؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج وخيمة نتيجة توفر عشرات القرارات الأممية والمواقف الرسمية الدولية، سواء ما صدر عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تصنف الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية بالاحتلال، ناهيك عن الفتوى القضائية الصادرة عن محكمة العدل الدولية عام ٢٠٠٤ التي اعتبرت تشييد الاحتلال لجدار الفصل العنصري غير شرعي.
كما أن مؤسسات حقوق الإنسان ونتائج تقاريرها في كل حرب ضد غزة، يجب أن يكون موضع اهتمام لتلك المحكمة، وتقارير منظمات هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية التابعتين للأمم المتحدة وبيتسلم الإسرائيلية، يجب أن تكون موضع اهتمام محكمة العدل الدولية، لأن القانون الدولي نظم حقوق القوة المحتلة وواجباتها في إطار الأراضي المحتلة، من خلال معاهدات دولية كإتفاقيتي لاهاي لعام ١٨٩٩ و١٩٠٧، واتفاقيات جنيف الأربع لعام ١٩٤٩، وبروتوكوليها لعام ١٩٧٧.
ولما كان الاحتلال كظاهرة موجودة في المجتمع الدولي، متفق حولها على أنها وضع مؤقت في القانون الدولي، رغم عدم الإشارة إلى المدة التي تعكس ذلك الوضع المؤقت، إلا أن فقهاء القانون اعتبروا أن تلك المدة يجب ألا تتجاوز الخمس سنوات، وإلا يصبح معها الاحتلال غير شرعي.
ومن هنا، نقف على سياسة الكيل بمكيالين، لما يصنف البعض نفسه بالعالم المتحضر الحر، إذ كيف يقبل ذلك العالم احتلال دام عشرات السنين، وأقام الدنيا وجهز الجيوش والعتاد على احتلال روسي للأراضي الأوكرانية لم يمضِ عليه بضعة أشهر؟ أليس في ذلك ريبة وشك في شعاراته؟
الأمر الذي يستدعي من تلك المحكمة نصب ميزان العدل، ليكون رأيها مرحلة عهد جديد لنظام عالمي جديد، يقر بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، لتطوى صفحة الاحتلال من قاموس دول العالم.

Exit mobile version