الرئيسيةمختاراتمقالاتهل مشاركة فلسطينيي الداخل بالتظاهرات ضرورية؟

هل مشاركة فلسطينيي الداخل بالتظاهرات ضرورية؟

كتب: باسم برهوم

على امتداد أسابيع، والمظاهرات تعم المدن في إسرائيل للتعبير عن رفض المتظاهرين لقرار حكومة اليمين الفاشي سن قوانين لتقويض السلطة القضائية، فالدولة العبرية تعيش صراعًا حقيقيًا بين يمينها ويسارها على الديمقراطية. في كل هذه المظاهرات التي شارك بها مئات الآلاف، غاب عنها الفلسطينيون في الداخل تمامًا، أو أن مشاركتهم كانت فيها محدودة وهامشية. شاهدنا أيمن عودة قائد القائمة العربية المشتركة في البدايات، وكان موفقًا وذكيًا في اختيار مفرداته ومواقفه في الكلمة التي ألقاها أمام المظاهرة الأولى في وسط تل أبيب قبل أكثر من شهر، وشارك أعضاء عرب آخرون في الكنيست، ولكن ظلت المشاركة للفلسطينيين في الداخل محدودة جدًا.

والسؤال لماذا لم يشاركوا بكثافة بالرغم من أن القضية المطروحة تمس بحقوقهم ومطالبتهم بالمساواة؟ وهل كان من الضروري أن يشاركوا وبكثافة؟

يعيش في إسرائيل ما يقارب المليوني فلسطيني، وهم يمثلون أكثر من خمس السكان بقليل، عاش هؤلاء ثلاثة أرباع قرن، أي منذ إنشاء إسرائيل، تحت الحكم العسكري تارة، وفي حالة من التهميش المتعمد كل الوقت، وعانوا ويعانون من سياسات التمييز العنصري، والحرمان ومن الفرص، ومع ما يمارس عليهم من ضغوط في كل نواحي حياتهم. لكن الخطير في كل ذلك يأتي من المعاملة المزمنة للفلسطينيين في داخل إسرائيل كأنهم “طابور خامس”، أو حسب الاستخدامات السرية الصهيونية “الأعداء في الداخل”، هذا التعامل لم يتغير بل كان يطفو على السطح بشكل فج كلما أعرب هؤلاء عن مشاعر التضامن مع إخوانهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو كلما حاولوا التعبير عن هويتهم الوطنية.

وفي إطار الحياة السياسية، فالديموقراطية في إسرائيل تتوقف عن العمل عندما تقترب من العرب الفلسطينيين، وكل ما لمسه الفلسطينيون في الداخل من هذه الديموقراطية لم يكن سوى عدد لا يحصى من القوانين العنصرية، وفي طليعتها قانون يهودية الدولة، الذي جردهم من صفتهم كمواطنين أصليين في هذه البلاد، وجعلهم مجرد سكان، لا حق لهم بتقرير المصير على أرضهم. أما على صعيد تعامل الأحزاب الصهيونية معهم، فقوى اليمين، واليمين المتطرف، تجاهر بعدائها لفلسطينيي الداخل، وتمارس هذا العداء، والتحريض عليهم في حملات هذه القوى الانتخابية، وعلى مستوى أحزاب اليسار، والوسط الصهيوني، فهي إن لم تجاهر بعدائها للعرب، فإنها لا تتخذ أي موقف لمنع السياسات والقوانين العنصرية، بل في أحيان كثيرة يصوت بعضها لصالح هذه القوانين، وتتمسك بالجوهر الصهيوني حيال الشعب الفلسطيني.

عدم المشاركة، الذي تقف خلفه، كما أشير، عقود من الإهمال والمعاملة السيئة، يمكن تفهمه، ولكن في معركة من هذا النوع تجري على معايير وأسس الديموقراطية والحد من سلطة القضاء، تصبح المشاركة ضرورية، وإلا نكون نحن قد ساهمنا في تهميش أنفسنا. أما المسألة الأهم أن إسرائيل الصهيونية طالما أشاعت أن ثقافة العرب، لا تنسجم مع متطلبات الديموقراطية، فهم لا يزالون يعيشون في مجتمعات عشائرية، والقانون الذي يحكمهم القانون العشائري.

لا يمكن ترك الصراع على قضية تمس بمستقبل وجود الفلسطينيين في الداخل، ليدور بين الإسرائيليين أنفسهم، وهذا سيفسر تخليًا عن مبدأ المواطنة، وسيدعم الادعاءات بأن مسألة الديموقراطية لا تعنيهم، صحيح أن القضاء الإسرائيلي كان باستمرار غير منصف لهم، ولكن أن يصبح هذا القضاء بين قبضة عصابة فاشية وفاسدة، فإن هذا سيلحق ضررًا وجوديًا لشعبنا في الداخل، من هنا أهمية المشاركة بكثافة وننزع كل الذرائع الصهيونية.

ولأننا شعب يعيش ظروفا استثنائية، فإن كل عنوان نضالي، مهما يبدو غريبًا، فهو مهم، فما بالك بصراع يدور حول الديموقراطية والقضاء. قد لا يفضل الليبراليون واليساريون في الأحزاب الصهيونية ولا يريدون مشاركة العرب الفلسطينيين، وأن لا يظهروا في المشهد كي لا تكون هذه المشاركة نقطة ضعف يستغلها اليمين ضدهم، ولكن حتى لو كان الأمر كذلك فإن ذلك يبقى شكلاً من أشكال التعبيرات العنصرية، وإصرار على إبعاد الفلسطيني عن حقه بالمواطنة، والنضال من أجل أن تتحقق.

هناك إدراك أن لدى إسرائيل إستراتيجية ثابتة بغض النظر عمَّن في الحكم، يمين أو يسار، هي طمس الوجود الوطني للشعب الفلسطيني وإنكار أنه هو المالك لهذه الأرض، في معظم الأدبيات الصهيونية الشعب الفلسطيني ليس له اسم فهو كتلة سكانية لا هوية لها أو حق بملكية الأرض أو أنه هو الصاحب الفعلي لممارسة حق تقرير المصير في وطنه. ولكن وبالرغم ما في كل هذه المقولات من ظلم، فإن مشاركة فلسطينيي الداخل أمر حيوي لانتزاع حقوقهم، وليس هناك من مبرر لترك الساحة السياسية، فمثل هذا الترك هو تخلٍّ عن النضال من أجل المساواة بغض النظر عن مواقف الأحزاب الصهيونية يمينًا ويسارًا.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا