الرئيسيةمختاراتمقالاتوشوشات من خارج غزة

وشوشات من خارج غزة

كتب: فاضل المناصفة

قدم مركز اتصالات السلام ومقره نيويورك، عملا كرتونيا من ثمانية أجزاء ومترجم الى اللغة الإنجليزية والفرنسية والفارسية يسرد فيه بعضا من معاناة الغزيين وينسب فيها التصريحات المنقولة الى أناس يعيشون في غزة، أجريت معهم مقابلات، على مدار عام 2022، حيث تدور الفكرة الأساسية للعمل حول واقع الغزيين في ظل حكم حماس مع تحميلها المسؤولية الكاملة في تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية كتبعات لسياستها التصعيدية التي لم تجلب الا الدمار لغزة في كل مواجهة تخوضها ضد إسرائيل.

من حق أنصار حماس وضع العديد من علامات الاستفهام حول هوية القائمين على المركز الذي يزعم أنه يقدم رؤية تهدف الى حل النزاعات القائمة على الهوية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – سواء بين الديانات التوحيدية أو الطوائف والأيديولوجيا المتنافسة، بالإضافة الى ومن حقهم أيضا ان يتساءلوا عن هوية صاحب فكرة ” وشوشات غزة وغن قربه وعلاقته بالمشهد الفلسطيني وانتمائه السياسي، وعن حقيقة ما إذا تم فعلا نقل شهادات حية من غزة خاصة وأن مثل ذلك النوع من الانتقادات والأفكار التي نقلها العمل الكارتوني تقود الى ” حبل المشنقة ” وليس من السهل اقناع أي شخص يعيش داخل غزة أن يتكلم بمثل هذا الكلام الذي نقله مركز السلام حتى وان تم إقناعه بأن هويته ستبقى مخفية : ان انتقاد حماس من داخل غزة و عن طريق وكالة تنشط من نيويورك، وبتلك الدرجة من الجرأة يعتبر مخاطرة بالحياة أو بالأحرى ” لعبا مع الموت ”

قد يشكك البعض في أهداف وغايات السلسلة الكرتونية، لكن لا يمكن لعاقل أن ينكر بأن جزءا كبيرا مما نشر عبر السلسلة يمثل الواقع المعاش فعليا في غزة: الحياة في القطاع عبارة عن روتين مستمر مليء بمنغصات الحياة، من انقطاع للكهرباء الى غلاء في الأسعار الى طوابير أمام مكاتب تصاريح العمل للحصول على تصريح عمل في دولة الاحتلال حتى الأطفال لم يسلموا من ضنك غزة فالمدارس تغلق أبوابها بعد كل منخفض جوي يجعل من شوارع غزة وديان جارية بسبب انهيار البنية التحتية للصرف الصحي وغياب العتاد الذي يسمح بالتعامل مع الطوارئ المناخية، والأنكى من كل هذا ان الجباية التي تعتبر مصدر مهما لتغطية مصاريف الحكومة وتشمل جميع مناحي الحياة لا تراعي الظروف الاقتصادية القاهرة التي يمر بها سكان القطاع ليشكل كل هذا كوكتيلا من القهر يشربه الجميع باستثناء أبناء بعض القيادات وميسوري الحال من التجار.

ان المشكلة الأساسية لحماس والتي جعلت سهام الانتقادات تطالها ليست في تبني المقاومة كخيار تدافع به عن القضية المركزية للشعب الفلسطيني وانما في فاعلية الخيارات التي تستعملها وانعكاساتها على الجبهة الشعبية الداخلية وعلى مفهوم الصمود، وعدم الأخذ بعين الاعتبار مفهوم الطبيعة البشرية، فالمقاومة لا تعني بأي شكل من الأشكال الغاء مظاهر الحياة وبرمجة الناس على الاستعداد للمواجهة بعد كل تصعيد، دون القدرة على تحمل تبعات المواجهة واغفال الأثر النفسي الذي يترتب عن خسارة المال والأهل والدخول في المجهول، والمؤسف ان الحركة تعترف بذلك وتقوله بشكل صريح، وهو ما جاء على لسان القيادي يحي السنوار في ذكرى انطلاقة حماس الأخيرة حيث قال : “لقد اتهمنا خلال المرحلة السابقة بأننا نضع مصلحة أهلنا وشعبنا ورزقهم وظروف حياتهم ضمن منظومة حساباتنا خلال الاستحقاقات لمواجهة العدو، وهي تهمة نعترف بها، ونتشرف بأنها في صميم حساباتنا؛ لأننا ” نؤمن” بأن الحاضنة الشعبية يجب أن تكون قادرة على مواصلة الطريق للتحرير والعودة”.، ولكن هل يكفي الايمان بأن الخيارات التي تنتهجها حماس في خيارات الهدنة والتصعيد والحرب صحيحة وغير قابلة للنقاش والاعتراض وأن أي محاولة للاعتراض عنها تعتبر خيانة عظمى ؟

مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن المشكلة الأساسية وهي تواصل حماس مع العالم الخارجي وقدرتها على التسويق للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية أو حتى على المستوى العربي فالحركة التي رهنت علاقاتها الخليجية بالتحالف مع إيران وراهنت على محور المقاومة تجد نفسها معزولة على محيطها الإقليمي ومصنفة كحركة إرهابية من قبل عشرات الدول المؤثرة في المجتمع الدولي وحتى تحالفها مع تركيا لم يكن سوى خدمة مجانية لرفع رصيد أردوغان الشعبي في العالم العربي عندما كان بحاجة الى ذلك، هذا الموقف يجعل من حماس شبيه بوضع بالقارب التائه في عرض البحر.

لقد ترك الناس في غزة ليعيشوا قدرهم بين مطرقة الاحتلال وسندان حماس واجبروا على تحمل الألم من دون أنين أو ربما حاول بعضهم على قلتهم أن يمارسوا انتفاضة الكترونية ك ” بدنا نعيش ” و ” خطفوا غزة ” الا أن هذه المحاولات باءت بالفشل مادام السواد الأعظم من الناس يعيش تحت سلطان الخوف الذي يجبره على ” الوشوشة” أو يخلط ما بين قول الحقيقة ودعم المقاومة، أو ربما لأن الغزيين متعلقون بشدة بقضيتهم الى درجة تنسيهم الوجع وتغفر خطايا حماس وسوء تقديرها في الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة مع الاحتلال كان من الممكن تفاديها نظرا للموقف السيئ الذي تعانيه من الداخل .

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا