المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

“معركة حياة أو موت”

تشير إحصاءات رسمية فلسطينية إلى أن المستوطنين نفذوا 300 اعتداء الليلة الماضية، على بلدات حوارة وبورين وعصيرة القبلية جنوب نابلس، أسفرت عن استشهاد مواطن وإصابة 392 آخرين، وحرق وتكسير عشرات المنازل.

وعلى مدار عدة ساعات، أمكن مشاهدة ألسنة اللهب الليلة الماضية في كل مكان ببلدة حوارة جنوب نابلس، جراء نيران أضرمها مستوطنون بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، بمنازل الفلسطينيين وممتلكاتهم، وتكشفت تفاصيلها مع ساعات الفجر الأولى.

ووفق بلدية حوارة، فإن اعتداءات المستوطنين أسفرت عن إحراق منزل مسكون واثنين آخرين قيد الإنشاء بشكل كامل، واحتراق خمسة منازل مأهولة بالسكان بشكل جزئي، وتحطيم زجاج 36 منزلا.

عائلة ضميدي كانت واحدة من العائلات التي عاشت “ليلة رعب لعدة ساعات”، بعدما حاصر عشرات المستوطنين منازلها في منطقة سهل البلدة قرب كلية ابن سينا، وأقدموا على إحراق مضافة وسط بيوتها وتحطيم نوافذ المنازل الثلاثة وعدد من المركبات في ساحة المنزل.

عن قساوة تلك الليلة، تقول ربا ضميدي لمراسل “وفا”، إنها “اللحظات الأكثر رعبا في حياتي، فمنذ 10 سنوات أسكن في حوارة، وهذه أول مرة أشعر بهذا الرعب”.

وبينما كانت ضميدي تراقب من نافذة إحدى غرف منزلها بالطابق الثاني تصاعد ألسنة اللهب من عدة أماكن في البلدة، تفاجأت بأصوات تحطم نوافذ المنزل وتعالى صراخ أطفالها الأربعة وسط تساقط حجارة المستوطنين، داخل الغرف.

سارعت ضميدي لحماية أطفالها الذين تواجدوا بصالون المنزل وتمكنت من نقل بعضهم إلى إحدى غرف المنزل، فيما اختبأ البقية بجانب خزانة وسط استمرار تناثر زجاج النوافذ والحجارة فوق رؤوسهم.

وتقول ضميدي لـ”وفا” إن أصغر أطفالها (عام ونصف) كان يصرخ في حضنها، فيما حاول طفلها الأكبر راضي (9 أعوام) تهدئة أشقائه وقريبتنا ريماس التي اضطرت للبقاء بمنزلنا منذ عصر أمس، بعدما لم تتمكن من الوصول لمنزل عائلتها إثر اعتداءات المستوطنين”.

راضي نجل ربا الأكبر طلب من شقيقته لارين (7 سنوات) بأن تنطق الشهادتين، فيما كان يضرب طفلها الثالث رأسه بالحائط، والطفلة ريماس أصيبت بالصدمة، مشاهد رعب قاسية عاشتها العائلة لحظة الهجوم، كما تؤكد ضميدي.

وأمضت ضميدي التي أغلقت باب الطابق الثاني بالمفتاح، لحظات صعبة كلما توقف أصوات تحطم زجاج النوافذ لثوان خشية من صعود المستوطنين إلى الطابق الثاني حيث تحتمي مع أطفالها، وسط توتر وأعصاب مشدودة على مصير زوجها وشقيقه اللذين قررا القدوم سيرا على الأقدام لحماية المنزل.

“كلما هدأ الصوت في الخارج، تهيأ لي أن المستوطنين يصعدون الدرج ويطلقون النار علينا وسيحرقوننا”، تضيف ضميدي.

وتتابع: غادر المستوطنون المنزل بالهجوم الأول عندما وصل زوجي وشقيقه التي سارعت زوجته وطفلاها للحضور إلى منزلنا بعدما حطم المستوطنون نوافذ منزلهم، ولم تمض لحظات حتى عاد المستوطنون بأعداد كبيرة وتسلقوا الجدار الخارجي للمنزل.

ولم يكن أمام ربا و”سلفتها” وأطفالهما الستة إلا الاحتماء بحمام صغير بالطابق الثاني، فيما تعالى صراخ زوجيهما في الخارج وأصوات تكسير المركبات ونوافذ المنازل. وتصف المشاهد في الخارج بأنها “فيلم رعب، يمارس فيه عشرات المستوطنين بعضهم ملثمين الحرق والسلب والتكسير في الساحة الخارجية”.

