المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

أكاذيب وافتراءات بومبيو وتزوير الحقائق

كتب: د. جهاد الحرازين

لقد خرج علينا وزير خارجية إدارة ترامب بمجموعة من الأكاذيب والافتراءات وتزوير الحقائق والتاريخ، وذلك انطلاقاً من معتقداته الصهيونية التي يؤمن بها، والتي دافع عنها متخلياً عن إنسانيته ومبادئه وكل ما يتعلق بالضمير الإنساني، ليصبح مجرد خادماً لأهداف عنصرية صهيونية، ومعتقدات لا أساس لها من الصحة والحقيقة، حيث ادعى بومبيو في تصريحات لبودكاست “One Decision” بأن اسرائيل ليست دولة احتلال زاعماً بأن الدولة اليهودية لديها مطالبة توراتية بالأرض، وبالتالي فهي لا تحتلها- وفقا لذا غارديان البريطانية- وقال بأن اسرائيل ليست دولة مُحتلة، وبصفته مسيحياً إنجيلياً فإنه مقتنع من قراءته للكتاب المقدس، أن بعد 3000 سنة من الأن بأن هذه الأرض هي الوطن الشرعي للشعب اليهودي، ورفضه لدعم حل الدولتين ومن مصلحة أمريكا أن تدعم إسرائيل مهما كانت سياساتها، مدعياً بأن الفلسطينيين هم من أفشلوا مفاوضات السلام ملقياً اللوم عليهم، ولم يكتفِ بذلك بل وصف الرئيس ابو مازن بالإرهابي المعروف الذي قتل الكثير من الناس بمن فيهم الامريكيين .

وأمام هذه الأكاذيب والادعاءات لا بد من توضيح بعض الحقائق على النحو التالي:
أولاً: الادعاء بأن إسرائيل ليست دولة احتلال، هو ادعاء كاذب وباطل لأن إسرائيل هي دولة الاحتلال الوحيدة على الأرض، والتي تحتل أرض الشعب الفلسطيني، وهى من منحت جزءً من الأرض الفلسطينية لإقامة دولتهم وفقاً لقرار التقسيم، ولكنها لم تكتفِ بذلك، بل قامت بارتكاب المجازر وعمليات القتل والتهجير والتشريد للفلسطينيين وهدم القرى، حيث أن هذه المجازر شاهدة عليهم، وبالتالي على بومبيو أن يقرأ التاريخ جيداً ويعود للوثائق الحكومية بوزارة الخارجية الأمريكية التي افتتحت قنصليتها بالقدس قبل أن يكون هناك شيئا اسمه إسرائيل، وكذلك العودة إلى قرارات عصبة الأمم المتحدة، وإلى صك الانتداب، وإلى الوثائق التي دخل بها اليهود والفيز إلى أرض فلسطين، وتصاريح الزيارة جميعها كانت تكتب فلسطين، هذا من جانب ومن جانب أخر فإن كل قرارات الشرعية الدولية من قرارات مجلس الأمن والتي عددها (86) قراراً و(760) قراراً للجمعية العامة، وأكثر من (192) قراراً لمجلس حقوق الانسان الدولي، والتي جميعها تتحدث عن احتلال الأرض الفلسطينية من قِبل دولة الاحتلال “إسرائيل” وبما في ذلك الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي أكدت في معظم بياناتها وتصريحاتها بأن الاحتلال موجود على الأرض من قِبل إسرائيل، ودعوتها لوقف الاستيطان وهدم البيوت، وغيرها من القضايا الأخرى، حيث أن السؤال الأهم هنا لماذا ذهب رئيس إدارة بومبيو الرئيس ترامب إلى طرح ما يسمى بصفقة القرن وزار بيت لحم والتقى بالرئيس الفلسطيني في أكثر من مناسبة .

ثانياً: الادعاء بأن الدولة اليهودية لديها مطالبة توراتية بالأرض، هذا الأمر الغريب الذى يتحدث به وزير خارجية الدولة التي تدعى رعايتها لحقوق الانسان والديمقراطية وحرية العبادات وترفض الدولة الدينية، ليكشف عن وجهه الحقيقي مايك بومبيو باتجاه دعوته لإقامة دولة دينية عقائدية يهودية في تحدٍ لكافة الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية، التي ترفض فكرة الدولة الدينية لما يصاحبها من اضطهاد لأصحاب الديانات الأخرى، أو يؤدي إلى سياسة الفصل والتمييز العنصري، كما هو قائم لدى دولة الاحتلال الأن والمطالبة التوراتية بالأرض، هذا الادعاء الكاذب النابع من الأيدلوجيا الصهيونية القائمة على فكرة سرقة الأراضي والاستيطان من خلال إقامة المستوطنات عليها ومصادرتها من اصحابها الأصليين عبر العديد من الجرائم والتي جميعها تُصَنف جرائم دولية، والتساؤل هنا أين كان يعيش اليهود قبل ذلك ومن أين أتوا، أم أن مخطط الحركة الصهيونية التي ادعت بأن هناك مطالبة دينية لجلب اليهود والهجرات من شتى بقاع الأرض إلى فلسطين حتى لا يفشل مشروعهم، والذى كانت تقوده الدول الكبرى في تلك الفترة للتخلص من هذه الفئة ودورها في المجتمعات الاوروبية ولزرع كيان خدماتي لصالحهم في المنطقة فأين كانوا من هذه المطالبة قبل ذلك؟! .

ثالثاً: يبدو بأن مايك بومبيو يعلم الغيبيات ليقرر بأن هذه الأرض هي الوطن الشرعي للشعب اليهودي، وهنا لا بد من التفرقة بين الديانة اليهود ودولة الاحتلال التي تمارس القتل والتعذيب والاجرام واحتلال لأرض الشعب الفلسطيني، في أكبر معاداة للسامية، فإذا كانوا يعتقدون بأن من ينتقد إسرائيل أو جرائمها يُصَنف معادٍ للسامية، فما بالكم بدولة تقودها حكومة متطرفة تقوم بسرقة واحتلال أرض شعب أخر، وتصادر حقوقهم وحرياتهم وترتكب بحقهم أفظع أنواع الجرائم المنافية للإنسانية وللأخلاق وللقيم والمبادئ الانسانية وممارساتهم العنصرية، فالاحتلال وحكومته وقادته هم أكبر معادٍ للسامية ، فهذه الأرض منذ الاف السنين هي من حق أصحابها الأصليين وهم الشعب الفلسطيني، وليست وطنا شرعياً لهذا الاحتلال.

رابعاً: امتناع بومبيو عن دعم حل الدولتين أمر مخالف للمبادئ التي قامت عليها الاتفاقيات مع دولة الاحتلال، وبرعاية الولايات المتحدة والتي وقُعِتَ في البيت الأبيض، مطالباً فقط بتوفير الأمن لدولة الاحتلال، وكأن هذه الدولة صاحبة القوة النووية وأحدث الأسلحة وأفتكها في العالم بحاجةٍ إلى الحماية والأمن، فإذا أراد بومبيو حقيقة الأمن لدولة الاحتلال، كان يجب عليه أن يدعو لإنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية، ويوقف جرائمها ويلجم سياساتها العنصرية والمتطرفة، متناسياً بأن هناك شعباً يخضع تحت الاحتلال، ومن حقه مقاومة هذا المحتل، وهو ما كفلته له كافة الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية وعن قضية الأمن، فهذا الأمر بات مفضوحاً لأن هذه الذريعة الواهية قد سقطت بأن دولة الاحتلال مضطهدة من الدول المحاذية لها، وبأنها تتعرض للاعتداءات، ولو عدنا بالذاكرة للوراء لوجدنا بأن كافة الحروب بالمنطقة هي من أشعلتها وبدأتها، وهى من اعتدت ولا زالت تعتدي على دول مجاورة وعلى الأراضي الفلسطينية، أي أن فزَّاعة الأمن قد سقطت، ولكن إذا أراد الحقيقة السيد بومبيو عليه أن يدعو هذه الدولة إلى الالتزام بالقانون الدولي، وبكافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية وانهاء احتلالها للأرض الفلسطينية، وإعادة الحقوق المسلوبة والمشروعة للشعب الفلسطيني حتى تنعم بالأمن والاستقرار والسلام.

خامساً: دعوته لدعم اسرائيل مهما كانت سياساتها أمر مفرغ منه، فالولايات المتحدة هي من توفر الغطاء القانوني والسياسي لدولة الاحتلال في المحافل الدولية، وخاصة مجلس الامن بالفيتو الذي تمتلكه متناسياً حجم وكمية الجرائم التي ترتكبها حكومات الاحتلال بشكل يومي، بدءاً من جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم العدوان وجرائم الإبادة ومواصلة احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية بالإضافة الى الدعم المالي الكبير، والذى يقدر بعشرات المليارات من الدولارات الأمريكية لتعزيز حياة الإسرائيليين وتقوية منظومتهم الحربية الإجرامية وتهويد الأرض الفلسطينية، وإقامة المستوطنات في مخالفة واضحة وفاضحة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ليصل الأمر إلى منح دولة الاحتلال الضوء الاخضر في مواصلة ارتكابها لجرائمها وعمليات القتل والتعذيب ومواصلة الاستيطان والقمع والاعتداءات وتهويد الأرض.

سادساً: القى بومبيو باللوم على الفلسطينيين في فشل عملية السلام، وهنا يبدو بأن السيد بومبيو كان يتحدث عن أمر أو قضية أخرى، ولم يطلع على محاضر الجلسات بوزارة الخارجية الأمريكية التي كان يراسها، فمنذ توقيع اتفاق أوسلو حتى يومنا هذا وبتسلسل كامل نجد بأن من يعمل على إجهاض عملية السلام هي دولة الاحتلال، وأكبر شاهد على ذلك نتنياهو الذى أحرج العديد من الرؤساء الأمريكيين بكذبه ومناوراته وتهربه، فالجانب الفلسطيني التزم بكل الاتفاقيات ونفذها، ولكن الإسرائيليين لم يلتزموا بأي اتفاق، بل قوضوا الاتفاقات الموقعة، وبالتالي عليه العودة إلى الممارسات الإسرائيلية من عمليات الاقتحامات والقتل والتصفية ورفض الخطط الأمريكية، كخطة تينت، وإفشال خطة جون ميرى، وعدم الانسحاب من المدن، واقتحامات الأقصى وعمليات القصف والتدمير للبنى التحتية الفلسطينية، واستهداف قوات الأمن الفلسطيني ومقراتهم ورفضهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات ومواصلة الاستيطان وسرقة الأراضي والمياه وبناء الجدار العازل ومحاصرة الشهيد الرئيس ياسر عرفات وعمليات الحصار والقرصنة على الأموال والإعلان عن القدس عاصمة لدولة الاحتلال، ورفض كافة الدعوات لعقد لقاءات ورفض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وهناك مئات بل ألاف المواقف التي تدين حكومات الاحتلال، والتأكيد على أنهم من أفشل المفاوضات وعمل على قتل عملية السلام، فلذلك عليه قراءة الوثائق والأحداث والتاريخ جيداً حتى يدرك ما يقول أو يصرح به، فالفلسطينيين قدموا كل ما لديهم وهنا السؤال الأساسي هو مَن يحتل مَن؟، أليست دولة الاحتلال هي من تقوم باحتلال أراضي الشعب الفلسطيني، فلماذا لا تنهي احتلالها للأرض الفلسطينية عبر مفاوضات سلام جادة، وفق جدول زمنى محدد وعلى أسس ومرجعيات محددة على رأسها قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية والاتفاقيات الموقعة، وبرعاية دولية كما أعلن عن ذلك الرئيس ابو مازن في خطته لتحقيق السلام عبر منبر الأمم المتحدة في أكثر من مناسبة حتى أصبح الأمر موقفاً عربياً تم إقراراه من قِبل جامعة الدول العربية ليشكل موقفاً عربياً واحداً.

سابعاً: اتهام الرئيس ابو مازن بالإرهابي، ووصفه بهذا الوصف والادعاء عليه بقتل الكثير ومنهم أمريكان، أمر مثير للاستغراب، وكأن السيد بومبيو يعيش في عالم أخر، لم يدرك حقيقة الأمور جيداً أو أن من كان يعمل بوزارة الخارجية الأمريكية وزيراً، ومن قبل رئيساً لجهاز المخابرات الأمريكية، شخص أخر وليس مايك بومبيو فالحقيقة، هي أن الرئيس ابو مازن لم يترك مناسبة إلا وتحدث فيها عن تحقيق السلام وضرورة نبذ العنف ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، وضرورة تهيئة الأرض بخطوات من قِبل دولة الاحتلال للعودة إلى طاولة المفاوضات، ولا يزال يمد يده لتحقيق السلام على الأرض، وفي أكثر من مناسبةٍ دولية أو اقليمية أو محلية إلا وكان يدعو فيها إلى تحقيق السلام والتجاوب مع كافة المبادرات المطروحة، والتي طُرِحت وتضمنت الحفاظ على الحقوق والثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني، فلم نرى الرئيس أبو مازن يدعو في يومٍ إلى قتل الإسرائيليين أو الأمريكان أو أي أحدٍ أخر، بل كان حريصاً على وقف سفك الدماء، والمطالبة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وبالمقابل لم يبقى مسؤولاً إسرائيلياً في الحكومات الإسرائيلية الا ودعى إلى المزيد من عمليات القتل والهدم والاقتحامات والحرق ومواصلة الاستيطان والتهويد والتعذيب، وليس بالغريب ونحن نشهد اليوم الوزير المتطرف بن غفير وسموتريش وممارساتهم ودعواتهم للمزيد من التطرف والإرهاب ومن خلفهم نتنياهو وحكومته الفاشية التي تسن وتقر تشريعات العنصرية والإعدام والطرد وهدم البيوت والقرى، فهم من قتل اسحاق رابين، وهم من ينشؤا ويدعموا عصابات الإرهاب كشبيبة التلال وكهانا حي، ويقدموا لها الحماية في حرق الأطفال والعائلات وقطع الأشجار وهدم البيوت وإقامة المستوطنات، وهم من يدعوا إلى تسليح المتطرفين وإطلاق الرصاص على أي عربي، وهم من يمارسوا العنصرية والفاشية، فمَن المتطرف والإرهابي يا سيد بومبيو؟!، أما عن الأمريكان فيبدو بأنك لم تسمع بقصة راشيل كورى وعن شيرين أبو عاقلة كيف تم قتلهم من قِبل الإرهاب الإسرائيلي، واحدةً على أسنة الجرافات قُتِلت، والأخرى برصاص قناص، فلم يقتل الرئيس أبو مازن أو يشارك بقتل أمريكان، عليك العودة إلى نتنياهو وحكوماته لتسألهم عن ذلك، فالرئيس أبو مازن ليس بالإرهابي كما تدَّعي، بل هو قائد ورئيس لشعب يبحث عن حريته واستقلاله وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس .

م/ الرئيس أبو مازن يمثل الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة التي كفلتها كافة الأعراف والمواثيق والاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية، أما الارهاب والتطرف الإسرائيلي وحكومة الفاشية المتجذر بهم لن يجلب لهم أمنا أو سلاماً، وعلى السيد بومبيو إعادة القراءة من جديد وأن يتخلى عن ولاءه الأعمى لدولة الاحتلال لكي يدرك بأن الحقيقة مغايرة لما زُرِعَ بعقله.

Exit mobile version