وتشير ضميدي إلى أنها خلال الهجوم على منزلهم كانت على اتصال مع زوجها عمار وشقيقه ووالده الذين حاولوا الوصول للمنزل من مكان عملهم بمدينة نابلس، إلا أن قوات الاحتلال المتمركزة على دوار سلمان الفارسي منعتهم من ذلك.

ويتحدث عمار لـ”وفا”، إنه كان يتلقى اتصالات متسارعة على هاتفه ويسمع صراخ زوجته وأطفاله أثناء احتجازه على الحاجز برفقة شقيقه ووالده، ورغم إخباره للجنود بأن المستوطنين يشنون هجوما على منازلهم، إلا أن الاحتلال منعهم من الحركة.

قرابة 20 دقيقة بقي الاحتلال يحتجز عمار ووالده وشقيقه ولم يسمح لهم بالمرور بالمركبة، فاضطر للتوجه سيرا على الأقدام برفقة شقيقه بين الأشجار وعتمة الليل قرابة 2 كيلو مترا محاولا الوصول للمنزل لإنقاذ عائلته.

ويقول عمار: “كان الوضع سيئا جدا، ما إن وصلت البيت حتى تفاجأت بأكثر من 200 مستوطن بساحة المنزل، حاولت مواجهتهم برفقة شقيقي لكن الكثرة لديهم كانت غالبة بحماية جيش الاحتلال، حاولت الدفاع عن عائلتي بصحون المطبخ وبالحجارة وما وقعت عليه أيدينا من أدوات، لكن لم نستطع”.

ويتابع: “كنا نسير بعتمة الليل بين الأشجار وطرق وعرة بأعصاب مشدودة ونفسية مرعوبة على مصير عائلاتنا، لأول مرة أشعر بالعجز المعنوي والجسدي، عزل بمواجهة تتار”.

ويشير إلى أن المستوطنين تمكنوا من اقتحام ساحة المنزل، واقتحموا مضافة تتوسط منازلنا نستخدمها للضيافة والترفيه وبدأوا بنهب وسرقة كل ما يستطيعون حمله، من أدوات رياضية وأجهزة “اكس بوكس” وشاشات تلفاز وهواتف محمولة ونظارات، وبعد ذلك أحرقوا المضافة كاملة، ومركبتين بساحة المنزل.

“اضطررت للخروج حتى لو كان مصيري الموت، كانت معركة حياة أو موت، تدافع عن أولادك وبيتك وتواجه مجموعة من التتار المتطرفين الوحوش، كانوا ميليشيات مارست النهب والسرقة والحرق وبثت الذعر والخوف”، يضيف عمار.

ويتابع: “كان جيش الاحتلال يتواجد في المكان وقت الهجوم، وطالبت الجيش بالتدخل لكن جندي الاحتلال صرخ بوجهي:”ادخل على البيت أو بطخك”… “جيش الاحتلال كان يؤمن الحماية للمستوطنين ويمنع الجيران من الوصول إلى منزلنا للدفاع عنا”.

ويكمل عمار: “انتقلنا لمنزلنا هذا قبل شهرين، أمضينا عاما كاملا بتجهيزه ليكون البيت الآمن لأطفالي، لكن المستوطنين جعلونا نعيش وضعا مأساويا مرعبا”.

واضطرت عائلة الضميدي المكونة من ثلاث أسر تضم قرابة 15 نفرا إلى التجمع في منزل نجلهم عمار والمبيت في صالون المنزل، فلم يغمض جفن للكبار فيما نام الأطفال الصغار ليلتهم بريبة وخوف، وفق ما يؤكد لـ”وفا”.

وأدت الاعتداءات في حوارة إلى إحراق 36 مركبة وتحطيم 10 مركبات وإحراق 6 مشاطب للمركبات تضم 1200 مركبة، إضافة إلى الاعتداء على محلين تجاريين، واقتحام مركز طوارئ حوارة، كما تؤكد بلدية حوارة.

كما أسفرت الاعتداءات عن إصابة خمسة مواطنين بجروح و150 بالاختناق بالغاز المسيل للدموع.

وفا – زهران معالي

Exit mobile version